رئيس التحرير: عادل صبري 12:46 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

سلاطين المماليك وسلاطين العسكر

سلاطين المماليك وسلاطين العسكر
24 سبتمبر 2016

سلاطين المماليك وسلاطين العسكر

صفوان محمد

سلاطين المماليك وسلاطين العسكر

بالقطع هذه ليست مقارنة بين عصرين تشابهت بينهما الأحداث السياسية؛ لأن هناك عوامل كثيرة مختلفة في الزمن، ليس أولاها الاختلاف في الوضع الحضاري والثقافي، الذي أتيحت فيه وسائل العلم والمعرفة، ونتج عنه تطور اجتماعي، وتكوين عقل جمعي توعوي يمتلك من وسائل الحشد ما يؤهله لخلق حالة من التغيير.


ومع ذلك لا أدري ما الذي دفعني للكتابة عن ذلك العصر، ربما لأن عدم مبالاة غالبية الشعب بعشرات الآلاف من المعتقلين، وبكل هذا الظلم والبطش، وتخليهم عن الحرية من أجل الاستقرار، من أجل أن يقتاتوا لقيمات صغيرة تعينهم على العيش، وربما تمنيت أن الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد من زيادة هيستيرية في الأسعار، خصوصًا بعد إقرار ضريبة القيمة المضافة والتي ستزيدهم فقرًا على فقرهم وبؤسًا علي بؤسهم؛ ستدفعهم لا محالة إلى القيام بثورة.. ولكن ظني وليس كل الظن إثم أن الأزمات الاقتصادية الطاحنة ليست بالضرورة قد تنتهي بثورة.

فعصر سلاطين المماليك لا يختلف كثيرًا عن عصر الجنرالات التي تحكمنا الآن على المستوي السياسي؛ حيث كان مجتمعًا يقوم على بناء طبقي حاد؛ فثمة طبقة من الحكام العسكريين لهم الحقوق والامتيازات، ويمتلك أفرادها الأرض الزراعية التي قام عليها اقتصاد البلاد، ولهم فقط حق الحكم والإدارة، دون أن يكون من حق أبنائها المشاركة في مسئوليات الحكم.

حتى رجال الدين من الفقهاء والعلماء لعبوا الدور المنوط بهم في تأييد الحاكم، حيث كانت العلوم الدينية هي الأساس الذي كان التعليم يقوم عليه في ذلك العصر، فقد لعبوا دورًا هامًا في مساندة السلطة الحاكمة، وقد حرصوا بشكل عام علي تأكيد ولائهم للسلطان فقد كان من المعتاد في ذلك العصر كما يقول دكتور قاسم عبده قاسم، أن يصعد كبار القضاة والفقهاء مع بداية كل شهر إلي القلعة لتهنئة السلطان بالشهر الجديد، فقد حرص سلاطين المماليك علي الواجهة الدينية لحكمهم جعلهم يقربون "أهل العمامة" -كما كان يُطلق عليهم- ضمن اهتمامهم بالمظهر الديني عمومًا، حتى أنه إذا كانت هناك بعض الحالات التي عارض فيها بعض الفقهاء أو القضاة أحد السلاطين، فإن ذلك الاعتراض غالبًا ما كان يرجع إلى محاولة النيل من امتيازاتهم.

فقد عاش المصريون بكل فئاتهم يمارسون حياتهم اليومية بمعزل عن الطبقة الحاكمة التي لم يكن يربطهم بها أي شيء سوي الضرائب التي كان يفرضها عليهم السلاطين أو أحداث العنف التي يفرضها المماليك علي حياتهم، وقد يروح بعضهم ضحية بها من آن لآخر.

ولأن الحكام كانوا يهتمون بزيادة الثروات لأنفسهم، ولتأمين احتياجاتهم، كانوا يتسببون في خلق الأزمات الاقتصادية؛ لذلك اشتدت الأزمات وتصاعدت بشكل رهيب أسعار الغلال والخبز، وتمتد حمى الأسعار إلى "كل ما يباع ويشتري من مأكل ومشرب وملبس".

حدثت مجاعات كثيرة ورهيبة في عهد المماليك، كثر فيها الشح، وتوقفت الأحوال واشتد البكاء وعظم الضحيج في الأسواق من شدة الغلاء، ووصل الأمر بالناس إلى أكل القطط والكلاب والحمير والبغال، حتى أن الكلب السمين صار يباع بخمسة دراهم، والقط بثلاثة دراهم علي ما يذكر ابن إياس.

وقد عاصر ابن أيبك الدواداري هذه المجاعة وشاهد بعض أحداثها وسجلها بقوله: "كان يقول الإنسان لبابة لله، ويموت مكانه، كان الناس يلتقطون ما يكون مدفونًا من حبة قمح أو شعير أو فول، ولقد نظرت بعيني في القاهرة ورأيت جماعة كبيرة شبه الوحوش الضارية قد تغيرت عنهم ملامح الإنسانية، وكل جماعة عندهم قدر ينتظرون الميتات التي تلقي إليهم من القلعة أو قصور الأمراء الذين لا تنالهم المجاعة بالأذي".

بيد أن المجاعة سرعان ما كانت تجر الوباء وراءها، ففي أثناء المجاعة مات آلاف من الناس جوعًا، وانتشرت جثثهم في كل مكان؛ فانتشر الوباء وصار الناس يتساقطون صرعي الجوع والمرض في الطرقات والحقول، وعلي صفحة النهر والترع.. وأخذت الكلاب تنهش جثث الضحايا، علي حين يطاردها الأحياء لكي يأكلوها، ولم يجد الموتي من الغرباء من يدفنهم "لاشتغال الأصحاء بموتاهم والسقماء بأمراضهم" وخلت القرى من سكانها لدرجة أن القرية التي كان بها مائة شخص لم ينج منها سوى حوالي العشرين علي ما تذكره مصادر تلك الفترة. وكان تأثير هذه المجاعة رهيبًا بحيث أثرت على مقدرات الدولة بشكل كبير.

لا أرى أية فروق جوهرية بين العصابة التي كانت تحكم مصر آنذاك، وبين العصابة التي تحكمها الآن، غير أن المماليك علي ما ارتكبوه من فظائع وأهوال في حق الشعب المصري لم يكونوا يومًا مصريين، حيث تنحدر أصولهم من المغول أو القوقاز والجراكسة، وللأسف الشديد من يحكم مصر الآن ويقبع في سجونه عشرات الآلاف من بني جنسه، أو يقتل كل من تسول له نفسه المطالبة بالعدالة والتغيير، من دمر اقتصادها وجعلها أضحوكة الدنيا بعد أن كانت حقًا أم الدنيا، يقال أنه مصري الجنسية.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية