طارق عبدالسلام.. حكاية البطل المغدور !
محمد علي إبراهيم
طارق عبدالسلام.. حكاية البطل المغدور !
قصة هذا البطل تماثل قصص مئات من الشباب هجروا وطنهم بحثا عن عمل ومستقبل وحياة كريمة .. عادة الأوطان تربط مواطنيها بحبل سرى لا ينفصم مهما قست عليهم .. يقول أبو فراس الحمدانى الشاعر المعروف: بلادى وإن جارت على عزيزة .. وأهلى وإن ضنوا علىّ كرام.
لكن أحيانا يفيض الكيل ويضيق الرزق وتبلغ الأرواح الحناجر , وبدلا من أن يجد هؤلاء يدا حانية تربت عليهم وتجفف دموعهم , تطولهم اتهامات الخيانة و"رفس" النعمة ويرفعون ضدهم سيف الاتهام بأنهم تنكروا لوطن صنعهم ولولاه ما كانوا ولا نجحوا.
هذه مقدمة ضرورية لحكاية بطل المصارعة طارق عبد السلام الذى ترك مصر وذهب لبلغاريا ليلعب باسمها .. ولابد أن ندرك الحقيقة وراء ما يقال وما يشاع عنه .. انبرت أقلام كثيرة تطعن فى وطنيته وتتهمه بأنه سعى وراء إغراء المال والجنس ونسى قيم وتقاليد وأخلاق المصريين .. لقد قتلتم كل قيمة وكل خلق فى نفوس الناس .. فتوقفوا عن اغتياب الفقراء لمجرد أنهم لا يملكون الرد عليكم فى وسائل الإعلام وليس لهم " ظهر" يدافع عنهم .. لقد علقوا "طارق" فى مشنقة الخيانة العظمى لوطنه وأعدموه .. لكن لماذا سافر هذا الشاب؟
ببساطة "طفش" لأنه ليس ابن مسئول كبير يوفر له علاجا على حساب الدولة .. هاجر لأنه ليس قريبا لأحد الوزراء ليستطيع أن يوظفه فى شركة بترول ويتقاضى 5 آلاف جنيه فى الشهر .. ترك الجمل بما حمل لأنه شاب يحلم أن يتزوج كأى شاب آخر , ولا يهم إن كانت الزوجة مصرية أو بلغارية .. المهم أن يتجنب بيع نفسه فى الحرام .. سافر طارق عبد السلام لأنه بطل مصارعة وليس لاعب كرة قدم يخسر البطولات ويحصل على ملايين الجنيهات كل عام.
طارق بطل ارتدى فانلة مصر فى بطولات عربية وأوروبية وإفريقية كثيرة .. من المؤكد أن أحدا لم يسمع عنه لأنه رياضى غلبان .. حقق ذهبية الألعاب الإفريقية فى الكونغو برازفيل فى وزنه والميدالية الفضية فى بطولة بلغاريا الدولية (المعروفة باسم بطولة بتروف ودانكلوف) .. وبرونزية دورة البحر المتوسط فى أزمير بتركيا وبرونزية بطولة العالم للشباب فى صوفيا البلغارية.
إذن هو اسم معروف فى رياضة المصارعة وليس له ذنب أن الإعلام فى مصر اتهمه بالخيانة والهروب ليتزوج من بلغارية دون أن يعطيه فرصة ليدافع عن نفسه.
بدأت القصة بتعرضه لإصابة شديدة فى التدريب .. رفض السيد وزير الرياضة والشباب علاجه .. تفاقمت الإصابة خصوصا أنه لا يملك مالا ليعالج نفسه .. وتدريجيا وجد أنه أصبح عاجزا وعاطلا وعالة على أسرتة الفقيرة .. هنا بدأ يفكر فى السفر للخارج ليحل مشكلته .. استرجع فى مخيلته البلاد التى سافرها مع المنتخب فوجد أن بلغاريا يعرفها أكثر من غيرها .. راسل صديقا تعرف عليه وطلب منه المساعدة ليحصل على مبلغ من المال يرسله كل شهر إلى أسرته ليعينها على الغلاء الذى بات يطول الجميع.
وجد الصديق له عملا لمدة 12 ساعة يوميا رغم أنه مصاب ولا يستطيع الوقوف أكثر من ساعتين على الأكثر .. العمل كان عامل إمام سيخ "شاورما" وهى نوعية الأعمال المتاحة لمثله الذين لا يملكون مؤهلات أو يتحدثون البلغارية .. لكنه ذكى جدا بدأ يلتقط عدة كلمات بلغارية ثم يكون جملا ثم أجاد اللغة.
صديقه كان أحن عليه من وزير الرياضة ورئيس اتحاد المصارعة المصريين اللذين نسيا تماما أن هناك بطلا قعيدا أولى بالرعاية ليكون مشروع بطل أوليمبى .. الصديق أقنعه أن يعود لممارسة الرياضة من جديد وألحقه بنادى قرب المنطقة السكنية التى يقطنها .. وللعلم أندية المصارعة فى بلغاريا مثل ساحات لعب الكرة الشراب فى مصر .. واظب على التمرين بعد مواعيد العمل .. ورغم أنه كان يذهب منهكا إلا أن حماسه لفت أنظار المدربين بالنادى .. اتصلوا بمسئولين من اتحاد المصارعة البلغارى فجاءوا لمشاهدته وعرضوا عليه أن ينضم للمنتخب البلغارى للمصارعة.
تعجب الشاب وسألهم كيف وأنا مصرى .. وأجابوا أن القانون البلغارى يسمح لأصحاب المواهب بالحصول على الجنسية .. وهكذا بين عشية وضحاها أصبح مواطنا بلغاريا وحصل على تأمين صحى وعلاج بأرقى المستشفيات وسيارة ومنزل مجهز .. كان طبيعيا أن يتزوج من بلغارية لأنه شعر أن بلدها احتضنه وعالجه ومنحه الأموال دون أن يطلب منه شيئا.
ابتسمت الدنيا لطارق بعد طول عبوس فتألق وحصل لبلغاريا على الميدالية الذهبية فى بطولة أوروبا للمصارعة .. وتصوروا تغلب على من .. قهر بطل روسيا والعالم فى المباراة النهائية.
لو كانت مصر بلدا ترعى المواهب لكان هذا الشاب يحمل علمنا فى نهائى البطولات العالمية.
أعود بكم لمصر بعد أن حكى طارق قصتة لوسائل الإعلام وبدلا من أن يشعر الموظف المسئول بالأسف على إهماله وتركه قعيدا بدون علاج , إذا به يتبجح ويقول أنه خان وطنه الذى ساعده واشتهر من خلاله .. لا يا شيخ .. فعلا البجاحة لها ناسها !
