
الإسلام "العاطشفي"
محمد طلبة رضوان
الإسلام "العاطشفي"
الموضوع له جذور تاريخية، عصور الانحطاط الأخلاقي بوصفه نتيجة مباشرة لاشتداد وطأة الاستبداد السياسي، أو تراجع دور الإنسان الفرد في تحريك عجلة التاريخ لصالح المجموع أو المؤسسات المهيمنة، هنا تظهر ميول انسحابية وتسكينية، بالأحرى تخديرية تنحو نحو التفكير خارج "الموضوع".
الغد متسع لكل شيء، "بكرة أحلى"، نحن أفضل من الآخرين، بعض هذه الأفكار قد تصح فيما يتعلق بشأنك الخاص، إلا أن ما يؤثر في هذا الشأن الخاص من مفردات الشأن العام، سياسة، سلطة، حكم، ومشتقاتهم، وتمظهراتهم، كل ذلك لا معنى لتسكينه بالغد و"مش أحسن ما نبقى العراق وسورية"، وربنا كريم، و"احنا اللي وحشين"، ومن أعمالكم، وكما تكونوا يولى عليكم، ثم ينتهى الأمر إلى: الله شف ربنا جميل، وأنا أحب زوجتي وأسبح على يديها، وربنا قريب منك خليك قريب منه، ويا سلام على حبي وحبك.. يارب.
الإسلام دين يمكن اختصاره في "التحرير"، من الخرافة، من الدجل، من التطير، من عبادة البشر لبعضهم البعض، التحرر من سيطرة الجسد، من النزعات الدونية الرخيصة، من المسكنات والمخدرات الفكري والنفسية، التحرر من ضغط الواقع، بالتغيير، من شبح المستقبل، بالتخطيط، ثم يربط كل ذلك بالسماء، بما يحقق التحرر من الخوف والقلق إلا من رب السموات الذي له الأمر كله، وهو القلق الإيجابي الذي يدفع إلى مزيد من "التجويد" في الأداء الإنساني لصالح الفرد، والمجموع، والإنسانية بأسرها.
بدأنا بـ"محمد" محرر العبيد، لننتهي بـ "نهنهات" عمرو خالد، ولقطات مصطفى عاطف بالجاكيت الأحمر والسبحة المربوطة حول معصمه.. "أسلمة الحظاظة"، وبينهما يمكنك أن تضع مصطفى حسني، ومعز مسعود – على خفيف – وأسماء أخرى أرى الشباب يرددونها دون أن أفهم لها معنى أو هدفا أو قيمة أو سردية يمكننا أن نشير إليها يومًا زاعمين أن هؤلاء كانوا هنا وتركوا شيئًا يذكر.
تقول الفتاة اللطيفة: "والنبي ما تشتم عمرو خالد ده هو اللي علمني الصلاة"، ربنا يخليك بلاش مصطفى حسني بموت فيه.. بموت فيه، إلا مصطفى عاطيف.. عملكم إيه عاطييف.. ده عسل.. عسل.. خراشي!!
فيما يقول الداعية "الكيوت" الآن: هؤلاء هم الكتاب العلمانيين، الحاقدين، الذين يكرهون الخير لنا وللإسلام وللمسلمين، يريدون ليطفئوا نور "الدعاة الجدد" بأفواههم و"النايل سات" متم نوره ولو كره العلمانيون.
جميل يا عزيزتي أن يعلمك الصلاة، الأجمل أن تتركيه بعد أن يعلمك إياها فورًا، ذلك لأن الصلاة هي طريقك إلى الله، وطريقه هو لتحويل مسارك عن هذا الطريق، يتغير الإسلام في عقلك ووجدانك من محرك للتاريخ، وإضاءة على طريق الكدح إلى نسخة إسلامية من محمد حماقي، غني وارقصي وفرفشي، واوعي تشربي سجاير أو مخدرات، حسبك ما يمنحونك إياه، عيشي واقعهم، ودعي واقع الناس لأصحابه، "الإسلام مالوش دعوة بالحاجات دي"، أهم حاجة ننبسط !!
هو الآن يأخذك من سجادة الصلاة إلى سلم خدم الملوك والسلاطين، حيث اللا موقف، واللا هدف، واللا قضية، واللا مضمون، ستتحولين إلى "دبدوب" لطيف، أينما "حطه" صاحبه تحول إلى ديكور شرعي.. بلا وزن.. بلا روح !!
هل تبكين وراء عمرو خالد؟ هايل، كان النبي يستعيذ من عين لا تدمع "وقلب لا يخشع"، يُبكيك تأثرًا بصوته وصراخه وعويله وتسبيله، ثم ماذا؟ لا شيء، سرعان ما يزول أثر البكاء دون أن يترك في العقل مسافة يمكن لصاحب البكاء أن يقطعها عائدًا حال الابتعاد، الصحابة أنفسهم كانوا ساعة وساعة، إلا أن ساعاتهم كلها كان يضبطها "الفهم"، عواطفهم ذاتها، كانت عواطف واعية، تجدهم في اقترابهم وابتعادهم على درجة من المسئولية، يزيد الإيمان وينقص، ويظل "الإنسان" محورًا ومركزًا، لا ترسًا في عجلة يركبها "نحانيح" الإسلام "الوستي الكميل".
دعيني أخبرك بما لن يخبرك به الداعية الذي يسبح على يد حبيبته، ويعلمها أصول "الزغزغة في الله": في الأنظمة الشمولية، الاستبدادية، "لا مكان لأحد في صدارة المشهد دون رضا النظام"، هذه قاعدة يعرفها الجميع، مصدوم في محمد منير؟، عادي، ما كان له أن يصل إلا أن تكون هذه حقيقته، لا تصدق ما يفعله خالد الصاوي؟، نزل معنا الثورة ثم تحول مع أول خطر حقيقي، كلنا بشر، لديه شيء من النظافة، وأشياء من إرث الدولة العفنة التي أخرجته، شدته مرة أخرى إلى أسفل، ثمة استثناءات؟ طبعًا، خالد أبو النجا، عمرو واكد، جيهان فاضل، يمشي الحال.
ضربت المثل بالفنانين لأنهم بالنسبة للدولة أقل خطرًا، فما بالك بالأخطر على الإطلاق، المحرك الأول للتاريخ، وللسواد الأعظم من الناس، الدين، الشيوخ.. القساوسة.. الدعاة / الكهنة، على جمعة وصبيانه، الدعاة الجدد الذين يملأون مواقع التواصل صور "سيلفي"، الجميع أبناء "لاظوغلي"، هذا الجهاز العميق هو "اللي مشغلهم"، هو من يضبط "الدش"، "الموجة"، ودعاتنا "الحلوين" يبررون التعامل مع الأجهزة التي تقمع الناس لصالح عصابة تنهبهم وتستذلهم وتستعبدهم بما يخالف أصل الرسالة التي يدعون إليها أصلا، بأنهم يقدمون "المتاح" "اللي يقدروا عليه" شيء أفضل من لا شيء، نصلي ونصوم ونحج، أفضل من ألا يكون هناك أي مظهر للدين على الإطلاق، وكأن مظاهره أغنت عن جواهره !!
لا، ديننا أرقى من أن يختزل في شلة مراهقين يخبرونك أن الدين حلو والنبي جميل "وربنا عمره ما هيسيبك طول ما أنت حلو يا حلو"، "الإسلام عبادة وإرادة" لا انسحابًا وانسحاقًا وتشيئًا وركاكة، وتبلدًا يبدو في الصورة رومانسية، الإسلام يبكيك ليبنيك كما يُبنى الذهب من النار، أما دعاة الحظاظة فيبكوك ليخدعوك، ليسكنوك، ليقدموك، وليمة على موائد السلاطين، "صوت الداعية عورة"، أما الإسلام فـ "ثورة".. ثورة !!
تواصل مع الكاتب عبر فيس بوك.. من هنا