أنا المصري كريم العنصرين
حورية عبيدة
أنا المصري كريم العنصرين
"أقباط لكن مصريون" لم يكن هذا عنوان لأحد مؤلفات المفكر السياسي المصري الراحل د. ميلاد حنا فحسب، بل قناعته الشخصية كذلك، فكان يُردد دوماً أن مصر الفرعونية تسير على قدمين؛ إحداهما الإسلام والثانية المسيحية، أي لا انفصام أبداً بين عُنصري الأمة.. ولعلها تكون مَقصد سيد درويش حين قال: "أنا المصري كريم العُنصرين"، أو كما أفهمها أنا.
ما حدث من إرهابٍ ليس بالأمس فقط، بل والذي يتجدد بين حينٍ وآخر؛ يرسل رسالة جلية؛ مفادها أن المستهدف هو الوطن، حتى إذا مادُمّر؛ فلن نجد مسجداً ولا كنيسة، ولا جيشاً ولا شعباً، ولا بابا ولا إماماً، فاللُحمة الوطنية والاصطفاف والتآذر والربت على القلوب ومداواة الجروح هي الهدف الأسمى والمُلِح حاليا.
ما حدث من إرهابٍ ليس بالأمس فقط، بل والذي يتجدد بين حينٍ وآخر؛ يرسل رسالة جلية؛ مفادها أن المستهدف هو الوطن.
فلم يعُد خافياً أمْر الخرائط المُعدة سلفاً لتقسيم مصر، ومنها أن تكون سيناء تحت إِمْرة داعش والصهاينة، خاصةً بعد انهيار العراق وسوريا؛ فلم يتبق إلا "الجائزة الكبرى"؛ ويُقصد بها مصر، والتي لن تسقط أبدا، وسيخيب الله مَسعى المُتربصين.
مواجهة الإرهاب لا يمكن أن تكون بحلولٍ أمنيةٍ وقانونيةٍ فقط -مع ضرورتها طبعاً-، إلا أنه لابد من مواجهة حقيقية بحلولٍ تكاملية، تضع في اعتبارها تطوير المناهج التعليمية، والالتزام بميثاق إعلامي يلتزم بالقيم، ويُعلي من قيم الحرية والتعبير والنقد البنّاء، مع تدشين حملات يقودها الأزهر الشريف بقوافل علمائه في كافة المحافظات لتوعية الشباب الذين يَسهل تجنيدهم في عمليات إرهابية تحت مُسميات دينية مغلوطة.
وهنا أتذكر الحملات التي كانت تجوب المعتقلات وتجمعات الشباب؛ والتي قادها الأزهر الشريف وعلماؤه؛ في سبعينيات القرن الماضي عقب مقتل الشيخ الذهبي بيد جماعات التكفير والهجرة آنذاك، وقد أثمرت عن توبة الكثيرين وتخليهم عن أفكارهم المشوهة، وكذلك تجريم ترديد خطاب الكراهية في الكنائس والمساجد على حدٍ سواء.
الشباب أولًا وأخيراً.. بتهيأة الفُرص أمامه لإقامة مشاريع صغيرة ومتوسطة؛ ودعوة أكيدة من الدولة لرجال الأعمال ليتحملوا مسؤولياتهم في إقراض الشباب أو توفير فرص عمل لهم، وأن تقوم الدولة كذلك بإجبار المستثمرين الذين قدمت لهم تسهيلات وإعفاءات ضريبية وأراضٍ وغيرها ليعملوا ويربحوا. عليهم إذن التبرع بسخاء لتطوير القطاع الصحي بالدولة.
حين يرى المواطن أدميته مُصانة تعليمياً وصحياً ومعيشياً وقانونياً، سيزداد انتماؤه وثقته بوطنه.
العدالة الناجزة؛ بمعنى سرعة الفصل في القضايا المُكدسة في المحاكم منذ سنوات، لأن البطء في العدل هو نوع من الظلم، وقيام الشرطة بضرورة التعامل بشكل إنساني وراقٍ مع المترددين على أقسام الشرطة أيا كان وضعه الاجتماعي وأيا كانت مشكلته، مع محاربة الفساد في كافة مناحي الدولة وبشكل جاد، وعدم التستر على الفاسدين، وردعهم قانونياً.
حين يرى المواطن أدميته مُصانة تعليمياً وصحياً ومعيشياً وقانونياً، سيزداد انتماؤه وثقته بوطنه، وسيشعر بقيمته وآدميته، ولن يسهل استدراجه في أعمال تخريبية، والتي قد تؤدي لمجازر يبغيها أعداؤنا، ساعتها -عافانا الله- لن تفتح أوروبا ذراعيها لملايين المصريين كلاجئين، ولن تُقام لنا الخيام في ليبيا ولا السودان.
رحم الله شهداء الوطن الذين امتزجت دماؤهم فلم تُفرق بين مسلمٍ ومسيحي، وأفرغ ربي على قلوبنا برداً وسلاماً، ولإخوتنا المسيحين الدعاء بالصبر والسلوان، ولمصرنا العز والأمان.
