رئيس التحرير: عادل صبري 11:04 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

«عميمور»: «الربيع العربي» فشل لأن قوى «الاستعمار الوطني» أكثر تنظيما

في حوار مع «مصر العربية»

«عميمور»: «الربيع العربي» فشل لأن قوى «الاستعمار الوطني» أكثر تنظيما

الجزائر - أميمة أحمد 30 يناير 2018 16:40

رأى الدكتور «محي الدين عميمور» المستشار السابق برئاسة الجمهورية والرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في غرفة البرلمان الثانية (مجلس الأمة) ووزير الثقافة والاتصال سابقا، أن «الربيع العربي» ضد «أنظمة الاستعمار الوطني» بعد 7 سنوات من انطلاقه يُشبه الثورات التي قامت بها الشعوب العربية خلال المرحلة الاستعمارية والتي فشلت لأن «القوى المعادية كانت أكثر تنظيما وأشد شراسة وأخبث تدبيرا».

 

وفي حواره مع «مصر العربية» يرفض «عميمور» مسمى «الربيع الأمازيغي»، ويعتبر أن أبرز حدث مطلع عام 2018 قرار الرئيس «عبدالعزيز بوتفليقة» بترسيم عيد الأمازيغ «النّاير» عيدا وطنيا بيوم عطلة مدفوعة الأجر، وتأسيس أكاديمية لترقية اللغة الأمازيغية اللغة الرسمية الثانية وفق تعديل الدستور 2016.

 

وفيما يلي، نص الحوار الذي تطرح خلاله «مصر العربية» قضايا عديدة على الدكتور «محي الدين عميمور» المثقف والسياسي المخضرم:

 

نص الحوار

 

شهدت منطقة القبائل مظاهرات رفعت علما غير العلم الوطني الجزائري وطالبت بتعميم تعليم اللغة الأمازيغية بالمدارس؛ مارأيكم بتطورات المسألة الأمازيغية وتعامل الدولة معها؟

 

* - بداية وللتوضيح وباختصار شديد، منطقة القبائل هي المنطقة الوسطى من الشمال الجزائري وتضم أساسا ثلاث ولايات من مجموع الولايات الجزائرية الـ 48.

 

وتعداد القبائل ليس كما يشيع البعض بأنه 10 ملايين من تعداد الجزائر 40 مليون حاليا، فهو أقلّ من ذلك حسب التعداد الأخير الذي يُحدّد عدد السكان بالولايات الثلاثة والموجود في الويكيبيديا، وحتى ولو أضفنا ولاية رابعة هي بو مرداس، لكن لا ننسى أن هناك أعدادا كبيرة من أبناء هذه الولايات تحتضنهم بقية مناطق الوطن، لأنهم جزء من الوطن.

 

وللأسف فإن تعامل الجميع، مع الأمازيغية ، وخصوصا المتحمسين لها ظل محكوما بوضعية التسييس التي عرفتها الحركة الوطنية في الأربعينيات، وكان المنطق هو أن تبذل جهود علمية في مستويات أكاديمية ومعاهد تاريخية تضع كل شيئ في مكانه الصحيح، وتبتعد عن التعصب والعنف، وتحبب للناس جعل القضية في صلب اهتمامهم.

 

لكن هذا لم يحدث من جانب المهتمين، وهكذا أصبحنا نعاني من ابتزاز خطير واضطرابات مفتعلة في بعض جهات منطقة القبائل، وأقول، بعض جهات المنطقة، وهي، للعلم، ليست أكبر المناطق التي تستعمل الأمازيغية، ففي الشرق الذي برزت فيه أهم القيادات الأمازيغية التاريخية، وحيث تشكل الشاوية الحجم الأكبر من حيث عدد الذين يستعملون الأمازيغية، لم نعرف اضطرابات مماثلة، ربما لأن الشرق لم يعرف وجودا للبعثات التبشيرية الفرنسية، ولم تسممه الكتابات الفرنسية التي روجت لخصوصية متميزة لمنطقة معينة.

 

وبالعودة للسؤال، فإن ما يشار إليه هو مجرد تجمع لعشرات رفعوا «خرقة» ملونة تحمل شعارا ابتكره الصهيوني «جاك بينيت»، العقل المدبر وراء تشجيع فرنسا للأكاديمية البربرية في 1968 انتقاما من الجزائر إثر تأميمها للمناجم.

 

هذه «الراية» لم يعرف لها وجود في التاريخي النضالي للجزائر منذ «نوميديا» قبل الميلاد وحتى استعادة الاستقلال في 1962، ولم يرفعها يوغورطا ولا تاكفاريناس ولا بن بولعيد ولا آيت أحمد ولا عميروش ولا ديدوش مراد، وتأكد أن الهدف هو خلق التناقض مع الوطنيين أبناء نوفمبر «الثورة»، ومع العربية ومع الإسلام، بخلق ازدواجية مفتعلة مع العلم الذي اعتمدته الحركة الوطنية ورفعه ثوار نوفمبر، والذي يحمل رسم «الهلال والنجمة»، بما يرمزان له من دلالة في وجدان الجزائريين.

 

عيد الناير

مطالب الأمازيغ بالاعتراف بلغتهم وأعيادهم تعد مطالب ثقافية مشروعة بالنسبة لعرق مختلف، لماذا يراها البعض تحريضًا خارجيًا وتآمرًا على استقرار الجزائر؟

 

* - ما يُسمّى عيدا هو يوم اصطلح السكان في الشمال الإفريقي كله على اعتباره يوما للترحيب بالموسم الزراعي، وهو لا يرتبط بعرق أو مذهب.

 

ثم إن ما يروج عن أن الأمازيغ أقلية مضطهدة لأنها تنادي بمطالب لغوية يتناقض مع الواقع الذي يقول إن أغلبية سكان الجزائر هم من الأمازيغ، الذي حمل لهم اللغة العربية فاتحون إسلاميون لا يتجاوز عددهم عدة آلاف، ذابوا في المجموع الأمازيغي.

 

وواقع الأمر أن هناك من يخلط بين اللغة المستعملة وبين الانتماء العرقي، فليس كل من يتمسك باللغة العربية هو من قريش، وليس كل من نادى بالأمازيغية منتمٍ لها عرقياً، وبالتالي فالمنطق العرقي مرفوض، وهو جزء من محاولات خبيثة لتقسيم الوطن العربي، تستعمل المذاهب الدينية والاختلافات اللغوية مدخلا للفتنة.

 

هل معنى هذا مثلا أن المناضل «حسين آيت أحمد» يمكن ألا يكون أمازيغيا؟

 

* - شكرا، هذا سؤال بالغ الأهمية؛ أنت تعرفين أن «حسين آيت أحمد» ممن يُطلق عليهم في منطقة القبائل: الشرفاء، وهؤلاء يقولون بأن نسلهم يعود إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وفي حدود علمي فسيد المرسلين كان عربيا قرشيّاً.

 

من هنا فإن الاحتجاجات التي تفرز عمليات تدمير وتخريب تؤكد بأن هناك من يهدف إلى استفزاز السلطات الأمنية لتضطر إلى استعمال العنف، ويتحول التوتر إلى شروخ وطنية، وتنتهز وسائل الإعلام الفرنسية الفرصة للنواح على حرية الرأي والتعبير، ثم نعيش ما عرفه السودان.

 

والغريب أن أصحاب «النزعة البربرية»، ينزعون عن منطقة القبائل دورها التاريخي المشهود كحصن للغة العربية وكقلعة للإسلام ومنطلق للجهاد الوطني، ويدّعون في مقابل ذلك أن المنطقة «حصنٌ منيع للهوية الأمازيغية التي يتنكّر لها! الشعب الجزائريّ خارج هذه المنطقة، كما يدّعون استفزازا».

 

والمؤكد أنه ليس هناك في معظم مناطق الجزائر من يقبل بدون نقاش فرض لهجة أمازيغية بعينها على أبناء البلاد، وهو ما يؤكده رفض أصحاب " النزعة البربرية" قبول الاستفتاء الوطني كمخرج من الأزمة اللغوية المفتعلة، في حين أن اللغة العربية نفسها نادت بها كل وثائق الحركة الوطنية وتقبّلها الشعب في أكثر من استفتاء.

 

وما زلت أقول إن التعميم خطأ، وأولئك الأفراد لا يمثلون منطقة القبائل، ولا يعبرون عن رأي أبناء المنطقة الموجودين عبر كل الولايات وفي كل درجات المسؤولية السياسية والإدارية، وما يؤكد هذا هو أنه ليس هناك تصريح واحد لشخصية من أبناء المنطقة المرموقين توافق على أن تعبر عن الأمازيغية راية "بينيت"، والتي يسميها البعض عندنا راية «الفورشيطة» (أي شوكة الأكل) ويسميها آخرون راية «الضفدعة المصلوبة».

 

وليس هناك أي تأييد واضح أو حتى ضمنيّ لما تقوم به مجموعات مشبوهة، بعضها من المتمسحين أو المتكثلكين الجدد، يُحركهم بعضُ المغامرين السياسيين الذين فشلوا في تحقيق وجود انتخابي، وبعض الأثرياء الذين يحاولون الضغط على السلطات لأهداف احتكارية، بالإضافة إلى بقايا من غررت بهم الكتابات الفرنسية التي سممت الأجواء منذ 1830 بادعاءات الخصوصية البربرية المتميزة عن بقية السكان، وتحاول، بعد استرجاع الاستقلال، تقديم سكان المنطقة كضحايا للتعسف السلطوي وعمليات الإقصاء السياسي والإداري.

 

ويمكن أن نجد كثيرين ممن مَلِؤُوا الدنيا ضجيجا على اللغة، أيا كانت، سكتوا عندما مُنحوا مناصب في الدولة.

 

لكن كثيرين لا ينظرون بارتياح إلى خطوات اتخذتها السلطة تحت تأثير عمليات الابتزاز المتواصلة التي جعلت منطقة عزيزة من الوطن تبدو كطائرة مختطفة، والزمن وحده هو القادر على تأكيد صواب ما تم تقريره أو تخطئته، وأنا ممن يرون أن القرارات الفوقية لا تصب في مصلحة الوحدة الوطنية، وأقول منذ سنوات ، وخصوصا منذ 2008، أن علينا تكرار تجربة الميثاق الوطني الذي ناقشه الشعب في منتصف السبعينيات، واستُفتيَ عليه جماعيا بما جعله وثيقة إيديولوجية توافقية كان الدستور الذي انبثق عنها يمثل إرادة الشعب، وتمكن من ضمان الوحدة الوطنية والحيوية التنموية إثر وفاة الرئيس بو مدين المفاجئة، إلى أن حدث ما حدث.

 

الربيع الأمازيغي

 

البعض يعتبر أن أول ربيع أمازيغي كان في 1980 وأنه تحت الضغط الشعبي حصل الأمازيغ على حقوق كترسيم اللغة الأمازيغية وتعليمها وتأسيس أكاديمية لتطويرها وغيرها من مطالب..

 

* - للتصحيح، لم تعرف الجزائر إطلاقا ما يُسمّى «ربيعا أمازيغيا»، لمجرد أن كلمة «الأمازيغ» لم تكن مألوفة لدى الكافة قبل 1980، عندما فرض الرئيس «الشاذلي بن جديد» استعمالها للتخلص من كلمة البربرية التي كانت سائدة قبل ذلك، وكلفني شخصيا كمسؤول إعلامي أن أروّج لقراره ذاك، وهو ما حدث وحقق النجاح المعروف، بحيث نسي الناس تعبير «البربرية».

 

وكلمة الربيع المستعملة استلهام لربيع «براغ»، عندما واجه الجيش السوفيتي «الأجنبي» جماهير بودابست، واستعمالها هنا يكشف نظرة من استعملوها للجيش الجزائري، وهو يُفسّر مطالبة البعض بخروج قوات الدرك الوطني من المنطقة، وهو ما كان فرصة انتهزتها العناصر الإجرامية لتعيث في الأرض فسادا، إلى أن استيقظ السكان وفهموا اللعبة فنادوا جماعيا بعودة الدرك.

 

ويجب الإشارة إلى أن التظاهر حق إلا إذا تحول إلى محاولات للتخريب، والمؤسف أن وضعية الضعف التي عانتها الدولة بعد أحداث أكتوبر 1988 أعطت لكثيرين فرصة المزايدة، وهكذا فإن تفسير الاضطرابات هو أنها محاولة ليٍّ ذراع السلطة لفرض قرارات فوقية لا يرضاها الشعب الجزائري في مجموعه ولا يرتضيها، بل هناك من يمكن أن يقف ضدّها في المستقبل بعنف يعلم الله مداه، لأن الأمر لم يُطرح على الشعب في استفتاء عام، وهو ما يُخلي مسؤوليته عن اعتماد نتائجها.

 

وجماعة النزعة الأمازيغية يؤكدون كرههم للعروبة وللإسلام بقولهم إن "اللغة هي حامل للمضمون الحضاري والتراثي"، ويستنتجون بخلفيات مشبوهة بأن "انتشار العربية واعتمادها لغة وطنية رسمية، ولغة التعليم أساسا، هو مساهمة في نشر التراث الديني المقدّس، بكلّ ما يحمله من عنف وتخاريف ونفي للذات الفردية"، هذا هو بعض خطابهم.

