
الميرى كريسماس الحرام جدًا!
آلاء الكسباني
الميرى كريسماس الحرام جدًا!
لست من المؤمنين بحدوث تغيير كبير ما بين سنة ميلادية وأخرى، لربما لإنه تنتابى كثيراً وجهات نظر سوداوية بعض الشىء، أو لنقل تشاؤمية، فأنا لا أؤمن بإن الأحوال ستتحسن على الإطلاق، بل هى فى طريقها للأسوأ، حتى لو كان القدر يجود علينا ببعض الحب، بعض التغييرات التى تجعلنا نأمل فى مستقبل أفضل، إنما هذا طُعم يا أعزائى، تصطادنا به مصائرنا، مصائرنا التى تخفى كثير من الألم تحت مسمى الحياة، كثير من الخوازيق تحت مسمى النضج، وكثير من إدراك الواقع المرير تحت مسمى معرفة حقيقة الأشياء، لذلك لا أحبذ الخروج من منزلى ليلة رأس السنة، أفضل أن أعبر سنة ميلادية لآخرى فى منتهى الهدوء، كالعجائز الملتفين حول نار المدفأة يشاهدون فيلماً قديماً، الفارق الوحيد إن المشيب يخط قلبى لا شعرى، بينما أحمل فى يدى كيس كبير من حلوى الخطمى أو المارشللو، أو طبق كبير من الفشار.
هذا العام، كان للقدر رأى آخر فى طقوس عبورى من سنة ميلادية لأخرى، فقد علقت على كوبرى ستانلى بعد يوم عمل مرير، البشر يقفون مهللين، يشاهدون الألعاب النارية وسعار السيلفى المحموم ينتشر بينهم، أرى مشهداً من فيلم "زومبى لاند"، حيث يخرج الجميع من سياراتهم ونحن واقفين فى عرض الطريق، لكن هذه المرة ليرقصون فى منتصف الطريق ويشاهدون الألعاب النارية، وبينما أنا ألعن الحظ العاثر الذى ساقنى لأرى احتفالات الناس بفقاعة، فإذا بسائق السيارة التى أركبها، والتابعة لأحد أهم شركات النقل الخاص، ينتفض بقوة صارخاً "حرااام… حراااام" لدرجة أرعبتنى بشدة، ففغرت فاهى متساءلة "ماذا هناك؟!".
أجبنى السائق بكل تأثُر قائلاً: "كل هذه الاحتفالات… هذه المساخر… هذا اللهو… ولماذا؟! للاحتفال بميلاد نبى قالوا إنه ابن الله… كيف لنا أن نهئهم؟ أن نشاركهم؟ كفر بيّن… بيّن"، وبالنسبة لسترونج اندبندنت وومان فى منتصف عشريناتها تعمل للحادية عشرة والنصف مساءً وتريد أن تذهب للمنزل بأى شكل، كان آخر ما ينقصنى هو الخوض فى مناقشة معقدة لا فائدة تُرجَى منها، فصمتت ووضعت سماعات الهاتف بأذنى، متحاشية الإلقاء بإفيه قد يصيب الرجل الأبله الجالس الذى لم يكف عن النظر إلىّ فى مرآته الأمامية بالجنون، مثل "ياريت مانتكلمش كتير عشان دمى كله خمرة يا عم الشيخ عتمان"!
بعد أن صعدت لمنزلى الجميل، وعانقت سريرى الدافئ، وفى رحلة تصفحى للفيسبوك قبل النوم كالعادة، وجدت كاتبة صديقة، كانت قد شاركتنى يوماً الكتابة فى ملف عن أكثر الكُتاب تأثيراً بحياتك، وبالنسبة لى هى من أكثر الناس رجاحةً فى العقل وفهماً وذكاءً، قامت بنشر تدوينة لأحد شيوخ الفضائيات، موجهاً خطابه لـ "أخى المسلم" مؤكداً عليه إنه من العيب جداً الاحتفال بهذا الميرى كريسماس، وإنه ليس من شيم الدين تهنئة المسيحيين بمناسبة كهذه، لإنه حرام، ودليل على الكفر والإلحاد، لإنه بمثابة اعتراف ضمنى بعدم وحدانية الله، وبإنه قد اتخذ ولداً، وُلِد اليوم.
وما بين صدمتى الإنسانية فى صديقتى، ووجع رأسى من مفرقعات وزجاجات ويوم "باين جداً من أوله"، دخلت فى سُبات عميق، ظننت إنه نهاية لهذا اليوم غريب الشكل والمضمون، لكننى كنت مخطئة.
من الواضح إن فكرة عدم تهنئة "المسيحيين" - بصوت باسم يوسف - قد استفحلت بشدة وانتشرت بشكل طبيعى، وبدأ الكثيرون يعبرون عنها بدون خوف من المواجهة مع المجتمع أو مع المسيحيين أنفسهم، ومن الواضح إن صيحات تكفير كل مُحتفِل بالكريسماس أو رأس السنة قد لاقت صداها بشكل غير عادى، لدرجة وجود ناس من الوسط المحيط منى أنا شخصياً يؤمنون بهذا عن إيمان راسخ وثبوت عميق، وهو شيء بالنسبة لى غير مفهوم بالمرة، فى البداية لإننى اعتبر إن الاحتفال بقدوم سنة ميلادية جديدة مختلف كلياً عن الاحتفال بميلاد المسيح الموافق الخامس والعشرين من ديسمبر أوروبياً والسابع من يناير شرقياً، وثانياً لإننى أرى إنه حتى ولو تصادف أن كان هذا مناسبة دينية فى عقيدة ما أخرى فمن غير الطبيعى أن يصير كُفراً الاحتفال به، لإننا كل أيام السنة تتحدد جداول أعمالنا وحياتنا وتقويماتنا بالميلادية، فلم أرى أحداً يحسب تاريخ تسجيل أطفاله فى مدرسة بالسنة الفلانية الهجرية مثلاً، ومع هذا فإنه بحلول الاحتفال بالتقويم الهجرى أو حتى بالمولد النبوى يحتفل كل الناس من كل الطبقات والعقائد بتناول حلوى المولد مثلاً، ولم يتم تكفير أحد أو اتهامه بإنه يتبع دين جديد!
من غير المنطقى أن يكون الاحتفال بمولد نبى، هو كلمة الله، يشفى الأبرص، ويعد قبس من نوره، بمثابة كفر وعدم إيمان، من غير المنطقى أن تلاقى مثل هذه الصيحات صدى فى قلوب الناس، أو لربما أنا التى لازلت أتفاجأ بالمجتمع الذى أعيش فيه، هذا المجتمع الذى يعتبر الوقوف بجانب شجرة كريسماس حرام، أو يعتبر التصوير مع المفرقعات والألعاب النارية أو كسر الزجاج القديم احتفالاً بقدوم سنة جديدة قد تحمل خيراً كفر!
اتركوا الناس تتعلق ببعض الآمال وكفوا عن تكفيرهم فى البحث عن قشة يتعلقون بها فى مواجهة شقاء الحياة!