امتد الربيع العربي من 2010 وحتى العام الجاري، وتتالت الثورات في الدول العربية المختلفة، واستقرت في بعضها ولا تزال مشتعلة في بعضها الآخر.
وبين هذا وذاك، كانت المرأة شريكا أساسيا ورئيسيا في كل الثورات، حيث لم يغب دور المرأة العربية في الاحتجاجات التي ضربت البلدان العربية عام 2011، فلعبت المرأة أدوارا متنوعة في الربيع العربي، ورغم تقدمها في الصفوف الأولى بتلك الاحتجاجات، إلا أنها لم تنل حقوقها بشكل كامل.
وتجاوزت مشاركة المرأة في الربيع العربي المشاركة المباشرة في الاحتجاجات لتشمل القيادة وتنظيم المتظاهرين، لكن بعد 10 سنوات، تواجه النساء في العالم العربي التمييز والتفرقة في الحقوق والمعاملة، ويأمل العديد من الناشطين أن يعزز الربيع العربي حقوق المرأة، ولكن تأثيره لم يواكب التوقعات بعد.
في تونس تقدمت المرأة الصفوف في المظاهرات التي أسقطت نظام بن علي، وفي اليمن نالت توكل كرمان جائزة نوبل للسلام وفي ليبيا شاركت المرأة في الثورة منذ بدايتها، وفي مصر اعتلت النساء المنصات بمناطق الاحتجاج، وهو ما لفت الأنظار إلى دور قيادي للمرأة في الربيع العربي.
وجاءت مشاركة النساء كبيرة ومؤثرة، وهذا ليس بالغريب على التونسية التي كانت لها آمال وطموحات كبيرة معلقة على نجاح الثورة، فبالرغم من أن الوضع القانوني للمرأة يعد الأفضل على مستوى البلاد العربية، فإن هذه القوانين لم تتطور منذ ما يزيد على خمسين عاما.
ووفق دراسات عربية، فإن أغلب المجتمعات العربية تضع المرأة في موقع متوار خلف الرجل، فيندر أن تكون جزءا من المشهد السياسي، أو تحتل على الأقل موقعا ضمن النخبة، لكن ربيع الثورات العربية كسر هذا المعنى.
وصارت المرأة في طليعة الجماهير المطالبة بالتغيير، وقد خرجت تونس عن الجزء الأول من هذا الوصف، حيث تمتعت المرأة بموقع ممتاز ضمنته التشريعات الليبرالية التي وضعها مؤسس تونس الحديثة ونص عليها الدستور، وقد يفسر هذا حجم مشاركة المرأة التونسية في الثورة التي أطلقت الربيع العربي.
التقرير التالي يرصد ريادة النساء العربيات في البلدان التي شهدت ثورات التغيير، فكانت المحطة الأولى في تونس حيث قالت الإعلامية والناشطة السياسية الفاعلة في صنع الثورة صوفيا الهمّامي إن المرحلة الانتقالية التي تمر بها تونس قد دفعت إلى الواجهة عددا كبيرا من الوصوليين الذين يحاولون اليوم أن يقطفوا ثمار ثورة صنعها غيرهم.
في الغضون، ترى "فاتن. ن" (ناشطة سياسية) أن قيام الثورة كان أملا للنساء لكي تتغير بعض القوانين التي لا تزال تحد من حريتهن، ورغم أن دستور الدولة ينص على المساواة بين المواطنين، فإن القانون لا يزال به بعض البنود الواجب تغييرها، أسوة بغيرها التي تم تعديلها بعد الثورة، مثل حق الزوجة في إصدار جواز سفر للأبناء، وتغليظ عقوبة التحرش الجنسي، مع وضع تعريف واضح لجناية الاغتصاب.
المحطة الثانية للنساء في ثورات الربيع العربي كانت من اليمن، والتي استطاع النساء بمساعدة الشباب إسقاط نظام الرئيس علي عبد الله صالح، وبرزت الناشطة اليمنية توكل كرمان التي انحدرت من أسرة ريفية من منطقة بني عون، ونشطت كمعارضة، ونجحت في الفوز بجائزة نوبل للسلام.
الناشطة والصحفية فاطمة ألأغبري اعتبرت في تصريحات صحفية إبان أيام الثورة اليمنية، "أن الثورة في اليمن رفعت الحجب عن المرأة ووضعتها على طريق المشاركة الواسعة في صنع التغيير، وقد استطاعت هذه المرأة أن تتجاوز العادات والتقاليد التي تحدد حركتها، وصار معتادا حضورها في كافة الميادين مع الرجال، وما فوز توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام إلا دليلا أكيدا على نجاح المرأة اليمنية في كسر طوق القيود التي فرضها المجتمع عليها".
في ليبيا، كان النسوة في طرابلس يخبئن الثوار في البيوت ليبعدوا عنهم رجال الأمن".
وتحولت ثورة ليبيا إلى شبه حرب أهلية بين المعارضة وبين القوات الموالية للقذافي، وهذا قد يضع المرأة في الجزء البعيد من الصورة، إلا أن واقعة "إيمان عبيدي" التي تحدثت علنا إلى وسائل الإعلام عن قيام قوات القذافي باغتصابها سلط الضوء من جديد على الحلقات الأضعف في النزاعات المسلحة، النساء والأطفال.
فطرابلس الغرب كانت على موعد مع أزمات النساء في بدايات الانتفاضة العربية عام 2011، حيث قالت الناشطة والمدونة غيداء التواتي، إن الربيع العربي فجر ثورة نسوية، حيث كانت المرأة مهمشة وليست أكثر من آلة تفريخ، ولكن في بنغازي انطلقت النساء في تظاهرة تطالب النظام بمحاكمة من قتلوا أزواجهن وأولادهن في واقعة سابقة، ومن هذه المظاهرات انطلقت شرارة الثورة".
وتضيف الناشطة في تصريحات صحفية بالقول: "هكذا استردت المرأة دورها الطبيعي في المشاركة في بناء وتغيير المجتمع، رغم أن العديد منهن قد تعرضن للاعتقال". وحسب الناشطة الليبية فإن "النسوة في طرابلس كن يخبئن الثوار في البيوت ليبعدوا عنهم رجال الأمن".
الناشطة غيداء التي اعتقلت في سجن بو سليم لمدة 3 أشهر عند انطلاق الانتفاضة أشارت إلى "أن المجتمع كان ينظر باحتقار إلى المرأة التي تتعرض للسجن باعتبارها قد تعرضت حتما إلى التحرش الجنسي والاغتصاب، وهما أمران مشينان، ولكن بعد الثورة تغير هذا الوضع وصار الناس ينظرون بإجلال إلى ضحايا الاعتقال السياسي، بل إن كثيرا من الثوار تطوعوا للزواج بمن كن ضحايا الاغتصاب في سجون القذافي".
ومن هنا وبغض النظر عما قيل بشأن رواية إيمان عبيدي "فأنني احترمها لشجاعتها في الوقوف أمام أجهزة الإعلام وفضحها من قاموا باغتصابها، وفي رأيي أن كل مغتصبة في ليبيا قد ساهمت بشكل أو بآخر في الثورة".
وفي سوريا، كانت النساء السوريات ناشطات في المعركة ضد نظام بشار الأسد منذ البداية، حيث تعود إلى المظاهرات السلمية إلي أوائل عام 2011 في مدينة درعا الجنوبية.
وبخلاف النزاعات المسلحة الأخرى، مثل حرب العراق والصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن النساء الثوريات، داخل سوريا وخارجها، شاركن في الجهود الإنسانية، حيث وفرن الإمدادات الغذائية والطبية للنازحين والجرحى..
وحتى في ضوء العجز العام في الديمقراطية، كان للمرأة معدلات مشاركة سياسية وتمثيل أقل في المجالس التشريعية.
وفي مصر، كانت المرأة المصرية أحد ركائز الثورة في الخامس والعشرين من يناير، فقدمت الكثير من "الشهداء" وامتلأت السجون بالمعتقلات بعد أيام من اندلاع ثورة يناير.
أدوار المرأة المصرية ظهرت للعلن قبل اندلاع شرارة الربيع العربي، لكنها باتت أكثر علنا، حين نشرت الناشطة السياسية أسماء محفوظ شريط فيديو يحث المصريين على الاحتجاج على نظام الرئيس الراحل حسني مبارك في ميدان التحرير في 25 يناير 2011.
وانتشر الفيديو سريعاً وبدأت احتجاجات 25 يناير بحشد كبير، مما أدى إلى اندلاع الثورة المصرية عام 2011، والتي لاقت ترحابا من الجميع، قبل أن يلفظها البعض.
في الغضون، ترى "نسمة. ت" (صحفية) أن طموح المرأة وقت الثورة كان مرتفعا للغاية، ولكن في المقابل لم تحصل سوى على القشور، رغم أن النساء لم يترددن في المشاركة بالثورة بل والتضحية بحياتهن في سبيلها، إلا أن المجتمع في المقابل قابلهن بالاستنكار والاستهجان من مواقفهن الثورية، على حد تعبيرها.
وتابعت قائلة إن مواد القانون غير منصفة للمرأة في أكثر من موضع، ولكن بالنظر إلى الإيجابيات فإن مشاركة المرأة في المشهد السياسي في ازدياد، سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي، وهو ما يعد خطوة للأمام.
وفي السودان التي لحقت بقطار الربيع العربي بعد 7 سنوات، حيث بدأت الثورة السودانية نهاية 2018 وأدت إلى خلع الرئيس عمر البشير في أبريل 2019، مما يجعلها أحدث دولة عربية تنضم للربيع العربي، فهل كان للسودانية نصيب من هذا "الربيع"؟
ووفق تقارير لوسائل إعلام عربية، فتقول "وفاء. ع" (قانونية) "إن المرأة السودانية واقع عليها ظلم كبير ولم ينصفها القانون في وقت تحلم بالتنفس بشكل حر".
وترى وفاء أن طريق المطالبة بالحقوق لا يزال طويلا، والمرأة تعلم هذا ومستعدة بشكل تام له، وهو ما تعده مكسب النساء الحقيقي من الثورة، فمشاركتهن على المستوى القاعدي أصبحت أمرا أساسيا ولا غنى عنه وليس هبة من أحد، رغم أن نسبة النساء في مراكز اتخاذ القرار السياسي لا تزال ضعيفة.
وبعد 10 سنوات، رأت صحيفة تاجيس تسايتونج الألمانية أنّ ثورات الربيع العربي رفعت من شأن المرأة العربية، وزادت من الحركة النسائية في دول الشرق الأوسط.
ولفت تقرير الصحيفة إلى إعلان هيئة كبار علماء الأزهر بالقاهرة في يوليو 2020 عن حملة استثنائية تطالب الدعاة بإدانة التحرش الجنسي بالنساء باعتباره سلوك غير أخلاقي بغض النظر عن ما ترتديه المرأة.
يذكر أنه منذ بدء الربيع العربي، يناضل نشطاء حقوق المرأة من أجل تمثيل أكبر للمرأة في السياسة، وتقرير المصير الجنسي وتحريم العنف ضد النساء والرجال، ويطالبون بفرض عقوبات على التحرش.