رئيس التحرير: عادل صبري 03:52 مساءً | الاثنين 07 يوليو 2025 م | 11 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

إرهابي عمره 13 سنة !

إرهابي عمره 13 سنة !
07 يوليو 2015

إرهابي عمره 13 سنة !

محمد طلبة رضوان

عم أبو حسين هو صاحب محل العصير الذي أمر عليه يوميا، من شارع الورشة، في شبرا مصر، وقتها كان ما زال يقف بنفسه، قبل أن يرث أولاده مكانه، وأمتنع عن شرب القصب ثلاث مرات يوميا..

 


يحكي لي أنه يقدم للناس المشروبات المثلجة منذ أن كان صغيرا، وهو في عمر الشباب، 22 سنة، كان يقف بثلاجة "سباتس" على النيل، والـ"سباتس" هو بيبسي أهل زمان، مصنع قديم، ما زال يعمل حتى الآن ولكن في نطاق شديد الضيق، للغاوين فقط، كان عم أبو حسين يشتري لوح الثلج، ويضعه في صندوقه ويضع عليه الزجاجات، ولا يرضى بغير بيع الزجاجة مثلجة في حر الصيف، طوال عمره تعلم ألا يشرب الناس إلا مما يرضاه لنفسه شرابا، وبناء عليه كان يضطر لبيع الزجاجة أغلى من ثمنها، لأنه يكلفها..


تطاول عليه يوما أحد الزبائن، كان يود أن يبدو متنفذا، وواصلا، أمام خطيبته، تكلم أبو حسين مع الرجل بأدب، حاول أن يخبره أنه مضطر لبيعها أغلى من ثمنها قليلا، ثمنا للثلج، ووجع القلب، في الاتيان به، ولم يستجب الرجل وأصر على تلبيس أبو حسين قضية تسعيرة !!


أمام القاضي، سأله الأخير: هل تبيع أزيد من التسعيرة؟، أخبره المحامي أن يكذب ويتهم الزبون، إلا أنه أجاب، إي نعم يا باشا، أبيع بزيادة، فتح القاضي عينيه، وهو يبتسم ويسأل: لماذا؟، لأنني أضطر لشراء ثلج بكذا، والسيارة تنقلها لي بكذا، فتقف على الزجاجة بكذا، لو بعتها بثمنها لن أكسب، وأنا سارح على لقمة عيشي، وليس على الخسارة، لثوان نظر إليه القاضي مبتسما قبل أن يكتب شيئا في ورقة، وينطق: براءة !!


يقول لي في شجن: الصدق منجاة يا ابني، قلت له الحقيقة فبرأني، مع إن القضية كانت سليمة، عم أبو حسين لم يفقد ثقته يوما في القانون بسبب هذا القاضي "السكرة"، كما يصفه، أما القاضي نفسه، فلا شك أنه خالف سطور القانون، لكنه لم يخالف فلسفته، على العكس قام بتفعيلها، ببث الروح فيها، بتحويلها إلى لحم ودم، لم يتعامل معها كما يتعامل الأكادميين مع الحقائق على الأرض وفقا لنظرياتهم المعلبة، محاولين صب الحياة في قوالب النظرية فنبدو تحليلاتهم مثيرة للشفقة، والرثاء، وأحيانا للكوميديا.


القاضي يعرف أن القانون إنما جعل لنصرة المستضعفين، بالعدل والقسطاس المستقيم، وما لهذا جعلت قضايا التسعيرة، إنما للمحتكرين، والجشعين، وقطاع طرق الحياة السهلة أمام الناس، لا لبائع "سريح" على النيل يأخذ قدر تعبه ..


هذا هو القاضي في منتصف القرن الماضي، حارس العدالة الذي يخدم الناس بالقانون، ولا يجعل منهم عبيدا لحبر المطابع الذي يحمل ألفاظ المشرع دون روحها.

***

الأستاذة سمية عادل المحامية، نشرت على الفيس بوك "بوست" تروي قصة طفل صغير، هو عبد الرحمن مصطفى محيي الدين، عمره 13 سنة، من الإسكندرية، نزل ليشتري شيئا لوالدته من الشارع، تصادف مرور مظاهرة، وجد الناس تجري، فجرى ..


 

الشرطة قبضت على "عبد الرحمن" وأودعته سجن كرموز بتهمة التظاهر وترويع الآمنين، قبضوا عليه وعلى أكثر من طفل تصادف وجودهم في هذا التوقيت !!


بعد أسبوعين تم عرض "عبد الرحمن" على النيابة، في حضور أهله، ومحاميته، وجدوه مصابا بحروق بالغة، وشديدة الخطورة في ساقه !!


ما الذي حدث؟ لا أحد يعرف، الطفل نفسه لا يكاد يعي ما يجري من حوله، لماذا قبضوا عليه، لماذا سجنوه، لماذا أحرقوا جسمه، هو الآن في النيابة .. لماذا؟ لا يعرف ..


أخبرهم أن غلاية مياه وقعت عليه، ورفضت إدارة السجن علاجه، فتطوع أحد زملائه في الزنزانة بالتغيير له على الجرح، ومع عدم وجود أي إمكانات، جاءت طريقته في التعامل مع الحرق بدائية جدا، مما تسبب في تفاقم الحالة، ووصول الحرق إلى درجة يخشى معها الاضطرار لبتر الساق، إذا لم يتم إنقاذه ..

تطورت حالة عبد الرحمن، وأصبح منظر الحرق مثيرا للقشعريرة ، كانت أمه قد عرفت بحالة ابنها وطلبت نقله إلى المستشفى ورفض المأمور، تعلل بأن النيابة لم تخطره بذلك، إنه القانون، اقترب ميعاد عرض الطفل على النيابة، القانون ينص على أن مأمور القسم مسئولا عن المحبوسين طوال مدة وجودهم عنده، سينكشف الأمر، وافق "الباشا" على عرض الطفل على طبيب، كان قد مر أسبوعا كاملا، رفضت المستشفى الميري استقباله، ورفضت مستشفى الجمهورية ورأس التين، حيث مر على الحرق أكثر من 24 ساعة، إنه القانون !!!


في النيابة، لم يكن عبد الرحمن يخشى من شيء سوى صدمة والدته، أخبرهم أنه لا يريد أن يحكي خوفا عليها من الفاجعة، تطوع طبيب موجود لتطهير الجرح بشكل مبدأي، استأذنوا النيابة، ودفعوا أكثر من رشوة لأمناء الشرطة، واستلفوا كرسيا من "بتاع" الشاي، بثمنه، وبدأ الطبيب في التعامل مع ساق الطفل، فيما كانت يداه مكلبشتان، يد الطفل، حتى لا يهرب، إنه القانون !!


نسيت أن أخبرك أن "عبد الرحمن"، وقف أمام القاضي الشامخ محمد هاشم، ووقفت محاميته تصرخ أن حالة الطفل لا تسمح بهذا العذاب، ورأى القاضي الحرق الخطير في ساقه، وتعرف على القصة كاملة، وحكم بتجديد حبس عبد الرحمن 45 يوما ..


هذا هو القانون الذي يراه الجنرال عبد الفتاح السيسي غير كاف لإنجاز عدالته، هذا هو القانون الذين يريدون تغييره لأنهم يرونه منحازا أكثر من اللازم للمتهم ولا يصلح، هذا هو القضاء المصري الشامخ، هذه هي مصر، مصر السيسي، مصر 30/6، مصر التي تتقدم وتزدهر، دون أن يشعر أعداء الوطن من النشطاء والعملاء والإرهابيين، مصر التي ينتظرها المستقبل لتصبح "قد الدنيا".


سأترك لك المقارنة بين قاضي "عم أبو حسين" الذي حكم بالبراءة في قضية صحيحة، نظريا، على شاب يافع، رجل، 22 سنة، أقنعه بصدقه وحجته أنه يتجاوز القانون لصالح العدل الذي يريده القانون فبرأه القاضي الحق، وبين آخر جاءه طفل، لم يرتكب جرما، لا يوجد دليل واحد ضده، بريء، حالته الصحية لا تسمح بحبسه، ساقه محروقة بفعل فاعل في السجن، يتعرض لأقسى ألوان العذاب، فما كان من القاضي الشامخ إلا أن تجاوز القانون الذي ينص على أنه لا يحبس الطفل الذي لم يتجاوز 15 عاما حبسا احتياطيا (المادة 120 من قانون الطفل) وحكم عليه بالحبس مجددا ..


عبد الرحمن ما زال محبوسا في سجن كرموز، بلا رعاية طبية، وفي الطريق إلى بتر ساقه، بتهمة الإرهاب، والتظاهر، والترويع، ويبدو أنه لم يعد يخشى على أمه من شيء، ربما لأنه في حالة لا تسمح له بأن يشعر بأي شيء سوى ما هو فيه من عذاب، زارته الأم المنكوبة فأودعها رسالة مكتوبة بخط يده، وروى لها تفاصيل أول سبعة أيام حبس، تلك التي أخفاها عنها في النيابة خوفا عليها، بعد القبض عليه، ضربوه ضربا مبرحا، وعذبوه بالكهرباء، عذبوا الطفل القاصر (13 سنة) بالكهرباء، وأطفأوا في جسمه السجائر، وألقوا عليه في زنزانته ماء عفنا، استمر ذلك لمدة 7 أيام متوالية ..


قد يهمك أن تعرف أن في الإسكندرية وحدها – بلد عبد الرحمن – أكثر من 90 معتقلا من الأطفال القصر منذ 3/7 حتى الآن ..

 

للتواصل مع الكاتب عبر موقع فيس بوك

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية