رئيس التحرير: عادل صبري 03:28 مساءً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

بعد مأساة 200 مليون فتاة وامرأة.. هل يصلح «الترميم» ما أفسده الختان؟

بعد مأساة 200 مليون فتاة وامرأة.. هل يصلح «الترميم» ما أفسده الختان؟

منوعات

"ترميم ختان".. تدخل طبي يُعيد للضحايا الثقة بأجسادهن

بعد مأساة 200 مليون فتاة وامرأة.. هل يصلح «الترميم» ما أفسده الختان؟

متابعات 18 فبراير 2021 15:15

رصد تقرير نشرته وكالة فرانس 24، استمرار عمليات الختان في مصر، رغم الإجراءات الحكومية التي تمنعها، بل وتهدد فاعلها بالحبس.

 

فقد نقل موقع فرانس 24 عن منظمة الصحة العالمية تعرض ما لا يقل عن 200 مليون فتاة وامرأة حية الآن إلى الختان، ومن بينهم مصرية نجت من عملية ختان وأجرت عملية تجميل ثم تحولت إلى ناشطة تعمل على مساعدة الضحايا للحديث عن هذه العملية غير القانونية.

 

الأرقام في مصر مرتفعة بشكل مقلق: حوالي 87 في المائة من النساء المتزوجات بين سن 15 و 49 عانين من تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية.

 

يمكن أن تؤدي الممارسة بالطبع إلى عواقب جسدية ونفسية طويلة المدى. حسبما قالت الدكتورة ريهام عواد ، جراح التجميل، صاحبة مركز "ترميم" أول مركز رعاية تشوهات الختان في مصر والشرق الاوسط، والتي تؤكد لفرانس 24 أنها تواجه العديد من الحالات التي تصادفها لإعادة (تجميل) ما بعد عمليات الختان، مشيرة إلى أن المجتمع المصري مازال بحاجة إلى المزيد من عمليات التثقيف حول خطورة الأمر.

 

تجارب حية

رغم أن المصرية، بسمة كامل، فقدت محفظتها وجواز سفرها وكل أوراقها الرسمية قبل أسابيع أثناء زيارتها للعاصمة الفرنسية، باريس، إلا أنها لم تفقد حماسها بخصوص الهدف الذي سافرت إلى هناك من أجله.

 

فكل ما تريده هذه الشابة ذات الـ27 عاما، هو الحصول على استشارة طبيب فرنسي شهير حول عملية إعادة ترميم بسبب خضوعها للختان في عمر التاسعة.

 

منذ فترة مراهقتها، وبسمة تسأل وتقرأ وتبحث لتفهم سبب ما حدث لها، لكي تساعد نفسها على الخروج من دوامة الأسئلة التي شغلت بالها طويلا.

 

"في فترة الإعدادي عرفت من زميلاتي في القاهرة أنهن لم يخضعن للختان. فصرت أسأل 'لماذا أنا؟ ' وفي عمر الـ17 تحدثت مع أمي لأول مرة حول الموضوع. شعرت بندمها لأني نزفت كثيرا يومها، وكادت أن تكون هي المسؤولة عن وفاتي. لذلك توقفت عن لومها لأنها هي نفسها لم تكن تعرف سبب الختان. كانت تعتقد أنها 'حاجة وحتنعمل وخلاص ' "، تقول بسمة لبي بي سي عربي.

 

لذلك، وبالتوازي مع دراستها الهندسة وعملها، حاولت الحصول على دعم من الجمعيات العاملة في هذا المجال في مصر، وأرادت أن تفهم كيف تتعامل نساء أخريات مع هذا الإحساس الذي تسبب بها الختان، لكنها لم تجد ما كانت تحاول العثور عليه.

 

ثم بدأت تفكّر في عملية ترميم الأعضاء التناسلية وتقرأ ما كتبته نساء عن هذه العملية، التي سمعت عنها أول مرة من خلال قناة على موقع يوتيوب أطلقتها أمريكية من أصل إفريقي، لتشارك الناس تجربتها مع العملية - يوما بيوم.

