"مقدروش يفتحوا بقهم معايا" كانت هذه إحدى الجمل التي قالها الرئيس الأسبق حسني مبارك، في معرض حديثه عن قضية سد النهضة الإثيوبي، مشيرا إلى أن إثيوبيا لم تستطع بناء السد في فترة حكمه وأنه هدد بتوجيه ضربة عسكرية له في حالة وجوده.
وقال في التسجيل الذي تم بثه على "يوتيوب" إن فكرة توجيه ضربة عسكرية حاليا للسد مستحيلة ﻷنها ستجمع كل الأفارقة ضد مصر، كما أن الأمر تشترك فيه أطراف دولية، ويتزامن ذلك مع ضعف الدولة المصرية وتراجع أدائها على المستوى الخارجي.
تصريحات مبارك بشأن منعه إثيوبيا من بناء السد، أثارت تحفظات عدد من الخبراء، خصوصًا من كانوا على اطلاع بأبعاد القضية، خصوصا وأن الرئيس الأسبق يطرح نفسه كحام للدولة المصرية أو أنها انهارت عقب تنحيه.
يؤيد جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، والذي كان عضوا بلجنة السياسيات في الحزب الوطني المنحل، مبارك في أنه كان سببا في عدم قيام مثل هذا السد خلال فترة حكمه، بسبب تدخله لوقف عمليات البناء.
ويقول عودة لـ"مصر العربية" إن الرئيس مبارك كان له موقفه حاسم من هذه القضية تحديدا بالرفض ولم يقبل أي تجاوز من قبل الجانب الإثيوبي.
ويستدرك عودة قائلا إن مبارك كان يملك الأدوات التي تمكنه من القيام بهذا الدور في وقته، واستطاع من خلالها الضغط لمنع قيام سد النهضة الأثيوبي، مشيرا إلى أن ذلك لم يكن راجعا لبراعة يمتلكها مبارك أو ذكاء، لكن الأمر كان متعلقا بأدوات الحكم التي توافرت وقتها، لكن الوضع حاليا تغير كلية.
وأضاف أن أديس أبابا استغلت الاضطرابات السياسية التي دامت لقرابة 5 سنوات في مصر منذ 2011 وحتى 2015، في إنجاز جزء كبير من السد، وبقي على السلطة الحالية التعامل مع القضية على أنها أمر واقع وبالتالي يصعب التعامل من نفس النقطة التي كان يقف فيها مبارك.
وتابع أن الوضع الحالي متغير فهناك أطراف دولية وعربية تشارك في تمويل السد على رأسها الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية، وبعض المؤسسات الدولية كالبنك الدولي، وبالتالي التعامل معه مشروع قائم غير التعامل مع فكرة.
وقال عودة إن الرئيس مبارك قطع علاقته بإفريقيا عمومًا بعد محاولة الاغتيال التي تعرض لها في العام 1995، واتجه للشمال، لكن الأجهزة المصرية ظلت تعمل بشكل جيد هناك ومنعت أي تهديد للمصالح المصرية من التواجد بالقارة الأم.
وأضاف أن حادث الاغتيال الذي تورطت فيه أطراف إفريقية وبعض المجموعات الإسلامية المتطرفة في الداخل المصري، كان سببا في أن يهمل مبارك كل الأنشطة التي اعتاد أن ينفذها بالقارة السمراء.
وأوضح عودة أنه لم يتم مقارنة التحركات التي كان يجريها مبارك بإفريقيا مع ما يجريه الرئيس عبدالفتاح السيسي لتغلب الأخير عليه حيث إنه أكثر حضورا ونظم أكثر من زيارة لعدد من الدول الإفريقية وهو ما لم يقم به مبارك ولا حتى وزير خارجيته عمرو موسي.
وأكد أن مبارك لم يحم مصر من السد كما يقول البعض لكن توافرت له الأدوات التي ساعدت في منعه.
جورج إسحاق عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، أحد الذين شاركوا في الوفد الشعبي، الذي زار إثيوبيا عقب ثورة 25 يناير 2011، قال إنّ ما قاله الرئيس مبارك في التسجيل الذي بث عبر يوتيوب ليس حقيقيا.
وأكد في تصريحات لـ"مصر العربية" أن المسؤولين الإثيوبيين أبلغوهم وقت الزيارة التي نظمها وفد من القوى السياسية المصرية عقب 2011، أن السبب في تفاقم الأزمة هو الإدارة المصرية قبل الثورة، فلم يكن موجود أي تواصل بين القاهرة وأديس أبابا في هذا الملف قبل الثورة.
وذهب إسحاق إلى أنّ الرئيس الأسبق يحاول أن يصنع من نفسه بطلًا هذه الأيام، مع أنه سبب كل هذه المشكلات التي دخلت فيها مصر سواء قبل الثورة أو بعدها بسبب غرس جذور الفساد في مصر وإفساد العلاقات السياسية الخارجية مع الدول الإفريقية.
ولفت إلى أنه كان معلومًا للجميع أنَّ مبارك قطع علاقته مع إفريقيا منذ تعرضه للاغتيال في العام.
وتابع أنّ مبارك لو كان تفاوض في ملف سد النهضة كان من الوارد ان يجنب الأجيال الحالية واللاحقة أضرار هذا المشروع.
وتعود أحداث محاولة الاغتيال إلى زيارة الرئيس المخلوع مبارك للعاصمة الإثيوبية أديس أبابا لحضور القمة الإفريقية عام 1995 حينها تعرض موكبه لعملية استهداف مسلح من قبل 10 أفراد.
وفور عودته من إثيوبيا عقد مبارك مؤتمرا صحفيا تحدث فيه عن واقعة الاغتيال التي تعرض لها قائلا: بدايات الموضوع كانت بعد الهبوط إلى مطار إثيوبيا ودارت الأحاديث حول تأخر الحراسة الإثيوبية المرافقة لموكبي ورفضهم اصطحاب حراستي للأسلحة الخاصة بهم، وانطلق الموكب نحو مقر القمة بعدها قامت سيارة زرقاء بسد الطريق وترجل مجموعة من الأشخاص وفتحوا النيران على سيارتي لكن حراستي أخذت أماكنها".