حصد الناقد والكاتب المصري، أحمد كريم بلال، عن مخطوطة كتابه الأخير: "سقوط أوراق التوت- المحظورات في الكتابة الروائيّة – دراسة نقدية تطبيقية"، على جائزة كتارا فرع النقد الروائي في دورتها الخامسة.
حاورت "مصر العربية" الصعيدي الدَرْعَمِيّ، صاحب كتاب "جدلية الرمز والواقع"، و"أصداء السيرة والفجوة الدلالية"، و"النزعة الدرامية في الشعر العربي المعاصر"، للحديث عن الجائزة التي فاز بها، وعن عمله الفائز، وتقييمه لحركة النقد في الوقت الحالي، وعن مشاريعه الأدبية القادمة.
وإلى نص الحوار...
انطلاقا من مباركتنا بفوزك بجائزة كتارا فئة النقد الأدبي.. ما هو رد فعلك على هذا الفوز وهل كنت تتوقعه؟ ولمن تهدي هذا الفوز؟
سعيد كأي إنسان في الدنيا يبذل مجهودًا كبيرًا جدًا لابد أن يكون سعيدًا لأنه يجني ثمار تعبه، ويفوز بجائزة تقدر عمله، الحقيقة أنا كنت أتوقع هذا الفوز إلى أن فوجئت بأن عدد المشاركات 77 كتابًا نقديًا، وأوجست في نفسي خيفة وتساءلت أين يذهب كتابي بين هذه الكتب، ولكن كنت واثق أنني أجدت العمل وبذلت مجهودًا لا بأس به، وأنني ما قصرت في شيء، وقلت إذا لم يفز كتابي فأنا بذلت ما في وسعي وباقي الأمر بيد الله سبحانه وتعالى، ولكني لم أتفاجأ وهذا ليس غرورًا؛ ولكن لأنني أزعم أنني عملت عملًا جيدًا، وقدمت رؤى جديدة، وبذلت مجهودًا جيدًا.
وأهدي هذا الفوز إلى والدي رحمة الله عليه، لأنه هو أول من علمني محبة اللغة العربية، وهو أول من متعني بآدابها صغيرًا، وقد توفاه الله في سن كنت صغيرًا، وكنت آمل أن يكون والدي على قيد الحياة في هذا اليوم كي يشهد هذا الفوز.
وإلى أي مدى تمثل لك الجوائز الأدبية أهمية؟
الجوائز الأدبية لها قيمتها المعنوية الكبيرة فمهما كان الحافز المادي كبيرًا، ولكن القيمة المعنوية أكبر جدًا، وتسعد الأديب والكاتب والناقد لأنه يشعر أن عمله يُقدر ويلاقي صدى طيبًا عند الناس.
أهمية الجائزة في حد ذاتها أنها تكون حافزًا للعمل، وحافزًا لتجويد العمل، فأنا مثلا أحب الكتابة، ولكن حينما أكون سأتقدم لجائزة، أكون حريصًا على الفوز بها، وبالتالي أكون حريصًا على تجويد ما أكتب، وأكون حريًا على الإنجاز في إطار زمني سريع، ولكن حينما أكتب كتابا ليس مرتبطا بجائزة، فلا بأس أن أتوقف أسبوعًا، أو أنشغل بغيره ثم أعود إليه وهكذا.
والجوائز الأدبية هي حافز طبعًا بدون شك للإبداع وللتجويد، ولمواصلة العمل، وقيمة الجائزة لأنها تدفعك إلى تجويد نفسك باستمرار، والحرص على تقديم أعمال أجود في المرة القادمة، وأن تتجاوز نفسك مرة بعد مرة؛ لأن حصولك على جائزة بهذا المستوى يجعلك حريصًا على أن لا تقدم عملًا أقل في المرة القادمة.
ما هو موضوع دراستك الفائزة "سقوط أوراق التوت- المحظورات في الكتابة الروائيّة – دراسة نقدية تطبيقية"؟
الكتاب يتناول تعبير الرواية عن المحرمات والمحظورات والتي تتنوع ما بين الجنس والتمرد على الدين والسياسة، وما يتعلق بها من دوافع نفسية واجتماعية، والرؤى الفنية وتقنيات التعبير عنها.
وكانت من بين مخاوفي الكبيرة أثناء العمل في هذا الكتاب كون الاتساع في دراسة هذا الموضوع يجعل الدارس يعالج أعمالًا فيها الكثير من الجرأة والتجاوز؛ ولا بد من الحرص في هذه الدراسة على الموضوعيّة العلمية التامة التي يُخشى مع وجودها اتِّهام الناقد بالتعاطف مع هذه القضايا المتجاوزة غير المـُتحفِّظة، ولذا كانت الكتابة في هذا الموضوع – على وجه التحديد – تستوجب الدقة البالغة التي يتبين من خلالها للقارئ أنَّ دراسة بعض النماذج المتجاوزة لا يعني – بحال من الأحوال – قبول الناقد لما تطرحه من قضايا، كما أن ذلك لا يعني انقياد الناقد – بالتبعية – إلى التعبير عن الإسفاف المبالغ فيه في بعضٍ منها بإسفاف مماثل.
ما هو تصورك للمارسة النقدية.. وكيف تمارس النقد؟
أتصور أن النقد وسيط بين القارئ وبين المبدع، وأن مهمة النقد فتح شهية القارئ لقراءة الأعمال بالكشف عن الحيل الفنية والتكنيك والتقنيات التي يتبعها الأديب برصد الظواهر الجديدة وتأويلها وبيان كيفية القراءة وإظهار ملامحها العامة، ولكن الفكرة الأساسية من النقد أن ينطلق من النص، وليس بوضع منهج خارجي، فعندما نضع الأطر قبل الممارسة النقدية، فكأننا نضع العربة أمام الحصان، المفروض أننا نقرأ النصوص الأدبية، وهذا يرتبط بكيفية ممارستي للنقد، أنا دائمًا أبدأ من النص، وأنتهي إلى النص، أبدأ قبل قراءة المراجع، ووضع تصور الخطة التي أكتب عليها، دائما أبدأ بقراءة معمقة للنصوص الأدبية، وهذه القراءة هي التي تفرض المنهج والطريقة، ثم تكون المرحلة الثانية هي مرحلة التصنيف والتحليل وتقديم الرؤى، والكشف عن الحيل الفنية الموجودة في العمل.
كيف ترى العلاقة بين الناقد والمتلقي ؟
الناقد وسيط كما قلت، لكن أنا لاحظت أن النقد في هذه الآونة الأخيرة، يسلك مسالك متعرجة وملتوية، ويجعل المتلقي بعيدًا تمامًا عن النص الأدبي بسبب اللغة الغريبة التي يمارسها الناقدون أنفسهم، أو سوء العرض، أو تعقيد الأمور، أنا منهجي في الكتابة النقدية هو منهج البساطة المطلقة، حريص على أن أكون وسطًا بين النقد الأكاديمي المنغلق وبين النقد الصحفي الذي يبسط الأمور أكثر مما ينبغي، يجب أن يكون المرء في كتابته النقدية حريصًا على الوصول للقارئ، وحريصًا على إفهامه، وحريصًا على تشويقه لقراءة العمل الأدبي، وبناء الجسور بين المبدع وبين المتلقي.
يرى الكثير أن الإبداع الأدبي تفوق كثيرا على النقد.. ما هو تقييمك لمسألة النقد الأدبي في العالم العربي اليوم؟
مع الأسف الشديد النقد غير قادر على ملاحقة ومتابعة الأعمال الأدبية، لا يوجد مجال للمقارنة بين الإبداع الأدبي وبين النقد، لأن النقد جنس كتابة، والإبداع الأدبي جنس كتابة أخر،ى التصور الذي أؤمن به، أن النقد لا يستطيع ملاحقة الأعمال الأدبية التي تظهر بكثافة شديدة جدًا، يعني لو قارنا عدد الناقديين بعدد المبدعين، سنجد عدد المبدعين يفوق بأضعاف أضعاف عدد الناقدين، وفي نفس الوقت الكتابة عن الرواية صعبة جدًا؛ لأني أنا كناقد كي أكتب كتابا مثل الذي كتبته هذا استغرق الأمر مني فوق 6 أشهر، كان منهم حوالي 4 شهور لمجرد قراءة الأعمال، فإذا كان العالم العربي ينتج ألف رواية كل عام، فمتى نلاحق كل هذه الروايات، الأعمال الأدبية كثيرة جدًا، وسريعة التجدد والتغير، ومعايرها الفنية وأشكالها وأنماطها تختلف من عام لعام، ومن أديب لأديب، ولذلك فالنقد عاجز عن مواكبة التطور الرهيب في الأعمال الأدبية.
الجانب الآخر هو لماذا يعتبر النقد فنا أدبيا غير مقروء بدرجة الأدب، وهذا لأن الأدب ممتع، ولكن النقد بطبيعة ليس ممتعًا، به روح علمية وبعض الجفاء، وبعض الناقدين يكتب بطريقة بها جفاف شديد جدًا، فأنا ألخص المشكلة في لغة النقد الصعبة، وفي كثرة الأعمال الأدبية، وعدم قدرة الناقدين على ملاحقتها.
بماذا تفسر ذهاب بعض النقاد والفلاسفة والشعراء العرب إلى حقل الرواية؟
الرواية مقروءة أكثر من الشعر؛ أولًا الشعر الآن بين اتجاهين، بين اتجاه تقليدي غير محبب ولا رائج عند القراء، وبين اتجاه تغريبي وبالتالي لغة صعبة ومجاز كثيف، بالمعنى الأصح، الشعر أكثر تعاليًا الآن على القارئ من الرواية، أما الرواية فالقارئ يجد فيها نفسه وحياته ومجتمعه وذاته، ويستطيع من خلالها أن يعيش حياوات لا يستطيع أن يعيشها في الواقع، وبالتالي فالرواية هي الأكثر إمتاعًا، وهي الأكثر تعبيرًا عن الواقع، وبالتالي هي الأكثر قراءة والأكثر حفاوة، ولذلك شاعت مقولة: الرواية هي ديوان العرب المعاصرين.
ما هو طموحك بعد الفوز بتلك الجائزة؟
صدر لي حتى الآن 7 كتب، وكتابين قيد النشر منهما الكتاب الأخير الذي تحدثنا عنه، كلما ظهر لي كتاب جديد شعرت أنه ابن جديد يضاف إلى إنتاجي، وكنت في غاية السعادة، طموحي أن استمر في الكتابة.
ما هي مشاريعك الأدبية القادمة؟
أنا بعيد حتى الآن عن أدب الأطفال، أفكر في تقديم عمل نقدي يتعلق بأدب الأطفال، وأفكر أيضًا في كتابة كتاب عن الرواية، لأن أثناء عملي في هذا الكتاب، تكشفت لي بعض الظواهر التي لم تلاقي اهتمامًا كبيرًا من النقاد فأنا الآن أعمل على كتابين جديدين سوف يظهران في العام القادم إن شاء الله.