 

الصدفة قادتها قبل عامين إلى بريطانيا عندما حصلت على منحة دراسية وقررت الاستقرار في البلد - فأتيحت لها لأول مرة فرصة الكلام مع مختص حول ما مرت به، وحصلت على علاج نفسي غيّر كل طريقة تفكيرها، كما تقول.

 

"بعد رحلة العلاج النفسي والصدمة الكبيرة التي عشتها، بدأت أتقبل نفسي أكثر. العلاج النفسي فعلا أحدث فرقا لدي. أحدث فرقا في تقبلي لنفسي وفهمي لجسمي. صرت أعرف أنني مختلفة، لكنني لست ناقصة. قررت أني لن أكره جسمي بسبب جزء ناقص. وأعرف أن الشريك الجيد سيتقبلني كما أنا"، تقول بسمة.

 

لكنها بقيت متحمسة لفكرة الحصول على استشارة بخصوص العملية - لسبب مختلف.

 

"لم تعد المشكلة شخصيّة. صرت أشعر أن هناك مسؤولية صارت ملقاة عليّ. صرت أقول لنفسي: إجراء الختان لم يكن خياري، أما الآن لدي خيار. إن قررت إجراء العملية سأكون قادرة على الحديث عنها للنساء اللاتي يفكرن بالموضوع ولسن قادرات على الوصول للمعلومات - تماما كما كانت حالتي".

 

رغم أن فكرة إعادة ترميم الأعضاء التناسلية التي كانت قد قطعت أجزاء منها أثناء مرحلة الطفولة قد تعطي أملا للنساء اللاتي يشعرن أن هذا الموضوع مصدر إزعاج لهن، إلا أن أصواتا كثيرة تنادي بألا يكون هذا الخيار هو الأول - بل الأخير.

 

"أشعر بالنقص"

سمعت بسمة مؤخرا فقط عن مركز جديد في القاهرة يقدم خدمات جراحية وأخرى غير جراحية للنساء اللواتي كن عرضة للختان.

 

لكنه ليس مركزا بالمعنى الدقيق للكلمة؛ فحتى الآن وبسبب غياب الدعم المالي، يستأجر الطبيبان المؤسسان، وهما ريهام عواد وعمرو سيف الدين، من إدارة إحدى المستشفيات غرفة معاينة ومعدات إجراء التحاليل والأشعة، ويعملان بمفردهما، إلى جانب معالجة نفسيّة، دون مساعدة ممرض أو سكرتير.

 

بعد ست سنوات أمضتها ريهام عواد في كلية الطب في الإمارات، وبعد تنقلها بين السعودية والولايات المتحدة، قررت أن يكون موضوعها لأطروحة الماجستير عن عمليات ترميم الأعضاء التناسلية للنساء المختونات.

 

لم تكن ريهام قد سمعت عن الختان طيلة فترة نشأتها في السعودية، ولا أثناء دراستها، حتى بدأت سنة "الامتياز" التي تلي التخرج من كلية الطب.

 

تقول لبي بي سي عربي: "أثناء مروري على قسم أمراض النساء والولادة، رأيت امرأة حاملا جاءت لموعد الفحص، ولاحظتٌ أنه تم تخييط أعضائها التناسلية. انصدمت وبدأت أستفسر. شرحت لي الطبيبة أن هذا هو الختان الفرعوني، الذي يعرف بالنوع الثالث من الختان، وأخبرتني أنه منتشر في أماكن معينة في دول أفريقيّة. ومن وقتها لم أعد قادرة على نزع هذه الفكرة من رأسي. قررت التخصص بهذا الموضوع".

 

استقرت د.ريهام في مصر، مسقط رأس والدها، وأنهت أطروحة الماجستير في بداية عام 2020، ثم سعت للتواصل مع "الطبيب الوحيد" في مصر الذي يجري عمليات ترميم لآثار الختان، جرّاح التجميل عمرو سيف الدين.

 

خلال مكالمة فيديو عبر الإنترنت مع الطبيبيَن، شرح سيف الدين أنه كان قد أمضى بعد تخرجه من كلية الطب أشهرا في المشرحة وهو يدرس الفروق بين البظر المختون وغير المختون. ولاحظ حدوث تجلّط وضرر في أعصاب البظر المختون، ففكر في تحويل مسار الجزء المتبقي كتقنية ترميم (هذه الفكرة مبسطّة جدا عن التقنية).

 

علما أن البظر لا يقتصر فقط على الجزء الصغير الظاهر، بل له عمق، لذا فمن المستحيل إزالته كاملا - ويجهل كثيرون هذا المعلومة، وفقا للطبيب.

 

لا يملك سيف الدين أية إحصاءات توثّق عدد النساء اللاتي أجرى لهن العملية، وبالتالي لا يمكن لنا الحصول على أرقام تثبت مدى تحسّن حالة النساء اللاتي خضعن للعملية.

 

ويعزو الطبيب سبب ذلك إلى كثرة العمليات التي أجراها - إذ أنه يعمل في مهنة جراحة التجميل منذ 22 عاما - كما أن نتائج العملية تحتاج أشهرا كي تظهر، لكنه يقول إنه لم يكن يستطيع متابعة وضع المريضات بسبب عدم القدرة على التواصل معهن من قبل، عندما لم تكن تكنولوجيا الاتصال الحالية متوفرة.

 

وفي الوقت الراهن، يقول إنه لا توجد إمكانيات متابعة بسبب صغر حجم الفريق، إلى جانب "خجل" النساء من الإجابة على أسئلة استمارات المتابعة لأنها تحوي تفاصيل كثيرة عن حياتهن الجنسيّة.

 

تسمّي الأمم المتحدة ختان الإناث "تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية"، وتعتبره انتهاكا لحق من حقوق الإنسان، وأعلنت يوم السادس من فبراير "يوما عالميا لعدم التسامح مع ممارسة ختان الإناث". كما أن السلطات المصرية جرّمت ختان الإناث منذ عام 2008 - لكنه لا يزال مستمرا. 

 

 

أحاول أن أفهم كيف يتخذ الطبيبان قرار إجراء العملية الجراحية.

 

يوضّح د.عمرو سيف الدين: "أول شيء أريد أن أفهمه هو سبب شكوى المريضة. فأول سؤال أطرحه عليها: لماذا أنت هنا؟ وأغلب الإجابات تكون: أشعر بالنقص.

 

هذا النقص لا يمكن إعادته جراحيا، لكن يمكن التعامل معه من خلال تقديم العلاج النفسي-الجنسي. ونحاول أن نفهم هل الشكل هو ما يزعج السيدة ويحزنها، أم هو خلل في وظيفة العضو؟ إن كانت المشكلة في وظيفة العضو الأنثوي والإحساس، فيمكن أن نلجأ إلى علاجات غير جراحيّة، ولها عدة أنواع".

 

ويذكر أن الأزواج كثيرا ما يتسببون بالضغط النفسي لدى النساء بسبب تعليقاتهم."في مجتمعنا، أغلب الرجال يشاهدون أفلام (بورن) وكثيرا ما يكون الزوج قاسيا في كلامه مع زوجته مما يتسبب بإحباطها".

 

لذا، لا يتخذ الطبيبان قرارهما "إلا بعد أن تؤكد المختصة النفسية أن المرأة جاهزة من الناحية النفسية"، وبعدها يدرسان كيف يمكن حل المشكلة سواء بعلاج جراحي أو غير جراحي.

 

وما التكلفة؟ يقول سيف الدين إن التكلفة تختلف حسب وضع كل المريضة، ويرفض ذكر أي رقم تقريبي لتكاليف العملية.

 

"مشوّهة"

الدور الكبير للعامل النفسي في شعور المرأة المختونة بحاجتها للعمل الجراحي هو أحد أهم أسباب توجيه الانتقاد لفكرة التدخل الجراحي كحل للمشكلة.

 

إذ تقترح دراسة أوروبيّة أن حملات الأمم المتحدة والجمعيات والنشطاء لإيقاف ختان الصغيرات، والتركيز على كلمة "تشويه"، يولّد شعورا بالعار لدى النساء الأكبر اللاتي تعرضن للختان بصغرهن.

 

علما أن هذه العمليات أصبحت متاحة في كثير من الدول الأوروبية نظرا لوجود جاليات أفريقية مهاجرة فيها.

قرأتُ دراسة منشورة على الإنترنت أعدتها أستاذة أنثروبولوجيا في جامعة مالمو السويدية، هي سارة جونسدوتر Sara Johnsdotter، والتي تنشر بحوثا تتعلق بختان الإناث.

 

وبرأيها أنه في أوروبا "تزايد الإقبال على عمليات الترميم بسبب انتشار سرديات التشويه القاسية"، التي قد تشعر النساء بسببها أنهن "ناقصات ومشوّهات ومحرومات جنسيا". كما تعرض عددا من الدراسات التي تشير إلى أن كثيرا من النساء قد لا يشعرن بالتحسن بعد العملية.

 

وتؤكد أنها ليست ضد العملية، لكنها تقول إنه يجب أن ينظر لها على أنها مجرد "أداة واحدة" من بين عدد كبير من طرق الرعاية التي يمكن للنساء اللجوء إليها.

 

تشرح الدكتورة ريهام الفرق بين ذاك السياق الأوروبي وبين الوضع في مصر - فالفرق الأساسي هو مدى انتشار ثقافة العلاج النفسي.

 

"أشعر أن نسبة صغيرة فقط من النساء (اللاتي قابلتهن) قررن اللجوء إلى العملية بسبب التأثر بما يبث عبر الإعلام. في مصر غالبا ما يكون عمر الفتاة بين 7-10 سنوات عندما يُجرى لها الختان، أي أنها تتذكر التروما (الصدمة) التي مرت بها. كما أن الثقافة هنا مختلفة عن أوروبا، والنساء لا يشعرن أن العلاج النفسي مهم".

 

وتضيف: "العقلية السائدة وغياب الثقافة (حول فعالية) العلاج النفسي تدفع كثيرات للاعتقاد بضرورة اللجوء لعمل جراحي. وهناك ارتباط مهم بين الجانب النفسي للمرأة والأداء الجنسي. أعتقد أن نجاح العملية سببه نفسي.. تتحسن المرأة نفسيا وتزداد ثقتها بنفسها عندما ترى البظر والشفرين بعد أن كانت تشعر بالنقص لغيابهما".

 

وتعتبر منظمة اليونيسف أن عملية الترميم "يجب أن تبقى الخيار الأخير" للمرأة التي تنشد الراحة النفسية والجسدية.

 

ووفقا لجيرمي هوبكنز، ممثل اليونيسف في مصر "يجب أن تستند الخدمات الصحية، ومن ضمنها جراحات الترميم للنساء، إلى عدة مبادئ أساسية تتماشى مع إرشادات منظمة الصحة العالمية"، ومن بين هذه الإرشادات: الحصول على موافقة المرأة من غير إكراه، وأن تجري العملية وفقا لما تفضّله المرأة، وأن تفوق مكاسب الجراحة أضرار عملية الختان، وأن يكون التدخل الجراحي المقترح ممكنا.

 

لكنه يعود ويؤكد: "الجزء الأكبر من جهودنا يجب أن يكرّس لضمان ألا يحدث (الختان) أبدا لأية فتاة في أي مكان في العالم".

 

النص الأصلي

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان