
العرب وهجمات لندن ومانشستر
هاني بشر
العرب وهجمات لندن ومانشستر
البحث عن أسباب العنف المنفلت يختلف عن تبرير هذا العنف واستهداف الأبرياء. فالتبرير يسعى لتوفير ذريعة للقاتل، بينما البحث عن السبب يبحث عن جذر الظاهرة ليجتثها ويمنع تكرارها. ومهما اختلفت السياقات والأوضاع بين الشرق والغرب، إلا أن هناك قاسما مشتركا بين الأسباب المؤدية لهذا العنف وطرق مكافحته على مستوى التجارب الناجحة والفاشلة في الدول المختلفة.
في مدينة متعددة الأعراق والأديان كالعاصمة البريطانية لندن، ما الذي يدفع شبابا تربوا فيها على مهاجمة جيرانهم في الوطن وإخوتهم في الإنسانية؟ يتردد هذا السؤال منذ اثنتي عشرة سنة في بريطانيا منذ أن أقدم شباب من الجيل الثاني على تفجير قطارات للأنفاق وحافلات عمومية في السابع من يوليو ٢٠٠٥. ومع كل عملية انتحارية أو اعتداء على مدنين أبرياء يصعد هذا السؤال للواجهة مرة أخرى كما حدث في تفجير مدينة مانشستر قبل أيام وأخيرا عملية الدهس والطعن التي تمت عند جسر لندن السبت الماضي.
تتمسك حكومة حزب المحافظين بالإجابة التقليدية على هذا السؤال وهي أن الإيدلوجيا المتطرفة هي من تحرك شبابا تربوا في بريطانيا للإقدام على مثل هذه الأفعال، وتتحدث عن مسؤولية الجاليات المسلمة في مكافحة هذه الظاهرة. في الوقت نفسه، يتحدث كثير من رموز هذه الجاليات أن مناخا من التهمش والعنصرية والإسلاموفوبيا تهيئ الأجواء لمثل هذه الجرائم المنكرة بالإضافة لسياسة بريطانيا الخارجية وحروبا مثل غزو أفغانستان والعراق. ومؤخرا التقط زعيم حزب العمال المعارض خيط السياسة البريطانية الخارجية وألقى عليها جزءا كبيرا من اللائمة في هذا الشأن.
ربما تعد هذه هي التقسيمة التقليدية في المواقف من الهجمات التي تستهدف المدنيين في الغرب، إذ يحمل التيار اليميني، بشقيه السياسي والمتطرف، الإيدلوجيا الإسلامية المسئولية بينما يصطف اليسار بأغلب مكوناته وراء إلقاء اللوم على السياسة الخارجية غير العادلة، في الوقت الذي تشكو فيه الجاليات المسلمة من التهميش والعنصرية. لكن حدث متغيران مهمان خلال الفترة الماضية في بريطانيا، أولهما ما تم الكشف عنه من أن جيران وأهل الشاب البريطاني من أصول ليبية الذي فجر حفل مانشستر قد أبلغوا الشرطة عنه بالفعل قبل الحادث بفترة. ورغم ذلك لم تتخذ الشرطة ما يكفي من الاحتياطيات لمنعه من اقتراف هذا الجرم. وقد فتحت المخابرات البريطانية الداخلية تحقيقا في مستوى المعلومات التي وصلت للأجهزة الأمنية عن هذا الشاب وطرق التعامل معها، بحسب صحيفة الاندبندنت. الأمر الذي يعني أن الكرة أصبحت في ملعب الأجهزة الأمنية والاستخباراتية بعدما أظهر مجتمع المسلمين في مانشستر أنه كان واعٍ لأخطار مثل هؤلاء الشباب وحذر منهم رسميا.
المتغير الثاني هو أن هذه التفجيرات تأتي في خضم حملات الدعاية للانتخابات التشريعية البريطانية المبكرة التي ستقرر مصير الحكومة الحالية ولم يتبق عليها سوى أيام قليلة. وبعدما كانت الفكرة السائدة أن الناخبين بعد كل هجمات عنيفة يتجهون يمينا، أظهرت استطلاعات الرأي تقدم حزب العمال بزعامة جيرمي كوربن، القيادي اليساري المعروف بمناصرته للقضايا العربية وخاصة القضية الفلسطينية. وقد تعهد كوربن بتغيير سياسة بلاده الخارجية في حال فوزه برئاسة الوزراء وربط بين "الإرهاب الداخلي" وحروب بريطانيا في الخارج.
كل هذه المعطيات تشير إلى أن المجتمعات الديموقراطية لا تعطي نظاما سياسيا ضوء أخضر لمحاربة "الإرهاب الداخلي" إلى ما لا نهاية، ولكن إذا فشل واخفقت استراتيجيته تتجه فورا إلى تيار آخر له طريقة مختلفة في معالجة الأمور. كما أن الأجهزة الأمنية لم تستنكف أن تحقق في الاتهامات المنسوبة إليها من حيث الإخفاق في منع الجريمة بعدما توافر لديها معلومات كافية عن المنفذ قبل العملية بوقتٍ كافٍ. بالإضافة لذلك، فإن المغامرات العسكرية لدول مثل بريطانيا في عالمنا العربي والإسلامي بدعوى مكافحة الإرهاب خلال العقدين الماضيين لم تكن استراتيجية ناجحة وأن هناك تيارا صاعدا يسعى لوقف مثل هذا التمدد الذي يفرز عنفا وقتلا في الشرق والغرب على السواء.