
صحافة "فأر السبتية" !
وليد بدران
صحافة "فأر السبتية" !
وسط مجموعة من الشباب صحت غاضبا لدى انقطاع الكهرباء في المقهى: " لقد عاد فأر السبتية بقوة هذه المرة".. ففوجئت بردود أفعالهم المندهشة: " إيه فأر السبتية ده؟!"
أسقط في يدي.. وشعرت بأن هوة سحيقة تفصلني عن هذا الجيل.. وكان علي أن أوضح..
"كان يا ما كان في سالف العصر والأوان.. في أربعينيات القرن الماضي.. كان هناك محطة كهرباء في حي السبتية في القاهرة .. وكان التيار يقطع باستمرار.. وبالتحقيق في الأمر تم التوصل إلى أن الفئران تقرض الأسلاك فتقطعها فتصعق.. وتموت.. فأطلق أستاذ الصحافة علي أمين على هذه الظاهرة فأر السبتية.. وانتشرت العبارة انتشار النار في الهشيم".
وجدت علامات الذهول مازالت باقية على وجوه أصدقائي الشباب فسألتهم:" هل تعرفون ميكي ماوس؟".. فردوا جميعا بالإيجاب.
وهنا تذكرت أن مجموع أعمار أعضاء الهيئات الوطنية التي تختار رؤساء مجالس إدارات وتحرير الصحف القومية وقيادات ماسبيرو يتجاوز ألف وخمسمئة عام.. إذن فهي هيئات "فأر السبتية"!!
ومن الطبيعي أن يكون اهتمام هؤلاء، الذين ربما ليس لديهم بريد إلكتروني أصلا، بالديناصورات المنقرضة المعروفة بالصحافة الورقية والذين مازالوا يرونها في عز شبابها بل وربما يفكرون في جعلها ترتدي أثوابا جديدة من خلال إقامة المطابع لها، وذلك فضلا عن تركيزهم على التليفزيون التقليدي فيما يتجه العالم كله صوب تليفزيون الإنترنت.
كما أنه من الطبيعي أيضا ألا يكون للصحافة الرقمية أي مكان في حساباتهم.. خاصة وأن كبير هذه الهيئات جميعها قد تجاوز الثمانين من عمره!!
فبالتأكيد تفصل هؤلاء آلاف السنوات الضوئية عن جيل مفعم بالطاقة والبهجة والنور.. جيل فجر ثورتين وأطاح بنظامين .. جيل " ميكي ماوس".
فإذا أضفنا لذلك اعتبارات الشللية والدعم السياسي والأمني للبعض وهي أمور لا تخفى على أحد، يمكننا تخيل المسافة الشاسعة والمرعبة التي تفصل بين الصحافة الرقمية في العالم والتي تتجه لصحافة الموبايل والصحافة الانغماسية وصحافة البيانات والصحافة الاستقصائية من جانب وصحافة ورق الدشت من جانب آخر.