رئيس التحرير: عادل صبري 02:47 مساءً | الثلاثاء 23 أبريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

فرنسا والآثار المصرية.. قصة فشل استعماري خلف نجاحا ثقافيا

فرنسا والآثار المصرية.. قصة فشل استعماري خلف نجاحا ثقافيا

ميديا

صورة تخيليه للحملة الفرنسية على مصر

فرنسا والآثار المصرية.. قصة فشل استعماري خلف نجاحا ثقافيا

محمد الوكيل 17 يناير 2021 14:33

أرادت فرنسا غزو مصر، بحلول نهاية القرن الثامن عشر، حيث كانت في حالة حرب مع بريطانيا، سعت خلالها باريس إلى تعطيل هيمنة عدوها على البحار وطرق التجارة مع الهند.

 

كما أن السيطرة على مصر، كانت ستمنح فرنسا موطئ قدم تتوسع منه في البحر الأبيض المتوسط، وتولى نابليون بونابرت قيادة المهمة، عام 1798 للقتال ضد المماليك، الذين كانوا يسيطرون على منطقة شمال إفريقيا.

 

وأوضحت المجلة التاريخية، الصادرة عن مجموعة ناشيونال جيوجرافيك، أنه رغم أن الهدف الرئيسي للحملة كان عسكريًا، إلا أنه كان هناك هدف آخر، وهو جمع المعلومات العلمية والتاريخية عن مصر، فمع 35000 جندي، سافر أكثر من 160 باحثًا وفنانًا إلى مصر.

 

وعرفت هذه المجموعة باسم لجنة العلوم والفنون في مصر، وسينتهي بها الأمر بتقديم مساهمة أكبر في التاريخ من القوات الفرنسية المقاتلة، فعملهم الدقيق، الذي تم تنفيذه على مدى سنوات عديدة، كان من شأنه أن يولد مجال علم المصريات في أوروبا ويكشف للعالم تاريخ الحضارة العظيمة التي حكمت على طول نهر النيل لآلاف السنين.

 

جنود وعلماء

في أوائل يوليو 1798، هبط الأسطول الفرنسي بالقرب من الإسكندرية واستولى عليها بسهولة، وتقدمت القوات الفرنسية إلى القاهرة واستولت على المدينة في 21 يوليو، ورغم هذه الانتصارات الأولية، بدأت المهمة العسكرية في التعثر، ولم يكن لدى فرنسا ما يكفي من الرجال لتأسيس حاميات كافية، مما حصر وجودها العسكري في العاصمة وبعض مناطق دلتا النيل.

 

وكانت القوات البحرية البريطانية تتربص في البحر الأبيض المتوسط ​​ونجحت في إغراق الأسطول الفرنسي المتمركز قبالة سواحل مصر في أغسطس، وتقطعت السبل بنابليون وقواته بشكل كبير، واستمرت الحملات البرية في تحقيق بعض النجاح، ولكن كان على نابليون أيضًا قمع الثورات المحلية ومواجهة تناقص رجالها ليس فقط بسبب القتال ولكن أيضًا للمرض.

 

وفي عام 1799 قرر بونابرت أن مصر لا تملك شيئًا آخر له وعاد إلى فرنسا، تاركًا رجاله تحت قيادة الجنرال جان بابتيست كليبر، الذي سجل بعض الانتصارات قبل وفاته في يونيو 1800، وواجه خليفته، الجنرال جاك فرانسوا دي مينو، تمردات في القاهرة وهجمات من البريطانيين أجبرته في النهاية على توقيع معاهدة استسلام في الإسكندرية في سبتمبر 1801، حيث سُمح لجميع القوات الفرنسية بالجلاء إلى أوروبا.

 

وتم تعيين علماء فرنسيين في مقر المعهد العلمي بالقاهرة، لكن آخرين بدأوا السفر في جميع أنحاء البلاد لأداء واجباتهم، وكان أحد الأعضاء، دومينيك فيفانت دينون، أرستقراطيًا ودبلوماسيًا بالإضافة إلى أنه كاتب روايات متحررة وفنان تشكيلي بارع، أثناء وجوده في فرنسا، وكان منتظمًا في صالونات جوزفين دي بوارنيه، المرأة التي ستصبح الزوجة الأولى لنابليون.

 

وأشارت المجلة إلى أنه بعد أن أقنعه نابليون بالانضمام إلى الحملة المصرية، رافق دينون الجنرال ديزايكس إلى صعيد مصر حيث قام بتجميع بيانات عن العديد من الآثار الفرعونية في المنطقة، وعندما عاد نابليون إلى باريس عام 1799، عاد دينون معه وبدأ في العمل على كتاب عن مغامراته المصرية.

 

وفي عام 1802 نشر دينون كتابه "رحلات في مصر السفلى والعليا"، والذي حقق نجاحًا هائلاً، ومزج نثره المفعم بالحيوية رواية حملة عسكرية مع أوصاف مواقع قديمة غامضة في أرض بعيدة، واحتوت الرحلات في مصر السفلى والعليا على رسوم إيضاحية أكثر من أي كتاب آخر قبله.

 

ورغم عدم وجود سابقة لعدد وحجم ونوعية أعماله، فإن الآثار المصرية التي رسمها - تمثال ممنون، ومعبد حتحور، وأبو الهول بالجيزة - لم يسبق رؤيتها بمثل هذه التفاصيل، فلقد أسر جمالهم وتميزهم فرنسا، وكان الجمهور متعطشًا للمزيد.

 

وكرس دينون عمله لنابليون، وقام الكتاب بتغيير الرأي المحلي، وتحول نابليون من كونه مرتبطًا بفشل حملة عسكرية إلى القائد الذي كشف قوة وعظمة مصر القديمة، وأصبح دينون مديرًا للمتحف المركزي للفنون "متحف اللوفر" وكان لديه كل الأشياء الفاخرة المصممة من الرسوم التي جلبها من مصر، كما تم تزيين أدوات المائدة والأثاث وورق الحائط وأشياء أخرى بأبي الهول أو المسلات أو النخيل، وهي صور غريبة وكانت بمثابة دعاية لنابليون.

 

وبعد عودة دينون من صعيد مصر عام 1799، أرسل نابليون المزيد من العلماء إلى المنطقة لمزيد من البحث عن الآثار المصرية، وعلى الرغم من الاضطرابات العسكرية، تمكن العلماء الفرنسيون من العمل بأمان نسبي، ودونوا العديد من الملاحظات، وجمعوا القطع الأثرية، وقاموا بملاحظات دقيقة وقياسات مفصلة.

 

حجر رشيد

خلال الرحلة الاستكشافية، اكتشف الفرنسيون حجر رشيد ولكن استولى عليه البريطانيون فيما بعد، وهو الآن في المتحف البريطاني، وبعد عودتهم إلى القاهرة، كانوا يأملون في الذهاب فورًا إلى فرنسا مع مجموعتهم ، كما أمر نابليون قبل مغادرة البلاد، لكن الاستسلام الفرنسي للبريطانيين غير الظروف.

 

وطالب القادة البريطانيون بأن يسلم الفرنسيون جميع الآثار التي جمعتها اللجنة، بما في ذلك لوحة من الحجر الأسود المنقوشة عثر عليها الجنود الفرنسيون في رشيد في يونيو 1799، وعلى الرغم من أنها بدت متواضعة إلى حد ما، إلا أن مظهر النقوش الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية عليها كانت مثيرة للاهتمام.

 

وكافحت اللجنة بنجاح للحفاظ على وثائقهم، وهدد عالم الطبيعة الفرنسي إتيان جيفروي سانت هيلير بحرق كل شيء قبل إعطائه للبريطانيين، وكجزء من تهديده، قارن بين احتمالية اندلاع حريق معادل لخسارة مكتبة الإسكندرية العظيمة، ونجحت مناورته، ورضخ البريطانيون وسمحوا للفرنسيين بالاحتفاظ بملاحظاتهم.

 

وبعد أشهر قليلة من عودة البعثات الاستكشافية إلى فرنسا، أمر نابليون بنشر تحقيقات لجنة العلماء في مصر في عمل مطبوع كبير، ولقد كان مشروعًا ضخمًا، استغرق إكماله سنوات.

 

وبحلول عام 1809، كان هناك 36 شخصًا يشاركون في كتابة العمل وما يصل إلى مائة نقاش شاركوا في إنشاء الرسوم التوضيحية، وتضمنت الخطة ما يقرب من 900 لوحة نحاسية تحتوي على أكثر من 3000 شخصية.

 

وكان الناشرون يأملون أن يتم نشر العمل كله في نفس الوقت، لكن نابليون كان ينفد صبره، ولإرضائه قرروا البدء في النشر بشكل متسلسل في مجلدات منفصلة في عام 1809، تحت عنوان "وصف مصر"، أو مجموعة ملاحظات وأبحاث تم إجراؤها في مصر أثناء رحلة الجيش الفرنسي، تم نشرها بأوامر من نابليون.

 

ويتكون الكتاب العظيم من 22 مجلدًا، تسعة كتب نصية و13 من اللوحات والرسوم التوضيحية والخرائط، وبدأت المجلدات في النشر واستمرت حتى بعد خروج نابليون من السلطة، وبعد إعادة النظام الملكي في عام 1814، قرر الملك لويس الثامن عشر مواصلة العمل على المنشور لأنه كان علامة واضحة للفخر الوطني الفرنسي.

 

نقاط القوة والضعف

تنقسم محتويات "وصف مصر" إلى ثلاثة أقسام رئيسية: الآثار، والتاريخ الطبيعي، والحالة الحديثة، مع مجلدات من النصوص والصور لكل منها، وأكثر من نصف العمل مكرس للماضي ويظهر كيف استحوذ التاريخ المجهول للفراعنة على خيال العلماء.

 

وتم إعاقة تفسيراتهم التاريخية الوليدة بسبب عدم القدرة على فهم الهيروغليفية، مما حال دون إنشاء عرض كرونولوجي، وتم تنظيم المجلدين الأولين جغرافيًا، من الجنوب إلى الشمال، من جزيرة فيلة في صعيد مصر إلى دلتا النيل، وفي المجلدين الثالث والرابع، تم تنظيم المقالات حسب الموضوع، وحاول العلماء مقارنة روايات المؤلفين الكلاسيكيين ببقايا الآثار المصرية التي لا تزال مرئية.

 

بالنسبة للعديد من العلماء المعاصرين، تكمن القيمة الأكثر ديمومة لهذا العمل في الرسوم التوضيحية، من حيث الدقة والبعد الجمالي، الذي يبرز من خلال حجمها الهائل، واختفى حوالي 20 مبنى من المباني المصورة منذ ذلك الحين وكل ما تبقى من مظهرها هو الأشكال والتفسيرات الواردة في الوصف.

 

وشكلت بعثة نابليون الفرنسية نقطة تحول عندما أصبح الجمهور الأوروبي والتخيل الأكاديمي مهووسًا باستكشاف مصر القديمة، وأدى اكتشاف حجر رشيد في عام 1799 إلى قيام جان فرانسوا شامبليون بفك رموز الهيروغليفية في عشرينيات القرن التاسع عشر، وكان عمله هو المفتاح لفهم جديد للحضارة المصرية القديمة، حيث كان بإمكان العلماء تفسير الآثار بشكل أفضل، مما أدى إلى عرض أكثر تفصيلاً لهذه القوة القديمة الهائلة وشعبها.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان