
الحرب على الإرهاب.. الأسئلة المحظورة
خالد داود
الحرب على الإرهاب.. الأسئلة المحظورة
لم تكد تمضي ساعة على وقوع الحادث الإرهابي الأخير في رفح والذي أدى لاستشهاد ما يزيد عن عشرين من الضباط والجنود الأبطال، أو لاحقا هجوم البدرشين واعتداء الغردقة على السياح الأبرياء، حتى سارع "الخبراء" المتقاعدون من السادة اللواءات والمصادر المطلعة لإلقاء اللوم على قطر وتركيا، وتحميلهم مسؤولية الهجوم.
ولا بأس طبعا من التصريحات التقليدية والمحفوظة المعتادة من نمط أن الهجوم يعكس ما حققته القوات المسلحة من نجاح في مواجهة الإرهابيين وأنهم في "النزع الأخير" وهو ما يضطرهم لتنفيذ عمليات بائسة استخدموا فيها فقط 150 مسلحا شكلوا قافلة من السيارات قامت بالاشتراك في الهجوم الإجرامي على معسكر القوات المسلحة.
الكشف سريعا عن تفاصيل الهجوم والمسؤولين عنه كان يجري على قدم وساق في محطات التلفزيون الرسمي والخاص بينما لم يكن دم الشهداء قد برد بعد، ولم نعرف حتى تفاصيل الهجوم أو عدد الشهداء، وذلك في إطار توجيهات السيد الرئيس عدم الكشف بدقة عن الخسائر لكي لا نمنح الإرهابيين نصرا معنويا، قائلا أن هذا هو ما كانت تفعله القوات المسلحة في حرب الاستنزاف عام 1968. ولو كان للسيد الرئيس مستشاريين إعلاميين محترفين لذكروا سيادته أنه قبل خمسين عاما لم يكن توجد قنوات فضائية ولا شبكة إنترنت عنكبوتية، وبالتالي من الصعب جدا إخفاء المعلومات أو إنكارها.
ولكن لا بأس من المحاولة، ولو كان الأمر في يد الشؤون المعنوية فقط، ولم يكن هناك اضطرار لنقل جثامين وتشييع جنازات في قرى ومدن مصر، لما تم الإعلان عن وقوع أي هجوم من الأساس ولتم الترويج للسياحة في منتجعات رفح الهادئة على شاطئ البحر، واعتبار أصوات طلقات الرصاص والتفجيرات هناك ألعاب نارية مبهرة.
وتحدث أول بيان رسمي في أعقاب هجوم رفح عن مقتل أربعين إرهابيا أولا في مواجهات مع القوات المسلحة، مع إشارة سريعة في نهاية البيان إلى إجمالي عدد القتلى والمصابين من أبطال القوات المسلحة، من دون الكشف بشكل دقيق عن عدد الشهداء مقابل المصابين. وطبعا لم يعط البيان الرسمي، والذي لا نملك نحن الصحفيين أي مصدر سواه لنقل الأخبار وإلا تعرضنا للمساءلة القانونية وربما السجن، أي تفسيرات يقبلها العقل والمنطق لسبب تكرار الجرائم الإرهابية في سيناء بنفس الطريقة وبنفس المنهج على مدى السنوات الأربع السابقة: عربة مفخخة تقتحم مدخل نقطة التفتيش أو المعسكر، ثم سيل من قذائف الار بي جي والقنابل، وأخيرا اقتحام للمكان لتصفية كل من فيه من الضباط والجنود والاستيلاء على عتادهم.
طبعا لا يوجد لدي شك أن قطر لها خطوط اتصال مفتوحة مع الكثير من الجماعات الإرهابية المسلحة، وأن كل مأساة أو مصيبة تتعرض لها مصر هي بمثابة "أخبار سارة" للأسرة الحاكمة في الدوحة التي بات ثأرها شخصي للغاية مع الرئيس السيسي وكأن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين هو من يحكم في الدوحة.
ولكن تجنب الأسئلة الحقيقية ومعرفة أسباب تكرار هذه الحوادث وسقوط هذا العدد الكبير من الشهداء هو الذي سيقضي على ما تبقى من روح معنوية للمصريين في مواجهة الإرهاب، وليس توفير المعلومات الدقيقة للمواطن الذي يتابع البيانات الرسمية التي تؤكد باستمرار تحقيق تقدم كبير في ملاحقة الإرهابيين وأنهم على وشك الانهيار، ولنفاجئ بعد ذلك بأعداد كبيرة من القتلى وتفاصيل تؤكد أن النجاح الذي تحقق يبقى محدودا ويتجاوز رغبة الرئيس في رفع روحنا المعنوية بالقول أن سيناء آمنة والمشكلة تنحصر في نحو 40 او 50 كلم تتمثل في الشريط الحدودي.
لو كانت قطر هي التي تمول وتسلح الإرهابيين الذين يقتلون جنودنا وضباطنا في سيناء، فهيا بنا لنحارب قطر ونضربها كما ضربنا الإرهابيين في ليبيا الذين قتلوا بكل إجرام المصريين المسيحيين قبل فترة. سيكون هذا رد مشروع وفقا للقانون الدولي. ولو كانت تركيا هي التي تدهم هؤلاء المجرمين في سيناء، فلنقدم بحقها شكوى رسمية في مجلس الأمن ونطالب بفرض عقوبات عليها. ولكن أن يستمر نزيف الدماء بهذه الطريقة، ولاحقا تقديم مبررات واهية للمصريين لتفسير سقوط أبناءنا شهداء، فهو الأمر المرفوض مطلقا.
نعم المعركة شرسة، والإرهاب في كل مكان، ولكننا في مصر نعاني من حالة الإرهاب هذه على الأقل منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي، أي قبل أكثر من ربع قرن. كما أننا من ضمن البلدان المصدرة للإرهاب منذ أن دعمت أمريكا والرئيس الراحل أنور السادات وبعده مبارك جهد تشكيل أو فصيل إرهابي مقاتل بحجة مواجهة الاتحاد السوفيتي السابق في أفغانستان. وفي كل عملية إرهابية كبرى في العالم، مثل هجمات 11 سبتمبر في أمريكا، لا بد أن يكون من بين المنفذين والمخططين مصريون.
الجيش والشرطة في مصر ليسوا مؤسسات معزولة عن جموع المصريين. وطالما أن التجنيد إجباري في مصر، فإن من حق المدنيين أن يسألوا ويطلبوا إجابات عن سبب استمرار العمليات الإرهابية رغم كل ما نسمعه عن ضربات استباقية واحتواء للجماعات والاقتراب من القضاء عليهم. هل لدينا الخطط اللازمة، هل لدى جنودنا التسليح الكافي، هل يتلقون التدريب المناسب، ما فائدة الكمائن الثابتة، ما فائدة الاستعانة بمجندين قد لا يكونوا قد تلقوا المستوى المناسب من التدريب، لماذا لا تتم مراقبة المنطقة الملتهبة في رفح بطائرات من دون طيار بحيث أنه عندما تتحرك قافلة من عربات الدفع الرباعي تحمل 150 إرهابيا في طريقهم لقتل جنودنا يتم الكشف عن ذلك فورا ومنعه؟ هذه هي فقط بعض الأسئلة المحظورة.
أما السؤال الأخير الذي كان يجب أن يقدم وزير الداخلية إجابة له بعد حادث البدرشين الأخير: متى تتقدم باستقالتك واعتذارك للمصريين ومن ثم محاسبتك على كل هذا الفشل؟