برلمان ٢٠١٧ ومجلس شيوخ ١٩٤٨
هاني بشر
برلمان ٢٠١٧ ومجلس شيوخ ١٩٤٨
في عام ١٩٤٧ كانت فلسطين دولة محتلة من البريطانيين وكانت مصر دولة شبه محتلة من البريطانيين أيضا بحكم معاهدة ١٩٣٦ التي تعطيهم امتيازات كبيرة في البلاد منها وجود عسكري. ما الذي دفع كثير من الشباب المصري للذهاب والقتال في فلسطين وهمُّ الاحتلال يطول البلدين؟ كان الجميع يدرك بلا مواربة بأن تغيير شكل الاحتلال الإنجليزي إلى آخر صهيوني إسرائيل في فلسطين له ما بعده. وكان الوعي الجمعي من أعلى السلطات الرسمية في مصر وحتى أصغر الحركات السياسية هو أن ما يحدث هو تهديد للأمن القومي المصري وأن مصر لن تسلم من هذا السرطان الجديد.
وبناء على هذا أقر البرلمان المصري ١٩٤٨ مشاركة الجيش المصري في هذه الحرب وفتحت حدود البلاد أمام الفدائيين. وقد عقد مجلس الشيوخ، وهو أحد غرفتي البرلمان المصري في ذلك الحين، جلسة سرية لمناقشة الأمر ونشرت صحيفة روز اليوسف مقتطفات من مضابط هذه الجلسة عام ٢٠٠٨ في إطار تبرير الدور المصري في حصار غزة آنذاك. غير أن المتأمل لما قاله أعضاء المجلس يوضح كيف كان يفكر السياسيون وقتها وكيف يمكن الاستفادة من هذا اليوم.
هذه مثلا بعض المقتطفات من المضابط:
"وقد اعترف المجاهدون الفلسطينيون بأنهم انتفعوا كل الانتفاع بالتسهيلات وبالموارد التي تلقوها من البلاد المصرية، وأن المقاومة التي بذلت إلى الآن يرجع جزء كبير منها إلى ما حصل عليه الفلسطينيون من المصريين".
"لقد كان موقف الفلسطينيين رائعا في الذود عن بلادهم ولفت أنظار العالم وأميركا بوجه خاص".
"إخوانا عرب فلسطين يخرجون من ديارهم ويلجأون إلينا ويجب أن يطمئن هؤلاء حتى يستطيعوا العودة إلى ديارهم".
"إن لم تدافع عن حقك فلن يدافع آخر عن حقك، لكن إذا دافعت وصمدت في الدفاع يقدم إليك من يريد صداقتك بمساعدتك ومعونتك، وهذه هي الحياة الدنيا بين الأفراد والأمم".
"الصبر كما تعرفون حضراتكم مزية، والصبر واجب وهو أيضا فضيلة، لكن استمرار الصبر إزاء الخطر المحدق يعتبر خورا ولا يكون صبرا".
"هناك آية قرآنية تقول: "قد يعلم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون الناس إلا قليلا".
"إن تحول أمريكا من الموقف القديم، موقف التأييد للتقسيم إلى العدول عنه أو إلى الفتور فيه، راجع أولا وبالذات إلى ما بذله العرب المجاهدون في الدفاع عن وطنهم".
إذا قرأ نواب البرلمان المصري اليوم بعضا من مضابط أسلافهم الذين جلسوا تحت هذه القبة في السنوات المفصلية في تاريخ مصر سيعرفون أن اتخاذهم مطية للتنازل عن جزء عزيز من تراب مصر هو جريمة متكاملة الأركان. سيعرفون أيضا أن الدول الكبرى تحترم من يدافع عن أرضه أكثر من احترامها لمن يفرط فيها بأية طريقة كانت، وأن الشباب والحركات والأحزاب التي تصدت لمخطط التنازل عن تيران وصنافير إنما تقوم بواجب مقدس للدفاع عن الأمن القومي كان أولى أن يقوم به البرلمان بغض النظر عن تشكيلته أو طريقة انتخابه. ولا ينفصل هذا الدفاع عن الدور الذي قام به أسلافهم في الدفاع عن فلسطين في بداية التأسيس للمشروع الصهيوني بالمنطقة.
إن خطورة المرحلة الحالية في سيناريو الرسم المزعوم للحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية أنها مرحلة لا رجعة فيها. وذلك لأن نظرية "الوضع الراهن" لها الغلبة في العلاقات بين الدول وما من سبيل لإجبار طرف على ترك أرض أخذها بالحق أو بالباطل سوى بإجراءات طويلة ومعقدة أو بغزو عسكري له تكاليف باهظة. بمعنى آخر فإن الدفاع عن مصرية تيران وصنافير حاليا أهون ألف مرة من الانتظار حتى يتم تسليمها فعليا تحت أي غطاء. والخطورة هنا ليست مقتصرة على مصر وحدها ولكن ممتدة للسعودية. فالسعودية بموقعها الاستراتيجية ومواردها النفطية الهائلة لا تنقصها أراضي وسيشكل نقل السيادة على جزيرة غير مأهولة سكانيا تبعات استراتيجية دولية لا حصر لها. قد ترى فيها القيادة السعودية بعض المكاسب على المدى القصير لكنها مضرة بالسعودية قطعا على المدى المتوسط والبعيد. وبالتالي فإن الدفاع عن مصرية تيران وصنافير هو دفاع أيضا عن الأمن القومي السعودي ومستقبل العلاقة بين البلدين.
