
لماذا تحب المرأة المصرية من يقمعها؟!
آلاء الكسباني
لماذا تحب المرأة المصرية من يقمعها؟!
(١)
معركة شرسة بدأت بمنشور فى جروب للسيدات فقط على موقع فيس بوك، تتساءل فيه صاحبته عن مدى حرمانية الامتناع عن تنفيذ قرارات الزوج بمنعها من قص شعرها أو تغيير لونه، لإنه يصر عليها ألا تُغير من شكلها، ويمنعها من القيام بأى شىء يمكنه أن يعكر صفو مزاجه فى رؤياها، مع إنها ترغب بشدة فى تغيير مظهرها، ولا حياة لمن تنادى، فكانت فقط ترغب فى أن تعرف هل يوجد فى الشرع ما يمنعها من مخالفة رأيه والقيام بما تريد.
قامت التعليقات ولم تقعد، ما بين مؤكدات على حرمانية الامتناع عن تحقيق رغبات الزوج، لإن وظيفتنا الأساسية كنساء تكمن في تحقيق العِفة لرجالنا، وتغييرها للشكل الذى يحب زوجها أن يراها فيه هو بمثابة تحدى لرغباته، مما يسبب إضراراً بـ "عفته"، لأنه سيبحث عن ذات الشعر الطويل الغامق الذى لم يُصبَغ قط، وما بين مؤكدات على أن الجسد ملك خاص للإنسان، من حقه أن يفعل به ما يريد ما لم يضر به غيره، ولذلك فإنها إذا غيرت لون شعرها أو قصته فليس من حق زوجها أن يمنعها.
وما بين مؤيد ومعارض، كانت أسوأ التعليقات فى نظرى تعليق ترى صاحبته إن المرأة خُلِقَت لتكون وعاء جنسى للرجل، لتحقق له شهواته، ولولا هذا لما كُنا أُمِرنا من الأصل بالتزيُن لأزواجنا.
كانت هذه بالنسبة لى القشة التى قسمت ظهر البعير، والهبت مرارتى المسكينة، وجعلتنى أغلق الفيسبوك وأحاول الهرب بعيداً.
(٢)
خرج علينا مطرب مشهور منذ بضعة أيام فى برنامج تلفزيونى شهير، يتحدث فيه هو وزوجته عن نمط حياتهما الشخصى الذى لا يخص أحد على الإطلاق طبعاً، والذى يتلخص فى كونه رجل شرقى من الطراز الأول، أو إذا جاز التعبير رجل ذكورى جداً، يرى إن من حقه أن يكون مطرباً مشهوراً له معجبات وتجاوزات ووقفات وعلاقات بمطربات وممثلات فى وسط سينمائى وغنائى يمتلئ بالـ "شمال"، لكنه ليس من الطبيعى أن يترك زوجته التى أرادت أن تكون مطربة "تمرح" بدون أن يضع لها سقفاً للطموح، لأنه إذا تركها تغنى ويصبح لها معجبين بصوتها وبفنها سيصبح – لا مؤخذاة - ليس رجلاً بما يكفى!
والحقيقة أنا لم أستغرب هذا على الإطلاق، لأن هذا النوع من الرجال أراه كل يوم، بل أحترمه على صراحته واعترافه بذكوريته، بدلاً من الرجال ذوى الآراء التقدمية فى حرية المرأة واستقلاليتها الذين لا يهمهم فى تحررها سوى تحررها من ملابسها على أسرتهم، إنما ما يجعلنى أستغرب حقاً، هو استمرار زوجته على خوض علاقة تكبت طموحها وتحرمها أحلامها وتقمعها فى رضا تام، ولمدة تزيد على العشرين عاماً، بدون أن تتساءل حتى أين هى من كل هذا!
لكن ما زادنى استغراباً حقاً، هو تصفيق سيدات المجتمع المصرى، أغلبهن وليس كلهن طبعاً، لهذا النموذج المشوه جداً، جداً، واعتبارهن لهذا حمشنة وشهامة ومروءة، مع إن هذا ذكورية وفرض للسيطرة الأبوية على المرأة وامتهان لكيانها، واعتبارها كيان ناقص غير قادر على التفكير أو تحقيق الطموح بذاته بدون وجود مهيمن أو مُخَطِط أو مُرشِد روحى يرسم لها حياتها حتى لا تمرح!
صفقن النساء بحرارة لكلماته، وزاد نشر صوره والتعليق عليها بـ "هييييح يارب ارزقنى زيه"، ويظل السؤال يؤرقنى، لماذا تحب النساء من يقمعهن؟!
(٣)
ليست هذه المرة الأولى التى أكتب فيها عن النساء الذكوريات، واللاتى يتملئ بهن مجتمعنا، فأكم من امرأة تؤمن إن دورها فى الحياة يتمحور حول أن تكون تابعاً للرجل، مجرد وعاء جنسي يحقق فيه رغباته، فمنذ فترة ليست ببعيدة نال منشور على الفيسبوك عن كيفية "تدليع" المرأة لزوجها إذا جاز التعبير شهرة واسعة، تصل لـ ١٠ آلاف شير، لتكون الوصايا السبعين، استيقظى قبله لتضعى أحمر شفاه خفيف ومورد خدود، ضعى العطور الفرنسية الجهنمية، حضرى له حمام الهنا والفطور افردى له سجادة الصلاة تحت قدميه، ولن تخسرى شىء لو خلعت له حذائه وجواربه، هى أساس العلاقة الزوجية البتنجانية المهلبية!
ولم أندهش لتهليل النساء والدعوة بأن يكن زوجات صالحات مثل كاتبة البوست، لكن ما يدهشنى هذه المرة هو تمكُن متلازمة حب الجلاد من النساء فى بلادى لدرجة تجعلنا بيئة خصبة لأهم دراسات علم النفس بالعالم كله!
تحب النساء فى بلادى القمع، لا يعجبهن الرجل الذى يحترمهن، إلا قليل، يروجن لنماذج الرجال الشرقيين الذكوريين على إنهم آخر الرجال المحترمين، ويخرجون لنا أجيالاً كاملة مشوهة، معجونة بتربية قائمة على "اعملى لأخوكى شاى" و "راقب أختك وهى رايحة الدرس"، يعتبرن هن الأصل، هن أساس المعادلة الحقيرة، وهن الحل، فإذا آمن فحسب بحقوقهن، بقدرتهن على أن يكن، على أن يفرضن على واقعهن ومجتمعهن احترامهن، لما كنا خصنا هذه المعارك الغبية المُستنزِفة، لكن يبقى الواقع المأساوى الذى نرغب فى التعامى عنه واقعاً حقيقياً فى النهاية، وهو إن المرأة الحزينة، بكل ما تكابده وتقاسيه، هى بذاتها، أكبر عدو لنفسها!