 

والغريب أن من يرون القدوة في فرنسا يتسترون على الواقع الذي يقول أن فرنسا لا تستعمل لغة الأجداد الغالية (GAULOIS) رغم اعتزاز الفرنسيين بأجدادهم «الغاليين»، وهم يتجاهلون أن البرلمان الفرنسي رفض ترسيم اللهجات المحلية في فرنسا، وظل وفيا للقانون الذي أصدرته الثورة الفرنسية بأن تكون اللغة الفرنسية، وهي ليست اللغة الأصلية للغاليين، اللغة الوطنية والرسمية والوحيدة، وهو نفسه ما جعل الكاردينال ريشيليو ينشئ الأكاديمية الفرنسية.

 

ولا بد من التذكير بأن اعتبار الأمازيغية لغة وطنية لم يكن إثر أحداث أكتوبر 1988 ولا نتيجة للتعددية، أو بمعنىً أدق، العددية الحزبية، ولكنه كان قرارا اتخذه الرئيس بو تفليقة في الألفية الثالثة بموافقة برلمانية، وربما رأى في ذلك فعلا سحبا للبساط من تحت أقدام المزايدين.

 

عايشتم مرحلة تأميم البترول وبناء القطاع العام.. كيف ترون شراكة القطاعين العام والخاص؟

 

* - أنا من جيل يؤمن بأن ضمان الاستقلالية الوطنية لبلادنا هو وجود قطاع عام يشمل الصناعات الاستراتيجية التي تعتمد على الثروات الوطنية، ويتكامل معه قطاع خاص يهتم بالصناعات المتوسطة والصغيرة بجانب النشاطات التجارية والخدمية، وهو ما كان يعتزم الرئيس هواري بو مدين التكفل به قبل وفاته المفاجئة، عندما عَيّن، كوزير لتلك الصناعات، رائد الصناعة الثقيلة الناجح الأخ عبد السلام بلعيد.

 

لكن المؤسف هو أن الثمانينيات شهدت انحرافات متوالية نتج عنها إضعاف القطاع العام وبروز رأسمالية طفيلية راحت منذ ذلك الوقت، وخصوصا بانتهاز أحداث العشرية الدموية، راحت تحاول السيطرة على القرار السياسي، لتتجه الجزائر في نفس المسار الذي عرفته الشقيقة مصر بسياسة الانفتاح المعروفة، ووصل بها إلى ما تعرفون.

 

وأتصور أنه تجري اليوم محاولة تصحيح الأوضاع، وهو ما يفسر وجود صراعات تحاول القيادة السياسية التحكم فيها، وهذه وجهة نظر شخصية لمثقف يتابع الأحداث عن بُعْد، ولا أستطيع أن أدخل في تفاصيل لا أملك كل معطياتها.

 

الربيع العربي.. والحرب الحضارية

كيف تنظرون لمآلات الربيع العربي بعد سبع سنوات من اندلاعه؟

 

* - لعل الربيع العربي يُشبه بعض الثورات التي قام بها شعبنا خلال المرحلة الاستعمارية وقبل ثورة نوفمبر، والتي فشلت لأن القوى المعادية كانت أكثر تنظيما وأشد شراسة وأخبث تدبيرا.

 

كان الربيع العربي ردّ فعلٍ جماهيريّ تلقائيّ على الوضعية البائسة التي خلقتها أنظمة حُكْم يصح أن يطلق عليها أنظمة الاستعمار الوطني، وأشعل حماسُ شبابها ما يتعرض له المسلمون اليوم في أكثر من مكان، والدمار والهوان والضياع الذي نعيشه في الوطن العربي نتيجة لما أسماها المفكر المغربي «المهدي المنجرة» رحمه الله «الحرب الحضارية الأولى»، والتي انطلقت مع غزو العراق.

 

وبغض النظر عن أن عود الثقاب آنذاك كان الرئيس العراقي صدام حسين، الذي وقع، عندما قام بغزو الكويت، في فخٍّ لم يكن من المنطق أن تعمى بصيرته عنه، ولم يدرك يومها أن بداية النهاية كانت حربُه مع إيران، والتي دفعه إليها بعض الأشقاء، وشجعه عليها من تصور أنهم من الأصدقاء، ودفعت الجزائر، في محاولتها إطفاء اللهيب، 14 من خيرة ديبلوماسييها، وعلى رأسهم وزير الخارجية محمد الصديق بن يحيى.

 

وأرى أن فخ 1990 لا يختلف كثيرا عن الفخ الذي وقع فيه جمال عبد الناصر في 1967، ونفهم هنا خلفية قضية «جزيرتي تيران وصنافير»، والتي حوّلت الممر المصري اليوم إلى ممر دولي يُجرّم نظام الرئيس عبد الناصر.

 

برأيكم.. لماذا أخفقت ثورات الربيع العربي رغم الحشود الشعبية التي كسرت خوفها وخرجت للشارع تطالب بالإصلاح والعيش بكرامة؟

 

* - انتفاضات الربيع كانت مجرد «ردّ فعل» على وضعيات عانت منها الشعوب كثيرا، ولم تكن «فعلا» مبرمجا تقوده عناصرُ تدرك حجم الأخطار التي تمثلها «الدولة العميقة»، وهي التكتل الجهنمي الذي يضم الطبقة الرأسمالية الطفيلية وعناصر المخابرات الأمنية وتشكيلات المعارضة الديكورية، وقاماتٍ ثقافية، قزّمتها معادلة سيفِ المعز وذهبه.

 

وتآكل المنطق الثوري نتيجة لانتهازية قيادات سياسية وحماقة قيادات دينية وسذاجة تجمعات وطنية وفشل الإعلام الثوري.

 

ولقد حاولت المخابرات وأذرعُها الإعلامية منذ اليوم الأول التشكيك في الربيع العربي، وأغرِقت تجمعات الشبيبة بعناصر مشبوهة، مدفوعة الأجر بأموال تفوح منها رائحة النفط، واختَرِقت الميادين بجماعات البلطجية والشبيحة المأجورة، وطغت على المنابر الإعلامية صيحات التشكيك.

 

ويجب أن نعترف بأن الثورة المضادة نجحت في الانقلاب على الإرادة الشعبية.

 

هل تخوفت دوائر القرار العالمي من سقوط أنظمة خدمت مصالحها دائما أم ثمة مخاوف أخرى لديهم ؟

 

* - لم يكن الأمر تخوفا من سقوط نظام حكم، لأن البدائل كانت متوفرة في مخابر لعبة الأمم، والسيناريوهات كانت معدّة ليحل «الحاج موسى» مكان «موسى الحاج»، لكن سبب الهلع الذي أصيب به الجميع، في الداخل والخارج، هو أن نجاح الربيع العربي كان يعني نجاح الجماهير في استعادة ثقتها بنفسها، واسترجاعِها مصيرِها بيدها، واكتشافها أن «الملك هو عارٍ تماما من أي رداء»، تذكيرا بالقصة المعروفة، وهو الخطر الأكبر الذي يهدد المصالح الاحتكارية الداخلية والخارجية، ويُسقِط جدار الخوف من بطش السلطة القائمة التي ترعى تلك المصالح، ويفضح المعارضة الديكورية، ويكشف نفاق المثقفين.

 

ومن هنا تحالف الجميع ضد شباب الربيع، ولهذا نجحت محاولات اختراق الانتفاضة الشعبية في معظم البلدان، وتعثر الربيع العربي، لأن الشكوك ملأت الساحة ولأن مصالح الشمال تنادت لدعم حلفائها، وكانت النتيجة مأساوية في معظم المناطق.

 

لماذا لم يمرّ الربيع العربي بالجزائر رغم اندلاع ثورتين بجوارها تونس وليبيا؟

 

* - هناك عندنا من ادّعى أننا عرفنا الربيع خلال أحداث أكتوبر 1988، وهو بهتان مضحك، لأن ما حدث آنذاك كان ربيعا زائفا، لكيلا أقول أنني أعتبره «حملَ سفاح».

 

نحن لم نعرف الربيع العربي لسببين رئيسين، أولهما أن نظام الحكم، ورغم أخطائه وعثراته، لم يكن بالسوء الفاجر الذي كانت عليه أنظمة أخرى، وهكذا واصلت الجزائر مسيرتها، برغم عثرات لا نخجل من الاعتراف بها وأخطاء لا بد من تداركها.

 

وهنا يأتي السبب الثاني، وهو أن بناء الدولة كان وفيا لما وعد به الرئيس «هواري بو مدين» عند التصحيح الثوري في 1965، فقد أقيمت دولة لا تزول رغم الأحداث وزوال الرجال.

 

وكان الدليل خروج الدولة بسلام من العشرية الدموية، التي كانت خسائرها، البشرية والمادية، خسائر رهيبة، لكنها كانت درسا استوعبه كل الجزائريين الحريصين على حماية الدولة، ولم تنجح محاولات بعض المرتزقة في تحويل أي شغب عادي إلى حريق مدمّر، وواجه شعبنا المأساة وحيدا، وتحمل يومها شماتة كثيرين يحاول بعضهم اليوم إعطاءنا الدروس.

الربيع العربي
  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان