
"البحر الميت" يستضيف قمة الأموات
نعيمه أبو مصطفى
"البحر الميت" يستضيف قمة الأموات
بعد فشل "قمة الأمل العربية" التي عقدت في العاصمة الموريتانية "نواكشوط" العام الماضي 2016 بسبب غياب ما يُسمى بالقادة العرب، والانقسامات والأزمات المستمرة فيما بينهما. تقرر عقد قمة أخرى هذا العام، على ضفاف البحر الميت بالعاصمة الأردنية عمان، ولا أعلم ما الذي ستأتي به هذه القمة؟، وما هو حجم التدهور الذي سيضاف إلى ما تبقى من الأمة العربية في ظل جامعتها العربية؟ ولكن مكان انعقادها هذا العام معبر جداً حيث الأموات يجتمعون على ضفاف البحر الميت، وبما أن قمة العام الماضي كانت تسمى قمة الأمل! اقترح أن تسمى هذه القمة (قمة الأموت) ليس تعبيراً عن عدد الذين سقطوا من شهداء العرب، ولا تعبيراً عن سقوط وموت دول عربية، ولكن تعبيراً عن فكر القادة العرب الميت.
في العام الماضي لم يحضر القمة إلا ستة من القادة العرب، وتم اختصارها ليوم واحد بدلا من يومين في ظل سخط من القادة العرب المتحكمين في القرار العربي داخل الجامعة التي تضم 22 دولة، وهذا العام تم الإعلان عن حضور 16 قائد عربي أهمهم من حيث الحضور المصري والسعودي، حيث الانقسام بينهما هو محور هذه القمة التي من ضمن أهدافها رأب هذا الصدع المصري_السعودي حيث أشارت زيارة ملك البحرين إلى مصر قبل القمة بيومين لتضييق هذا الخلاف، لعله يفلح.
أقترح أن تسمى هذه القمة (قمة الأموت) ليس تعبيراً عن عدد الذين سقطوا من شهداء العرب، ولكن تعبيراً عن فكر القادة العرب الميت.
وكانت مطالبات القمة السابقة وضع استراتيجية عربية لمكافحة الإرهاب، وإعادة توجيه الخطاب الديني الذي يستغله المتطرفون، بما عرف بـ "العنف الأعمى للإرهابيين"، وتم التنديد كالعادة، بالإرهاب، وهو بند ثابت ومستمر دون جدوى في القمم العربية منذ نشأتها، كما يتم التنديد بسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين، واستمرار التمدد الاستيطاني. ويا ليتهم يعلنون رسميا ما يقومون به من تعاون وحميميه مع العدو الصهيوني، قد يحدث هذا الإعلان نوعاً من التقدم الإيجابي في حياة المواطن الفلسطيني، وليس في إنهاء الاحتلال لأنه أمر أصبح خارج نطاق التغطية العربية والدولية.
وأظن أن المغرب كان أكثر فطنة من الأردن، عندما رفض عقد القمة على أرضه العام الماضي، لأنه أعلن أن الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة قادرة، على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع، ولم يحدث تغيير إيجابي يذكر في الوضع العربي من العام الماضي، بل على العكس ازداد الانقسام العربي، واتسعت الفجوة، ولا أعلم ما هي الفائدة المرجوة من عقد هذه القمم. هل هي وسيلة من وسائل إهدار المال العربي؟ أم أنها نزهة لبعض موظفي الجامعة العربية الذين لا يملكون أى قرار، ويحملون الجامعة عبء رواتبهم؟ أم أنه استعراض لقوة بعض الدول التي تتحكم في قرار الجامعة العربية، وترغب في تذكير باقي الأعضاء بأنها لازالت صاحبة الكلمة العليا والقرار الأوحد؟ أم أنه مجرد اجتماع سنوي ضمن برنامج عمل الجامعة يخرج بتوصيات إنشائية عادية، وإلقاء خطب حنجورية عن مدى فشل وتراجع عمل الجامعة العربية؟
ويضم جدول أعمال القمة هذا العام نفس قضايا العام الماضي حيث التردي العربي يزداد وبقوة سواء من النواحي الأمنية أو السياسية، حيث اتسعت فجوة الخلاف العربي _ العربي حول الجماعات المسلحة في ليبيا، وسوريا تحديداً، بالإضافة إلى التدخلات الخارجية الإقليمية قبل الدولية في هاتين الدولتين اللاتي تتجاوران جغرافيا مع مصر صاحبة أكبر كتلة كثافة سكانية، والتي تضم آخر جيش عربي موحد.
معظم الدول العربية تضع على أجندتها في هذه القمة الـ 28 للجامعة العربية مناقشة مدى قبول تدخل كل من تركيا، وإيران في الصراع العربي _ العربي وليس تدخل العدو الصهيوني في هذه الدول وغيرها فهذا الأمر غير مطروح للمناقشة، تماماً مثل فكرة التكامل العربي المرفوض مناقشتها نهائياً، فالأمر المهم للدول العربية أن لا تتدخل أى دولة لا تروق لهم في ما يمارسونه من قمع وتخريب وقتل في أي دولة أخرى أو مع شعوبهم.
وعلى الرغم من تجميد عضوية سوريا منذ نوفمبر / تشرين الثاني 2011، إلا أنه تم رفع علمها ضمن أعلام الدول العربية التي تراصت على الطريق الواصل بين العاصمة عمان ومنطقة البحر الميت. ولا أعلم لماذا لم يتم تجميد عضوية كل من ليبيا والعراق حيث القتل هناك مساوي لما حدث في سوريا؟ على غرار عنترية الجامعة العربية التي تُظهر قوتها وسطوتها على الدول الأشد ضعفاً، وليس الدول الأكبر تجبراً وسطوة.! حقيقة لا بد من الاعتراف بحجم الأموال والرفاهية التي تم إنفاقها على هذه القمة.
لا أعلم لماذا لم يتم تجميد عضوية كل من ليبيا والعراق حيث القتل هناك مساوي لما حدث في سوريا؟
وقيل أن هذه الدورة ستناقش موضوع اللاجئين والنازحين؛ ولم يتم الإفصاح عن كيفية مناقشة وضع هؤلاء التعساء؟ الذين ألقى بهم القدر في دولهم العربية لكي يتم المتاجرة بهم، واستنزاف أموالهم وكرامتهم، في ما يسمى بالرسوم الباهظة التي تفرضها معظم الدول العربية على اللاجئين، والقيود المفروضة على حرية التنقل والسفر تحت بند الوقاية الأمنية من الإرهاب.!
ومن النقاط المهمة المطروحة للمناقشة، خطوات الارتقاء بالتعاون الاقتصادي العربي وتنمية الاستثمارات العربية البينية، والتي لا تتجاوز 20% من نسبة الاستثمارات العربية مع العالم، وكذلك التجارة البينية العربية التي لا تتجاوز 10% من نسبة التجارة العربية مع العالم، وهذه الأرقام خير دليل على قمة الأموات العربية التي تنعقد للمرة ال 28 على مدار ما يقرب من سبعين عاماً.وهنا نذكر أن هدف انعقاد أول قمة عربية كان وقف العدوان الصهيوني على فلسطين، والهدف الرئيسي غير المعلن لـ انعقاد أخر قمة عربية هو كيفية التعاون مع العدو الصهيوني، ودمجه رسمياً داخل الجامعة العربية.
وأخيراً أهلا ومرحباً بقمة الأموات على ضفاف البحر الميت. ولنا حديث آخر بعد فشل هذه القمة كسابقيها.