
حق التنفس.. (عن شهادة ماهينور المصري)
محمد طلبة رضوان
حق التنفس.. (عن شهادة ماهينور المصري)
ما جاء في شهادة ماهينور المصري كان متوقعًا، لكنه مرعبًا، التوقع لأننا لسنا في دولة، نعرف جميعًا، أما الرعب فيكمن في التفاصيل.
ماهينور شخصية هادئة، على عكس ما يبدو في التظاهرات، تحترم نفسها وكلمتها، وحين تخبرك، فهي الشاهد العدل، كما يعرفها كل من اقترب منها، زارتها أختها، وأودعتها شهادتها عما يحدث داخل السجن، وعما حدث يوم الزيارة المشئومة لما يسمى زورًا بـ "المجلس القومي لحقوق الإنسان"، ماهينور قالت أن اللجنة كذابة، هكذا قال محمد عبد القدوس – عضو اللجنة نفسها ! – قبلها بأيام، لم يرد أحد على عبد القدوس، ولا أظن أن أحدًا سيرد على ماهي، ولو كذبا..
في المؤتمر الصحفي سألوهم عن شكوى ماهينور، فردوا: لم تكن هناك وقت زيارة اللجنة للسجن، خرجت، ربما للتحقيق، ماهينور مسجونة بحكم نهائي، لا يوجد تحقيقات، كانت هناك، ولم يزرها أحد، ولم يهتم أحد لشكواها، بل لم يلتفت إليها أحد رفاق الأمس القريب، محمد عبد العزيز، عضو مؤسس في حركة تمرد، كان ضمن اللجنة، وهو صديق لماهينور، قبل أن يكون مسئولًا، أخلاقيًا وقانونيًا عن التحقيق في شكواها، ومع ذلك، لم يسأل !!
شكوى ماهينور رسمية، تقدمت بها محاميتها، وفاء المصري، في يونيو الماضي، والتحقيق فيها ليس تفضلًا، بل أمر، بقوة – لا مؤاخذة – القانون، أي قانون ونحن في مصر، وتحت حكم العسكر، سؤال وجيه، ومقبول شكلًا وموضوعًا، لكننا نتحدث عن الافتراضي، وننشر في العالم الافتراضي، أما الواقع فله شعب لا يحميه !!
ماهينور اشتكت من علبة السردين المسماة "سجن النسا"، تكدس غير عادي، في هذه الحرارة، الشكوى كانت في حر يونيو، الخفيف، فكيف بـ "أغسطس"؟!!
العنابر مكدسة، الزنازين مغلقة، منافذ الهواء مسدودة تمامًا، المراوح بطيئة لدرجة عدم الشعور بوجودها، الشفاطات لا تعمل، الاستمرار في الحياة مسألة اجتهاد شخصي، لا أحد يسمع لشكوى، ولا أحد يهتم.
فجأة، استيقظت السجينات على حال غير الحال، يدهنون الحوائط، يصلحون المراوح، والشفاطات، كنس، ومسح، وتلميع، "شَدوا السجن"، لدرجة أنهم ركبوا شبكة كرة طائرة، مع العلم أنه ممنوع على السجينات مغادرة العنبر أصلًا، السجن "بيبرق"، وآخر حلاوة، ما الذي حدث؟ أخبروهم أن لجنة حقوق الإنسان قادمة، زيارة مفاجئة، على غفلة، يوم 23 أغسطس !!
ماهينور وصفت اللجنة الكاذبة بالوجوه القبيحة، تلك التي تدعي دفاعها عن حقوق الإنسان، فيما لم تنبس ببنت كلمة خارج مقرر الداخلية، ضباط الشرطة، رافقوا لجنة الحقوق المزعومة في زيارتهم خطوة بخطوة، كأن اللجنة محتاجة لتوصية، التحقيق في شكاوى السجناء من الداخلية، تم بمعرفة الداخلية، وتحت عينها، العنابر التي دخلها أعضاء اللجنة المحترمين، لم تكن كما طلبوا، لأنهم في الحقيقة لم يطلبوا، ولا كانت بشكل عشوائي، الداخلية هي التي اختارت لهم، من باب إكرام الضيف، عنابر بعينها دون أخرى، تلك التي لن يجرؤ من بداخلها على النطق بكلمة واحدة عن الانتهاكات التي يتعرضن لها.
ماهينور شددت في شهادتها لأختها، عما أسمته "المشرحة"، مستشفى السجن، السجينات يعذبن بالضرب المبرح على أيدي الأطباء، قرأت هذا السطر، على موقع البداية، الذي نشر شهادة ماهي، أكثر من مرة، فركت عيني من الشك، وضعت أصبعي على السطر وقرأته وحده 3 مرات، دون جدوى، إي نعم، ثمة طبيب معالج يعذب السجينات، ليس ذلك فحسب، ويتسبب في مضاعافات خطيرة لبعضهن، ليس ذلك فحسب، خذ الأدهي والأمر، "الباشا" قتل سجينة قبل عيد الفطر الماضي، قتلها، اقرأ مرة أخرى لعلك لم تدرك بعد، "ق ت ل ه ا" !
بالمناسبة: لجنة حقوق الإنسان لم تذهب لزيارة مستشفى السجن .. !!
***
كل ما فات، من شهادة ماهينور، كوم، والآتي كوم آخر، خذ نفسًا عميقًا، وتعالى أخبرك عن البلد الظالم أهله، وحكامه، وشيوخه، وقساوسته، وإعلامييه، البلد الكافر بقيمة الإنسان، ولا يمكن والحال كذلك أن يدعي أحد فيه إيمانًا حقيقيًا بأي شيء له معنى وقيمة.
السجينات العجوزات، أغلبهن من الغارمات، هل تعرف الغارمات؟ اسأل الشيخ علي جمعة، قد يخبرك، فهو يجمع تبرعات عليهن بالملايين، الغارمة هي التي سجنت في كمبيالة أو شيك، قسط ثلاجة، غسالة، بوتوجاز، بعضهن يسجن في 500 جنيه، وأحيانًا أقل، واحدة فقيرة قررت تجهز ابنتها بالقسط، وسددت عشرة أقساط وتعثرت في قسط أو اثنين، الدولة تقبض عليها وتودعها السجن، لأنها حرامية، ليست مواطنة شريفة تستحق الحياة خارج أسوار السجن مثل المواطن الشريف أحمد عز، والمواطن الشريف فتحي سرور، والمواطن الشريف زكريا عزمي، والمواطن الشريف حبيب العادلي، ومن قبلهم المواطن الشريف حسني مبارك والمواطنة حرمه، كل هؤلاء ليسوا غارمين، أما سيدات سجن دمنهور فغارمات، يذهبن إلى المحكمة ثم يعدن إلى السجن، يوم العودة له طقوس خاصة، كل القادمات من المحكمة يبتن في غرفة واحدة، أيًا كان عددهن، ركز، غرفة واحدة أيًا كان العدد، لماذا؟ كي يجري تفتيشهن، طيب، تمام، كيف يجري التفتيش؟ يخلعون عنهن ملابسهن بالكامل، "ملط" ويفتشنهن، ليلة كاملة، عرايا، ممنوع الخروج من الغرفة، من أرادت قضاء حاجتها فلتفعل مكانها، وهي عارية، أما الحارسات، وأمام زميلاتها، تذكر: سيدات في عمر والدتك، دخلن السجن فقرًا وبؤسًا، هكذا تعاملهن الدولة المصرية.
لا يوجد ميعاد محدد للتمام والفتح، في الغالب يغلقون عليهم الأبواب في الثانية والنصف ظهرًا، لاحظ: هن يطبخن طعامهن بأنفسهن، ماهينور تقول أن الكهرباء والمياة في حالة انقطاع دائم، وأن هذا الموعد بالتزامن مع الانقطاع لا يكفي لإعداد الطعام، السجن لا شأن له بذلك، اقفل الأبواب، ولتمت السجينات جوعًا، توسلوا إليهن، جهد ومفاوضات ووجع قلب، مدوا لهم ساعة ونصف آخرين، 4 ظهر بالتمام تغلق الأبواب إلى اليوم التالي !!!
بعد إغلاق الأبواب، السجينات والحوائط سواء، لو ماتت السجينة، صراخًا وعويلًا، لن يرد عليها أحد، صاحب السجن يقفل بالمفتاح، ويروح لأولاده، كوميديا سوداء، ولكن عذرنا أن البديل هو الجنون، ماهينور تحدثت عن الليالي السوداء التي تصرخ فيها السجينات من شدة المرض، والألم، دون مجيب، ممنوع المرض بالليل، إحدى السجينات ظلت تصرخ لساعة ونصف، حامل، وجاءها المخاض، طلق الولادة، يا عالم، يا هووووه، لا أحد هناك، السيدة المسكينة وضعت طفلها داخل الزنزانة، ولدت، دون طبيب، دون رعاية، دون مروحة، نسمة هواء، دون أي شيء، خرج الطفل من براح رحم أمه، إلى ظلمة الزنازين المصرية وضيقها!
ألم يكن من حق هذه البائسة وهي في شهرها التاسع أن تقضي آخر يومين قبل الولادة على سرير نظيف في مستشفى السجن، ألم يكن من حق طفلها أن يولد في مكان آخر غير الزنزانة، ألم يكن لصرختها حق على سجانيها، وما أخبار جمعيات المرأة، وحقوق صيقاتنا في النادي، والمولولات على مواقع التواصل لأن أحد السفلة نادى عليهن بلفظ مسيء، مطالبات بحقوق احترام مشي الهوانم في الشوارع، حقهن، لكن أين حقوق هؤلاء، أصبحنا نطالب بحق الولادة، حق قضاء الحاجة، حق الطعام والشراب، حق التنفس، دون أن يسمع صدى صراخنا أحد، حتى الحوائط الصماء أرحم من هذه الدولة الـ.....، يا وحدنا.
ماهينور تحدثت عن أشياء أخرى كثيرة، لائحة السجن المقدسة التي لا ينبغي لأحد أن يطلع عليها، ومدد الزيارات غير المحددة، حسب مزاج الباشا، والممنوعات بالمخالفة لشيء يسمى القانون، زنازين المحكوم عليهن بالإعدام التي يجري التعامل معها بوصف أصحابها أموات، ومن ثم لا حق لهم في شيء، أشياء كثيرة، لكنها على كل حال لا تهم، المهم الدولة وسيادة الرئيس، تحيا مصر.