رئيس التحرير: عادل صبري 06:43 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

«الحصري».. من «شبرا النملة» إلى «الكونجرس» كواليس في حياة شيخ القراء

«الحصري».. من «شبرا النملة» إلى «الكونجرس» كواليس في حياة شيخ القراء

ميديا

الشيخ محمود الحصري

في ذكرى وفاته

«الحصري».. من «شبرا النملة» إلى «الكونجرس» كواليس في حياة شيخ القراء

أحلام حسنين 24 نوفمبر 2019 10:00

"رحيله خلف فراغا كبيرا لا يمكن للقراء الحاليين أن يملأوه" هكذا وصف الكاتب الصحفي محمود السعدني رحيل الشيخ محمود خليل الحصري، الذي تحل ذكرى وفاته، اليوم، صاحب الصوت العذب والترتيل الذي يأخذك إلى الخشوع والتدبر.

 

عاش الحصري 63 عاما قضى منها أكثر من 50 عاما مع القرآن الكريم، حتى وفاته عشية يوم 24 نوفمبر عام 1980، بعدما أدى صلاة العشاء، وقد كانت آخر أقواله "الإيمان إذا دخل قلبا، خرج منه كل ما يزيغ العقل".

 

لم يكن الشيخ الحصري مجرد قاريء للقرآن الكريم، ولكنه كان صاحب مدرسة فريدة في التلاوة، فهو أحد أشهر القراء في العالم الإسلامي، وأول من سجل المصحف المرتل للإذاعة، وأول من سجل القرآن الكريم في العالم بـ 4 روايات، وأول من نادى بإنشاء نقابة للقراء، وهو أيضا صاحب فكرة المصحف المعلم.  

 

حفظ القرآن في سن الثمانية

 

وُلِد الشيخ الحصري في 17 سبتمبر عام 1917، في قرية شبرا النملة بمركز طنطا بمحافظة الغربية، وتلقى تعليمه في كتاب الشيخ الكنيسي بالقرية، فالكتاب في ذلك العصر كان الوسيلة المثلى لتعليم النشء، وقد أتم حفظ القرآن الكريم في سن الثامنة، كما روت ابنته ياسمين الخيام في إحدى الحوارات الصحفية.

وبعد الكتاب انتقل الحصري إلى أحد أعمدة مسجد السيد البدوي، ليزداد من العلم القرآني على يد أحد المشايخ الكبار، وتعلم فنون القرآن، حتى بلغ الثانية عشر من عمره التحق بالمعهد الأحمدي بطنطا التابع للأزهر الشريف، وفيه تلقى علوم القراءات العشر، وتفرغ لدراسة علوم القرآن، حتى حصل على شهادة علوم القراءات العشر من الأزهر عام 1985.

 

إحياء الليالي والمناسبات

 

بدأت شهرة الحصري منذ صغره، إذ اشتهر بين قريته شبرا النملة بصوته العذب الجميل، وذاع صيته أكثر فأكثر بعدما التحق بالأزهر الشريف في طنطا، من خلال قراءته البسيطة داخل المسجد، التي سمحى له بها القائمون على المكان، بعدما استحسنوا صوته ووجدوا فيه الرصانة والجمال حتى سار قارئا معروفا في طنطا، ومطلوبا لإحياء الليالي والمناسبات، وهو لايزال في بداية الشباب.

 

الالتحاق بالإذاعة

 

وفي عام 1944 التحق الحصري بالإذاعة المصرية بعدما نجح في اختباراتها وكان ترتيبه الأول على جميع المتقدمين من أقرانه، وقد أتاحت الإذاعة الفرصة أن يدخل ذلك الصوت العذب والترتيل الجميل كل البيوت، ومن هنا بدأت شهرة الحصري تتخطى حدود محافظة الغربية، لتصل إلى معظم الدول العربية وغيرها من المناطق الإسلامية.

 

تدرج المناصب

 

انتقل الحصري من الإشراف الفني على مقاريء محافظة الغربية إلى مسجد الحسين بالقاهرة عام 1955، وفي عام 1959 عُين مراجعا ومصححا للمصاحف بقرار من مشيخة الأزهر الشريف، ثم عُين نائبا لها في عام 1962، ثم رئيسا للمشيخة.

 

ومن المناصب التي شغلها الشيخ الحصري أيضا تعيين شيخ عموم المقاريء المصرية وذلك وفقا  لقرار جمهوري، وعُين مستشارا فنيا لشؤون القرآن الكريم بوزارة الأوقاف، وتم اختياره رئيسا لقراء العالم الإسلامي بمؤتمر اقرأ بكراتشي بباكستان، وخبيرا بمجمع البحوث الإسلامية لشؤون القرآن الكريم، كما حصل على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عيد العلم.

 

أول من سجل القرآن

 

كان الشيخ الحصري أول من سجل القرآن الكريم كاملًا برواية حفص عن عاصم عام 1961، وأيضًا برواية ورش عن نافع، وقالون والدوري، كما سجل المصحف المعلم، ومصحف الوعظ، فضلا عن تشييده مسجدا ومكتبا لتحفيظ القرآن الكريم بالقاهرة.

 

وقد روى أحد أبناء الحصري عن والده، إنه كان يعطي قرشا صاغ لكل من حفظ سطرا، وإذا أراد زيادة يسأل ماذا تحفظ من القرآن، فإن حفظ أعطاه، وهكذا حفظ كل أبنائه ذكورا وإناثا القرآن الكريم كاملا.

 

والحصري هو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم، ترعى مصالحهم وتضمن لهم سبل العيش الكريم، ونادى بضرورة إنشاء مكاتب لتحفيظ القرآن في جميع المدن والقرى.

 

حمل سياراته

 

بلغ تعلق الناس بالحصري إلى حد أنه في إحدى زياراته إلى ماليزيا، حملت الجماهير السيارة التي كان يستقلها الشيخ على أعناقهم بعدما علموا أنه بداخلها، تلك الواقعة الشهيرة التي تكشف عما وصل إليه الحصري من حبا وعشقا في قلوب مستمعيه.

 

القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي

 

سافر الحصري إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عدة مرات، ففي عام م 1970 سافر الحصري إلى الولايات المتحدة الأمريكية موفدًا من وزارة الأوقاف للمسلمين هناك.

 

وفي ديسمبر عام 1977 رافق الحصري السادات في زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، وقرأ القرآن الكريم في الكونجرس الأمريكي، وهكذا كان أول من يقرأ القرآن داخل الكونجرس، وبعده ألقى الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر حينها خطبة حول خطر الشيوعية.

 

وفي نفس العام، كان الحصري أول من قرأ القرآن الكريم في الأمم المتحدة في أُثناء زيارته لها، بناء على طلب الوفود العربية والإسلامية التي شاركت في تلك الجلسة.

 

 

إسلام 18 أمريكي بعد سماعه

 

وفي إحدى زيارات الحصري للولايات المتحدة الأمريكية في عام 1973 أسلم ثمانية عشر رجلا وأمرة أمريكيين على يديه، بعد سماعهم تلاوته للقرآن الكريم.

 

 

أول ترتيل للقرآن في لندن

 

وكان الحصري أيضا أول من رتل القرآن الكريم في القاعة الملكية وقاعة هايوارت المطلة على نهر التايمز في لندن، عام 1978، ودعاه مجلس الشؤون الإسلامية إلى المدينتين البريطانيتين ليفر بول وشيفلد ليرتل أمام الجاليات العربية والإسلامية في كل منهما.

 

كذلك كان الحصري أول من ابُتعث لزيارة المسلمين في الهند وباكستان وقراءة القرآن الكريم، في المؤتمر الإسلامي الأول بالهند.

 

مشاهد من حياته الخاصة

 

روت ياسمين الخيام ابنة الشيخ محمود خليل الحصري، بعض من المشاهد الخاصة في حياة والدها، في إحدى اللقاءات التلفزيوينة، تقول عنه إنه كان يجاهد لتكون كل ثانية في حياته مثمرة، وكان يصلي الفجر جماعة بأبنائه، ويجلس معهم قبل صلاة الفجر بعد وضوءهم ويحدثهم عن الشوق للقاء الله والتعلق بالاتصال به خلال الصلاة، ويخبرهم أنهم سيقفون أمام الله ويكلمونه حتى يهيأهم للصلاة.

 

وقالت الخيام إن أبيها اعتاد أن يهدي كل ضيف يزور بيتهم كتاب الله، بهدف نشر تعاليم القرآن، لافتة إلى أنه بنى مسجدين ومعهدا أزهريا وترك ثلث ثروته للأعمال الخيرية.

تتذكر الخيام كيف كان والدها يبر جدتها، إذ كان يقوم بعمل جميع الأشياء لوالدته من تنظيف المنزل والغسيل والمساعدة في إعداد الطعام، وتسريح شعرها وشراء ما يسعدها، فضلا عن أنه كان حنونا على أشقائه ويهتم بأمورهم.

 

وتضيف :"حتى بعد أن أصبح قارئا معروفا وأكرمه الله بالمال كان حريصا على أن يسكنوا معه فى كل مكان يشتريه وينتقل إليه، فقد اشترى منزلا فى طنطا وسكنوا، وكانوا جميعا فى نفس المنزل الذى اشتراه بالعجوزة ثم بالمهندسين، واعتبر نفسه مسؤولا عن والدته وأشقائه مسؤولية كاملة من ناحية المصاريف والإقامة والمعيشة".

 

كواليس زواجه

 

وعن زواج الحصري، روت ابنته أن أبيها تزوج من ابنة الشيخ محمد الشربينى، الذي كان أحد وجهاء طنطا المعروفين فى ذاك الوقت، وكانت قد اختارتها له والدته بالاتفاق معه.

وتقول الخيام :"لقد أكرم الله أبي بهذه الزوجة الصالحة التى كانت مثالًا للأخلاق والاحترام، فقد اشتهر عن أمى أنها كانت ذكية جدا وصاحبة دم خفيف وقادرة على توفير الأجواء المناسبة لزوجها وأولادها مما جعلهم جميعا ناجحين فى حياتهم العملية، وقد أكرمهما الله بسبعة أبناء: أربعة أولاد ذكورًا وثلاثة إناث «على ومحمد والسيد وحسين وإفراج وشوقية وإيمان".

 

سبب تسميته بـ"الحصري"

 

أما عن سبب تسمية العائلة بـ"الحصري"، فقد روت ابنته في إحدى اللقاءات التلفزيونية، إن جدها كان محبا للقرآن وحاملا له، ومن حبه وتعلقه بالمساجد كانت أي زاوية في أي مسجد يفرشها بالحصير الذي كان يعمل به، ولهذا أُطلق عليه "الحصري".

 

 

وروت أن والدها رأى في إحدى رؤياه، أن سلسلة ظهره عبارة عن عنقود عنب، والجميع يأكل منها، ولا توجد أي حبة تنقص منه، واستطردت: "وده دليل على الخير الكبير اللي كان بيعمله والدي وجدي".

 

ثلث ثروته لأعمال الخير

 

كان الحصري حريصا في آخر أيامة على تشييد مسجد ومعهد ديني ومدرسة لتحفيظ القرأن بمسقط رأسه في قرية شبرا النملة، فضلا عما بناه في القاهرة.

 

كما أنه أوصى بأن تذهب ثلث ثروته وأمواله لخدمة القرآن الكريم وحفاظه، والإنفاق في كافة أعمال البر، كما قالت ابنته في إحدى اللقاءات التلفزيونية.

 

 

وفى عام ١٩٨٠م بدأت رحلة الحصري مع المرض، إذ كان مريضا بالقلب ونقله الأطباء لمعهد القلب فلما تحسنت صحته عاد إلى البيت، حتى جاء مساء ليلة ٢٤ نوفمبر١٩٨٠ صعدت روحه إلى بارئها بعدما أدى صلاة العشاء مباشرة.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان