رئيس التحرير: عادل صبري 02:25 صباحاً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الإخوان والسيسي.. جذور الخطيئة (1)

الإخوان والسيسي.. جذور الخطيئة (1)
27 نوفمبر 2016

الإخوان والسيسي.. جذور الخطيئة (1)

جمال الجمل

الإخوان والسيسي.. جذور الخطيئة (1)

(1)

يعرف الجنرالات وخبراء الاستراتيجية، أن لكل حرب نهاية هي "مائدة المفاوضات"، لذلك فإنهم مع أول دانة مدفع يستعدون للكلام الذي تحركت من أجله الجيوش، لكن بعض الحروب التي تخضع لانفعالات الجنود وللمشاعر الشعبية، تخرج عن خطط الاستراتيجين، فتتحول الحرب النظامية إلى "مناوشات" متقطعة، كما تتعطل لغة الكلام وتتحول إلى "تأتأة"، والأخطر من هذا وذاك أن الهدف الأساسي من الصراع يتوه وسط غرائز الانتقام الفردي، وتكاثر الأهداف الثانوية التي ينتجها واقع المناوشات اللانهائي، كأنها لعبة "بنج بونج" أزلية.

 

هل تستطيع أي قيادة إخوانية إنجاز المصالحة في ظل بقاء السيسي رئيساً، دون أن يؤدي ذلك إلى تفسخ الجماعة وانشقاق أعداد كبيرة من شبابها؟

 

(2)

يمكن تطبيق هذه الرؤية الاستراتيجية على حالة الصراع التي نشأت بين الإخوان كجماعة تنظيمية، وبين المؤسسات التقليدية في الدولة وعلى رأسها الجيش والأجهزة الأمنية، ففي مستهل الصراع، استند تنظيم الإخوان على معادلات معقدة في الداخل والخارج، هيأت له أن بإمكانه اقتناص السلطة بشروطه وقدراته الخاصة، دون حاجة إلى شركاء الثورة من ناحية، ودون حاجة إلى مواءمات وتوافقات تكتفي باقتسام السلطة مع الدولة العميقة من ناحية ثانية، لكن نزوع كل طرف إلى الهيمنة، أدى إلى وضوح "نية الإزاحة" عند الطرفين، فتحول الصراع بينهما إلى "صراع حدي"، وبعد مناورات محسوبة للتهدئة والامتصاص، تبين أن الدولة العميقة كانت تخطط بذكاء أكبر، وتملي شروطها بهدوء أكثر، وتعيد تنظيم صفوفها بتماسك أقوى، واستثمرت الوقت لرأب الصدع في صفوفها بعد ما حدث في 25 يناير، وبعد استسلام عدد من أقطابها سريعا لغواية الانضمام لجماعة الإخوان باعتبارها "السلطة الجديدة".

 

(3)

كان الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المنتخب حينذاك محمد مرسي، ذروة التعبير عن شكل الصراع الذي دار بوتيرة سريعة، وشاركت فيه كل الأطراف، بعضها بحسن نية، وبعضها بتخطيط تآمري مسبق، وانتهى الحال كما نعرف بإطاحة الجيش للرئيس الإخواني المنتخب، تحت غطاء الاستجابة لغضب شعبي عارم، وثورة اكتفت آلة القوة بشكلها الظاهري، ومشاهد الحشود الكبيرة في الشوارع لتبرر للخارج قبل الداخل، أن الإرادة الشعبية هي الحاكمة، وهي التي أسقطت الرئيس المنتخب بعد انقلابه على الدستور، وانحرافه عن مسار الثورة الديموقراطية الشعبية في يناير.

 

(4)

في لحظة اختلال المعادلة، وإطاحة الإخوان من الحكم بآلة قوة استندت إلى حراك واضح في الشارع، لم يستوعب قادة الجماعة المتغيرات التي حدثت، ولم يقرأوا الوضع جيداً، وبدلا من التفكير بالسياسة، مالوا إلى التفكير بالمواجهة والصدام، ولما كان الشارع في حالة سخونة تزيد من الحسابات الحادة، فقد اخذ الصراع مظهر الصدام الثنائي بين "جماعة خارجة" تهدد باستخدام العنف، وبين مؤسسة أمنية لها تاريخها تعد بتوفير الأمن للشعب ضد "الإرهاب المحتمل"، وبالتالي كانت مسيرة "التفويض" انعكاسا طبيعيا لانقسام الشارع بين فريق يتجه إلى العنف بكل ما تحمله هذه التهديدات من غموض، وبين فريق يتعهد بالتضحية بروحه دفاعا عن أمن الناس، وبالطبع لعب الإعلام المخطط دوراً كبيرا في تعميق هذه القسمة، وساعد الإخوان أنفسهم وأنصارهم في ذلك بابتعادهم عن لغة السياسة والحوار، وتصلبهم في شروط ومطالب، كانت اللحظة العاصفة قد تجاوزتها وجرفتها بعيدا عن ساحة العمل السياسي، ولم يبق أمامهم إلا صراع (يا قاتل.. يا مقتول!) الذي أضر بصورتهم وبمشروعهم السياسي أكثر مما أضر بالسيسي وبمنظومة الدولة العتيقة التي كانت حريصة ان ترد الصفعة للإخوان، في مباراة ثأرية ذات دلالات كثيرة، ردا على المقلب الذي تجرعت تلك الدولة مرارته في أيام يناير العظيمة.

 

(5)

كانت تحركات التنظيم في أعقاب 3 يوليو، تركز على تشديد الضغط على النظام، ومحاولة إحراجه دولياً، وبالتالي كان لابد من نزع مسمى الثورة عن حراك الشارع المناهض للإخوان في يونيو 2013، مما وضع الجماعة في موقف تعارض مع قطاعات واسعة من الجماهير، لكن رهان الطرفين ظل على الخارج، مع ميزة إعلامية للدولة العميقة أتاحت لها التلاعب بمشاعر الجماهير المتعطشة لتحقيق أهداف الثورة، وفي المقابل انكفأ الإخوان أكثر على أنفسهم، ومنحوا إعلام الموالاة فرصة كبيرة لإظهارهم كجماعات مسلحة تهدد بالترويع والعنف والإرهاب.. ليس في سيناء وحدها، لكن وسط المدن والقرى، حيث بدأت عمليات بدائية غاضبة وخاطئة لضرب أبراج الكهرباء واقسام الشرطة ومرافق الحياة، وتعكير حياة الناس بلا هدف استراتيجي إلا الكيد للنظام، والضغط عليه لإعادة الشرعية للرئيس المنتخب، وهو الهدف الذي ظل يخفت مع الوقت، حتى انتهى واقعياً (حتى في حديث كثير من قادة الجماعة، لكن المشكلة أن هناك من لايزال يتمسك به داخل الجماعة خاصة من القواعد الجذرية، وهذا يعني أن التنظيم المعروف بتجانسه وتماسكه قد تعرض خلال هذه الفترة لتباينات شديدة في الموقف من النظام، وتباعدت المسافة بين لغة ومواقف الكوادر والقواعد الإخوانية التي دفعت ثمنا غاليا من دمائها وأحلامها على الأرض، وبين لغة "الصفقات" المحسوبة، التي يمكن لقيادات التنظيم عقدها مع السلطة القابضة حسب موازين القوى التي أعلنت عن نفسها، وحسب المتغيرات الإقليمية والدولية التي انقلبت رأسا على عقب، حيث اكتسب نظام السيسي شرعيته بحكم المصالح وعلاقات الأمر الواقع، وبالتالي تعثر الهدف المباشر من دعاية "انقلاب" بدلا من ثورة، كما تعثرت خطة التحريض والتحريك والإحراج الدولي لنظام السيسي باعتباره مغتصبا للسلطة، وكذلك باعتباره مرتكباً لجرائم ضد الإنسانية.

 

بعد 3 سنوات من الصراع العنيف لم تعد الجماعة هي الجماعة، ولم تعد الأهداف المطروحة في اللحظات الأولى هي الأهداف المناسبة للطرح الآن.

 

وكان من الطبيعي أن تؤدي هذه المتغيرات، و"الحسابات الخاطئة" إلى ارتباك في صفوف الجماعة، وإلى تباينات خطيرة بين أنصارها، وكان لابد أن يسفر هذا الارتباك عن اطروحات جديدة، لترميم المشروع السياسي للإخوان الذي تعرض إلى زلزال عنيف في علاقته بالسلطة التي أظهرت أنيابها، وعزمت على الافتراس بوحشية، وكذلك في علاقته بعموم الشعب الموزع بين قطاعات خاضعة لإعلام تحريضي بامتياز ضد الإخوان، وقطاعات استشعرت الغدر بها من الطرفين، واستقر في قناعتها أن الجماعة تلعب لصالح أعضائها ومشروعها وفقط، غير مكترثة بأحلام الجماهير العريضة وأهداف الثورة المدنية العصرية.

 

(6)

بعد 3 سنوات من الصراع العنيف لم تعد الجماعة هي الجماعة، ولم تعد الأهداف المطروحة في اللحظات الأولى هي الأهداف المناسبة للطرح الآن، فقد تغيرت كثير من الأمور والآراء والتقييمات تحت وطأة الارتباكات، وتحت الضغط الذي طال معظم عضوية الجماعة، حيث المطاردات الأمنية، والاعتقالات الموسعة، والأحكام القضائية الرادعة، والتصفية المباشرة أحيانا، بالإضافة إلى الزج بالآلاف في السجون للضغط على العائلات أنفسها، واستهلاك طاقتها بين متابعة المحامين، وزيارات الاطمئنان والإعاشة، والقلق النفسي والحياتي، وقد ظهر الإنهاك واضحا في ضعف قدرة الجماعة على الحشد والتظاهر بصورة مؤثرة، وبالنتائج العكسية جماهيريا بعد كل حادث عنف، ومن هنا ظهرت دعوات للمصالحة.. لكنها لا تزال متلعثمة غائمة مترددة، بلا أفق، ولا يختلف ذلك في الدعوات شبه رسمية من داخل الجماعة، ولا في المبادرات التي يطلقها بين الحين والآخر شخصيات عامة تسعى لإنهاء ذلك الضراع الضار بحاضر ومستقبل مصر.

 

(7)

الأسئلة التي تراودني بعد استعراض الجذور والأخطاء المتبادلة:

 

* هل "المصالحة" ممكنة أم أنها مجرد وهم وبالونات اختبار؟

 

* وهل تستطيع أي قيادة إخوانية إنجاز المصالحة في ظل بقاء السيسي رئيساً، دون أن يؤدي ذلك إلى تفسخ الجماعة وانشقاق أعداد كبيرة من شبابها؟

 

* وماذا يريد الإخوان من المصالحة؟، وماذا تريد الدولة؟

 

* الأهم من ذلك كله: مع من يتصالح الإخوان؟، وما هو تصورهم لمشروعهم السياسي بعد هذه المحنة الطاحنة؟

 

القضية مستمرة، ونواصل حديث المصالحة في مقال لاحق..

 

tamahi@hotmail.com

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية