رئيس التحرير: عادل صبري 06:56 مساءً | الخميس 18 أبريل 2024 م | 09 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

بعد تصريحات السيسي.. ما حدود «الغضب» المصري تجاه سد النهضة؟

بعد تصريحات السيسي.. ما حدود «الغضب» المصري تجاه سد النهضة؟

صحافة أجنبية

سد النهضة

بعد تصريحات السيسي.. ما حدود «الغضب» المصري تجاه سد النهضة؟

محمد عمر 26 سبتمبر 2019 22:00

"لن يتم تشغيل سد النهضة بفرض سياسة الأمر الواقع".. هكذا أراد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن يرسل رسالة مبطنة لإثيوبيا، مفادها أن بلاده لن تسمح بحرمانها من مياه نهر النيل، أو أن تقف صامتة أمام هذه الحقوق التاريخية في مياه النهر، ليفتخ التساؤل حول حدود الغضب المصري تجاه السد الذي يضر بحصة مصر من مياه النيل مباشرة. حسب تقرير لموقع المونيتور الأمريكي.

 

فبعد هدوء استمر عامًا وأربعة أشهر منذ زيارة رئيس الوزراء الإثيوبيّ آبي أحمد للقاهرة في يونيو من عام 2018، والتي ردد فيها خلف الرئيس عبد الفتّاح السيسي القسم الشهير "والله والله.. لن نقوم بأيضرر للمياه في مصر"، بدأت القاهرة تحركات ديبلوماسية عدة تكشف عن قلق شديد إزاء مماطلة إثيوبيا في التوصل إلى اتفاق شامل بشأن ملء سدّ النهضة وتشغيله، حيث توقفت كل جولات التفاوض الفنيّة والسياسيّة والأمنية، والتي استمرت 5 سنوات منذ توقيع رؤساء مصر والسودان وإثيوبيا على وثيقة إعلان المبادئ في مارس من عام 2015، والتي بدت حينها كأنّها انفراجة لحلّ الأزمة والتوصّل إلى اتفاق.

 

ورغم تصريحات سابقة حاول الرئيس السيسي خلالها تهدئة تخوفات الرأي العام المصري إزاء تهديدات سد النهضة لأمن مصر المائي بتأكيده أن الأزمة مع إثيوبيا انتهت وأن هناك مسارات عدة للحل، فاجأ السيسي المصريّين بخطورة الأمر قائلاً بلهجة تحذيرية في المؤتمر الوطني الثامن للشباب بـ14 سبتمبر: "سأقول لكم كلاماً في منتهى الخطورة، غلطة وثمن واحد دفعناه وسندفعه.. لم تكن أبداً تبنى سدود على نهر النيل إلا بـ2011"، (في إشارة إلى ثورة 25 يناير).

 

مع بداية سبتمبر، بدأت تحرّكات رسميّة لمصر على المستوى الديبلوماسيّ في خطوة استبقت الجولة الفنيّة الأولى للمفاوضات مع إثيوبيا والسودان، التي انعقدت في القاهرة بـ15 و16 سبتمبر، حيث أحاط وزير الخارجيّة سامح شكري وزراء الخارجيّة العرب خلال اجتماعهم بالقاهرة في 10 سبتمبر بصعوبات تواجه مفاوضات سدّ النهضة، مؤكّداً أنّ مصر لاحظت في الفترة الأخيرة تشدّداً في الموقف الإثيوبيّ وبعض المراوغات وأن الوضع ليس مريحاً.

 

وأكّد الأمين العام لجامعة الدول العربيّة أحمد أبو الغيط خلال مؤتمر صحفي في ختام أعمال الدورة الـ152 لمجلس جامعة الدول العربيّة في 10 سبتمبر، أن "الوزراء العرب أكّدوا أنّ الأمن المائيّ المصريّ جزء لا يتجزّأ من الأمن القوميّ العربيّ، وعبّروا عن التضامن الكامل لحماية الأمن المائيّ المصريّ والسوداني".

 

وفي 12 سبتمبر، دعا نائب وزير الخارجيّة للشؤون الإفريقيّة السفير حمدي لوزا سفراء الدول الأوروبيّة المعتمدين لدى القاهرة لإطلاعهم على المستجدّات الأخيرة للمفاوضات الخاصّة بسدّ النهضة الإثيوبيّ وتأكيد عدم ارتياح مصر لطول أمد المفاوضات، وقال في بيان لوزارة الخارجيّة عقب الاجتماع: "إنّ هناك إصراراً على فرض رؤية أحاديّة من دون الاكتراث لمصالح الآخرين أو الاهتمام بتجنّب الأضرار التي ستقع على دولتيّ المصبّ، بخاصّة مصر التي تعتمد على نهر النيل كشريان الحياة للشعب المصريّ".

 

وقال مسؤول ديبلوماسيّ مطّلع على ملف المفاوضات حول سدّ النهضة، فضّل عدم ذكر اسمه لحساسيّة الملف، في حديث هاتفيّ مع "المونيتور": "إنّ استمرار تعثّر المفاوضات وفشل الالتزام أو تنفيذ أيّ من بنود الاتفاقات التي انتهت إليها الاجتماعات السابقة على المستوى السياسيّ والفنيّ والأمنيّ، أصبح منبعاً للقلق البالغ".

 

أضاف: "نعلم أنّ الأمر ليس سهلاً، لكنّ المفاوضين المصريّين قدّموا حلولاً عدّة ورؤى وسطيّة لتحقيق المصلحة للجميع وملء خزّان السدّ، بما لا يضرّ مصر ويحقّق الاستفادة لإثيوبيا".

 

وتابع: "هناك مطالب عدّة تخطّتها مصر لعدم تعطّل مسار المفاوضات، مثل إشراف البنك الدوليّ، الذي رفضته إثيوبيا. كما تعاملت القاهرة في كلّ الرؤى والحلول المقدّمة بمبدأ حسن النيّة والثقة، لكنّ استمرار الرفض الإثيوبيّ من دون تقديم بديل واقعيّ يقلّل خطورة الأضرار الناجمة عن ملء السدّ وتشغيله، يصعّب مهامّ المفاوضين ويعدّ استهلاكاً لمزيد من الوقت".

 

وفي ردّه على إحدى الأسئلة المتعلّقة بسدّ النهضة الإثيوبيّ، ذكر السيسي في جلسة "اسأل الرئيس" المنعقدة على هامش مؤتمر الشباب، ما تعرّض له العراق من نقص إمدادات المياه بعد سقوط الدولة، قائلاً: "العراق في سنة 1990 كانت تصله 100 مليار متر مياه، ولكن الآن 30 مليار متر فقط.

 

أما سامح شكري فلخّص موقف مصر في التعامل مع أزمة السدّ بعدم الرضوخ لسياسة الأمر الواقع التي تتعامل بها إثيوبيا منذ بداية الإنشاءات في موقع سدّ النهضة خلال عام 2011، قائلاً في تصريحات خلال مؤتمر صحافيّ مشترك مع نظيرته الكينيّة مونيكا جوما، بـ15 سبتمبر: "لا مجال لفرض إرادة طرف على آخر بخلق واقع ماديّ لا يتمّ التعامل معه في إطار التشاور والتفاهم".

 

وقال المصدر: "مصر ستطرق كلّ الأبواب والطرق الديبلوماسيّة الدوليّة والإقليميّة لتوجيه الطرف الإثيوبيّ لإيجاد اتفاق جادّ وشامل بشأن ملء السدّ وتشغيله وإدارته، بما يضمن مصلحة الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا)، وبشكل يجعل أضرار السدّ يمكن تحمّلها".

 

وعن النتائج الأوليّة للتحرّكات المصريّة، قال المصدر: "إنّ هناك تفهّماً ودعماً قويّاً على المستويين العربيّ والأوروبيّ للشواغل المصريّة بشأن تعثّر المفاوضات، وستكون هناك تحرّكات في محافل دوليّة أخرى منها اجتماعات الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة".

 

كان وزير الموارد المائيّة محمّد عبد العاطي قدّم خلال زيارته لإثيوبيا، في 2 أغسطس، رؤية فنيّة بشأن تخزين المياه في بحيرة سدّ النهضة وآليّات التنسيق خلال مرحلة تشغيل السدّ، تمهيداً لمناقشتها في اجتماع سداسيّ يحضره وزراء المياه والخارجيّة من الدول الثلاث، إلاّ أنّه رغم الزخم الديبلوماسيّ الذي دشّنته مصر قبيل جولة المفاوضات الفنيّة التي انعقدت في القاهرة بـ15 و16 سبتمبر، لم تستجب إثيوبيا لأيّ من الضغوط الديبلوماسيّة لتمرير أو حتّى مناقشة الرؤية المصريّة، حيث أعلن وزير المياه والطاقة الإثيوبّي سيلاشي بيكيلي، في 18 سبتمبر، رفض بلاده المقترح المصري.

 

وكانت مصر اقترحت مصر في جولة المفاوضات الفنية الأخيرة ملء خزان السد خلال سبع سنوات وتأمين 40 مليار متر مكعب من مياه النيل سنويًا إلى دول المصب.

 

ونقل الموقع الإخباري الإثيوبي أديس ستاندرد في 18 سبتمبر وثيقة مسرّبة تشرح موقف أثيوبيا الرافض للمقترح المصري.

 

وبجسب الوثيقة أشار الموقع أن أثيوبيا ترى أن المقترح المصري يعني إطالة أمد التخزين في السدّ لأجل غير مسمّى، وتعتبر أنّ خزّان سدّ النهضة بمثابة خزّان احتياطيّ ثان لتعويض عجز المياه في مصر بعد السدّ العالي. كما أنّ المقترح هو انتهاك للسيادة الإثيوبيّة، حيث ستخسر إثيوبيا حقوقها في الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل الأزرق إذا ما تمّ تمرير الرؤية المصرية.

 

وبينما رفض الوفد الإثيوبيّ خلال اجتماعات القاهرة مناقشة الرؤية المصريّة، قالت وزارة الموارد المائيّة والريّ في بيان صحافيّ بـ16 سبتمبر: "سيجتمع وزراء المياه في الدول الثلاث مرّة أخرى بـ4 و5 أكتوبر لإقرار مواضع الإتفاق على قواعد الملء والتشغيل في السد".

 

وأملت في "أن ينخرط الجانب الإثيوبيّ في مفاوضات جادّة على أساس حسن النيّة".

وتبقي القاهرة على التحرّكات الديبلوماسيّة على الصعيدي الإقليمي والدولي بشكل مواز مع جولات التفاوض الفنيّة، بما قد يشكّل نوعاً من الضغط على الجانب الإثيوبيّ للتوصّل بشكل جادّ إلى اتفاق يحقّق مصلحة الأطراف الثلاثة في استخدام عادل ومنصف للموارد المائيّة في النيل الأزرق.

النص الأصلي

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان