رئيس التحرير: عادل صبري 11:54 مساءً | الخميس 03 يوليو 2025 م | 07 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

جهاد القاعدة وحزب الله على أرض لبنان!

جهاد القاعدة وحزب الله على أرض لبنان!

مقالات مختارة

الكاتبة اللبنانية راغدة درغام

جهاد القاعدة وحزب الله على أرض لبنان!

بقلم: راغدة درغام 23 نوفمبر 2013 12:40

الآن وقد وصلت الحرب السورية إلى لبنان عبر التفجير الانتحاري أمام السفارة الإيرانية هذا الأسبوع، بات لبنان مرشّحًا لـ «العرقنة» وازداد احتمال تلقّيه ضربات عسكرية إسرائيلية «وقائية» مع تحوّله إلى ساحة قتال بين «حزب الله» و«القاعدة» وجهاديين من كافة الأنواع والأهداف.

أصبح لبنان جارًا فالتًا لا حكومة فيه، يكتظ بالمسلحين والميليشيات، وإسرائيل تخشى مثل هذه الفوضى على حدودها وهي تضع الخطط الطارئة لكافة الاحتمالات. الأنظار تتوجه الآن إلى كيفية العملية الانتقامية التي قد يقوم بها «حزب الله» أو «الحرس الثوري» التابع للحكومة الإيرانية ونوعيتها، ردًا على العمليتين الانتحاريتين الإرهابيتين ضد السفارة الإيرانية في ضاحية بيروت الجنوبية، والتي أسفرت عن مقتل 25 شخصًا وجرح أكثر من 150 تبنّت مسؤوليتهما «كتائب عبدالله عزام» المرتبطة بتنظيم «القاعدة».

 

هناك إجماع وإدانة دولية للعملية الإرهابية، كما لـ «القاعدة» ومشتقاتها أينما عملت، أكان داخل سوريا ولبنان والعراق أو ضد مواقع أمريكية وأوروبية وروسية وصينية وأينما كان. فهذا تنظيم إرهابي تدميري يمتطي قضايا المنطقة العربية لتحقيق مآربه الأيديولوجية والمذهبية. كلّف العرب غاليًا عالميًا منذ قيامه بإرهاب 11 أيلول (سبتمبر) ضد البرجين الشامخين في «وورلد ترايد سنتر» في نيويورك. إنما مقابل شبه الإجماع الدولي على إدانة أمثال «جبهة النصرة» التي صنّفها مجلس الأمن إرهابية في خِضمّ معركتها ضد النظام في سوريا بسبب ارتباطها بـ «القاعدة»، هناك شبه إجماع بين أعضاء مجلس الأمن على غض النظر عن دور «حزب الله» و«الحرس الثوري» في ساحة القتال السورية بقيادة إيرانية عسكرية. بعض الدول الغربية صنّف الجناح العسكري لـ «حزب الله» في خانة الإرهاب، إلا أنه لم يتخذ أي إجراء في مجلس الأمن لا ضد الانخراط العسكري المُعلن لـ «حزب الله» في سوريا ولا ضد التورط الإيراني المخفي والذي يشكل انتهاكًا صارخًا لقرار مجلس الأمن بموجب الفصل السابع يحظر على إيران مد المعونة العسكرية والسلاح خارج حدودها.

 

هذه المفارقة لها خلفيتها و«مبرراتها» لدى القائمين عليها طالما انحصر الأمر في ساحة القتال السورية. أما وقد وصلت الحرب بين «حزب الله» و«الحرس الثوري» من جهة وبين «القاعدة» وأخواتها من جهة أخرى، إلى ساحة لبنان الهشّة والسائبة، فلقد انهار معها ذلك القرار الدولي بتحييد لبنان وإسرائيل عن القتال وبات ضروريًا مطالبة الأسرة الدولية بإجراءات لجْم جدية. بات ملحًّا للقوى الإقليمية المعنية إعادة النظر في سياساتها الاستراتيجية والاعتباطية على السواء، فما حدث هذا الأسبوع في بيروت يشكل منعطفًا نوعيًا في المعادلة الإقليمية.

 

الدول الإقليمية المنخرطة في سوريا ولبنان هي دول آمنة نسبيًا داخل حدودها. فلا حروب أهلية داخلها، ولا هي ساحة حروب بالنيابة عن الآخرين، المآخذ على بعضها أنها تستخدم أمثال سوريا ولبنان والعراق ساحة للاستنزاف والمواجهة فيما علاقاتها الثنائية- ظاهريًا- قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخر. باطنيًا، الخلاف جذري، مذهبيًا وأيديولوجيًا وفي إطار موازين القوى الإقليمية والقيادة الإسلامية. علاقاتها بالولايات المتحدة ملفتة، ليس فقط في عصر الشاه عندما كانت إيران الحليف الأول للولايات المتحدة، وإنما أيضًا في عصر الثورة الإيرانية، فالولايات المتحدة لعبت على أوتار الحرب الإيرانية- العراقية والمعادلة السنية- الشيعية، تارة لمصلحة العراق وتارة لمصلحة إيران، ضمن استراتيجية مدروسة، ثم أتى الرئيس السابق جورج دبليو بوش ليقدم العراق إلى إيران في إطار حربه على الإرهاب. الرئيس باراك أوباما سار في خطى بوش وهو الآن يودّ تتويج العلاقة الأمريكية- الإيرانية بتوطيد الدور الإيراني الإقليمي في العراق وسوريا ولبنان، الذي يشكل في إطار تلك الاستراتيجية الأمريكية نقطة الارتباط الإيراني مع إسرائيل. هذه هي السياسة الاستراتيجية التي وضعتها الـ «إستابلشمنت» الأمريكية.

 

كل ذلك الكلام عن تعاون خليجي- إسرائيلي في وجه التوسع الإيراني ليس منطقيًا ولا عمليًا؛ فالعلاقة الإيرانية- الإسرائيلية متينة بقدر ما كانت عليه تاريخيًا بين الفرس واليهود. لعل هناك حاجة تكتيكية لدى إسرائيل اليوم للجم اندفاع الرئيس باراك أوباما نحو إيران قليلاً كي لا تأتي هرولته بلا تسديد حساب لإسرائيل. ولعل هذه الحاجة تتلاقى مع حاجة الدول الخليجية المعنية إلى أي ما يساعد في «فرملة» إدارة أوباما المهووسة بإيران، إنما هذه محطة تكتيكية يجب ألا تعمي عن الاستراتيجيات البعيدة المدى لأيٍّ وكلٍّ من اللاعبين الإقليميين والدوليين.

 

ما تلتقي عليه القيادة الأمريكية والروسية والصينية والإيرانية والإسرائيلية اليوم سيتلاقى مع مصلحة الحكومة السورية وحليفها «حزب الله»، وهو القضاء على ما يسمونه التكفيريين والجهاديين والسلفيين. جميعهم بات يعتقد أن عدوّه هو السُّنة، أمريكيًا بسبب 11/9/2001، روسيًا وصينيًا لأن مشكلتهما الإسلامية سنّية، وإسرائيليًا لأن معركتها مع العرب وليس مع الفرس. «القاعدة» وأخواتها أعطت كامل الذخيرة لهذا التجمع بسبب لجوئها إلى الإرهاب استراتيجية ووسيلة، ويمكن اعتبارها الجهة المنفذة عمليًا لمصلحة هذا التجمع. والمدهش أن تمويل «القاعدة» ومشتقاتها يأتي عبر قنوات عربية معظمها من أفراد وعائلات توهم نفسها أنها تدافع عن الإسلام والسُّنة والعرب. وكم هي خاطئة ومؤذية وجاهلة وخاسرة، فمهما «فرّخت» من متطوعين، ومهما قامت بعمليات في الساحة العربية أو الساحة الدولية ضد أقطاب هذا التجمع الغريب، فإنها مهما ألحقت الأذى بالآخر تؤذي بالقدر نفسه مَن تزعم أنها تنتصر له.

 

«حزب الله» أيضًا يجازف وقد يدفع ثمن عنجهيته على المدى البعيد. هو قد يتباهى اليوم بأنه لاعب إقليمي، عسكري بالدرجة الأولى، في سوريا كما في اليمن، كما في لبنان. لا يخفي «حزب الله» أنه يلعب أدواره الإقليمية نيابة عن إيران وليس نيابة عن لبنان، حيث ينتمي جغرافيًا، على رغم ولائه أولاً للجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولا ينفي أنه في معركة مذهبية باعتباره حزبًا شيعيًا يرى في طهران الفارسية حليفًا وفي الرياض العربية عدوًا.

 

اليوم، يحق لـ «حزب الله» أن يتباهى بأنه هو الذي قلب المعادلة العسكرية على ساحة الحرب السورية لمصلحة نظام الرئيس بشار الأسد، فلولا معركة «القصير» التي خاضها «حزب الله» لما تحوّل النظام إلى منتصر في وجه المعارضة السورية. اليوم «حزب الله» في جهوزية لترسيخ الموازين العسكرية لمصلحة النظام في دمشق عبر معركة «القلمون» الآتية.

 

واضح أن «حزب الله» لا يبالي بما يدفعه لبنان إثر تدفق اللاجئين والنازحين السوريين إليه، من بنيته التحتية، لا يبالي بمدى الثمن الذي يدفعه لبنان اقتصاديًا بسبب خوض الحزب المعركة علنًا ضد الدول الخليجية ومنعها- عمليًا- من القدوم إليه لإنقاذ قطاعه السياحي الضروري. «حزب الله» واضح في استراتيجيته الهادفة إلى امتلاك لبنان حكومة وقرارًا وانتماء، لأنه وصلة مهمة في استراتيجية إيران الإقليمية الممتدة إلى إسرائيل.

 

عمليًا، لقد استدعى «حزب الله» تنظيم «القاعدة» إلى لبنان بسبب خوضه الحرب السورية. هذا سيف ذو حدّين، ثقة «حزب الله» بنفسه وبانتمائه إلى التجمع المعارض للتكفيريين قد تنقلب عليه وليس فقط على لبنان. فهو متورط في الحرب السورية حيث يتدرّب على معارك نوعية ويحصل على سلاح نوعي يهرّبه إلى الأراضي اللبنانية، ويعوّل عليه لمحاربة «القاعدة»، وربما إسرائيل أيضًا إذا برزت الحاجة واقتضت الحسابات الإيرانية التكتيكية. لكن انتقال حربه مع «القاعدة» إلى لبنان أيضًا يجعله مضطرًا لفتح جبهتين في آن، وربما ثالثة؛ لأن إسرائيل قد تضطر إلى اتخاذ إجراءات تحميها من الطرفين المتطرفين في جوارها.

 

ثم هناك مسألة «الاستغناء» التي لطالما لاحقت أولئك الذين راهنوا على الولايات المتحدة، اليوم الجمهورية الإسلامية الإيرانية في حاجة ماسة إلى رفع العقوبات عنها، ولذلك تغازل الولايات المتحدة- و«حزب الله» على لسان الأمين العام السيد حسن نصرالله يدافع عن التقارب الأمريكي الإيراني، وهو يراهن على التجمع الأمريكي الروسي الصيني الإيراني الإسرائيلي لمكافحة «القاعدة» وأمثالها. لكن «الاستغناء» سيطاوله في نهاية المطاف، لا سيما إذا تم التوصل إلى تلك «الصفقة الكبرى»، لذلك هو يغامر ليس فقط بنفسه كـ «لاعب إقليمي» وإنما أيضًا بالطائفة الشيعية اللبنانية؛ لأن استدعاء «القاعدة» إلى لبنان عدوًا ستدفع ثمنه الطائفة الشيعية أولاً، وسيكون لبنان كله ضحية عنجهية حزب يمثل أقلية حتى ولو زعم أنه يمثل الطائفة الشيعية.

 

لبنان بلد الأقليات، ولا توجد فيه أكثرية، لذلك فلتتفضل الدول الغربية التي تزعم أنها تحاكي مصالح الأقليات العربية والأقلية الإسلامية، وتفعل شيئًا قبل فوات الأوان. أول ما عليها أن توضحه هو عمّا في ذهنها نحو لبنان إزاء استدعاء «حزب الله» لكلٍّ من «القاعدة» وإسرائيل إليه عسكريًا، لأسباب مختلفة.

 

فالسؤال الأهم الذي يتطلب إجابة أمريكية بالدرجة الأولى هو: ما حدود الانتصار الإيراني في سوريا ولبنان بعد فوزه بالعراق؟

 

مفهوم أن الولايات المتحدة تريد البناء على ما تعتقد أنه فرصة تاريخية عنوانها الاعتدال في طهران بصورة الرئيس حسن روحاني، نوويًا. إنما ما هي آفاق الدور الإقليمي الإيراني الذي تشرّعه إدارة أوباما، علمًا بأن جناحه العسكري المتمثل بـ «حزب الله» و «الحرس الثوري» يمتد اليوم من سوريا إلى لبنان في مواجهة عسكرية مع «القاعدة». سياسة الإنهاك المتبادل قد تكون تكتيكاً مفيداً للغايات الأمريكية، إنما ماذا بعد؟ وماذا تريد دولة الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تدير حروب الميليشيات؟

 

هناك إيران الابتسامة وإيران الحنكة التي تتبنَّى أسلوب «الجرح بالقطن» لتنفيذ الاستراتيجية بالصبر والمثابرة والبناء على ذاكرة ضعيفة لدى الغرب الذي أوهم نفسه بأن إيران لم تكن يومًا معتدية، متناسيًا أدوارها في دعم الميليشيات والتدخل في شؤون الدول المجاورة واحتجاز الرهائن الأمريكيين لـ444 يومًا وما يتردد عن أدوارها حتى في صنع التطرف السنّي وأدواته.

 

الدور العربي في صنع التطرف السنّي لا يقل عن الدور الإيراني، بل يضاهيه، من أفغانستان إلى لبنان، وحان وقت إعادة النظر واتخاذ قرارات حاسمة، إما لجهة التفاهم الخليجي مع إيران أو لجهة إيجاد بديل عن دعم «القاعدة» ومشتقاتها كوسيلة لمواجهة إيران وميليشياتها. الاستدراك في لبنان محطة ضرورية للدول الخليجية المعنية التي لا يفيدها أن تكون راعية لهذا الانزلاق.

 

أما تلك «الأسرة الدولية»- الانعزالي منها والفائق الحماس-، فعليها أن تستيقظ وتكفّ عن الاختباء وراء الإصبع؛ لأن وصول الحرب السورية إلى لبنان يهدد بحروب إقليمية لن تتمكن حروب الاستنزاف بالنيابة من احتوائها.

 

نقلاً عن الحياة اللندنية

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان