
الجمبري أمن قومي
محمد مصطفى موسى
الجمبري أمن قومي
قزقز فعل ماضٍ، مبني على الفتح، مضارعه يُقزقز، ومفعوله المطلق قزقزة، وقزقز اللُّبَّ أي وضعه في فمه، فنزع قشرته، وأكل ما بداخله، في عملية لها صوت "طقطقة".
والقزقزة بالنسبة لخبراء أكل السمك والقشريات البحرية هي "مزاج المزاج"، بل إن منهم من يعتبر القزقزة أهم من الالتهام، وهي "غِيّة" لأبناء المحافظات الساحلية، لا يبلغ أبناء القاهرة، وما على شاكلتها من المدن التي ليست لها رئة بحرية، إثر عيب ولادي، أغوارها، ولا يفهمون "ميكانزيمات الاستمتاع بها".
أن تضع رأس "جمبرياية" مطهوة طاجنًا، في فمك، فتمص متلذذًا سوائلها التي امتلأت بالتوابل، وتسحب ما علق بهيكلها بها من فتات اللحم الشهي، فذاك مصدر غير مفهوم من مصادر السعادة، وعلى الرغم من أن اللحم المستخلص من تلك العملية الدؤوبة قليل، لكن الحساب كميًا لا يستقيم، فالأمر نفسه يُستطاب، أو بتعبير صوفي "يُعشق لذاته".
على أن القزقزة ارتبطت أساسًا بالكابوريا، ربما بعد فيلم العبقري الراحل أحمد زكي، فتلك القشريات البحرية إذا كانت من الحجم الكبير، ومن الإناث تحديدًا، لها أذرع "ليست إعلامية" مليئة باللحم، كما أن بطارخها تحت قشرة البطن الرقيقة، ذات طعم طيب شهي، أما الذكور فأكثرها عظام يابسة، تنكسر بصعوبة، وبعدئذٍ لا يجد الآكلون ما يسد لهم رمقًا.
وعلى الرغم من لذة "قزقزة الكابوريا"، فإن حب الناس للجمبري يتفوق بمراحل، ذلك أن هذا الكائن البحري له سمعة مرموقة في رفع مستويات الذكورة، وهذا يرجع إلى أنه غني بالبروتين وفيتامين "بي"، فضلا عن الزلال والحامض الأميوني الذي يعزز الخصوبة، وتذهب دراسات طبية إلى أن الجمبري ذو تأثير صحي إيجابي على تحسين الانتصاب بعد نصف ساعة فقط من تناوله، ما يجعله أسرع أثرًا من معظم المنشطات الدوائية، التي تحتاج نحو ساعة حتى تعمل عملها.
على هذا الأساس يمكن القول، إن الساخرين من مشروع الاستزراع السمكي الذي أطلقته القوات المسلحة مؤخرًا، محض جوقة جهلاء، أو خونة يكرهون الوطن، وربما هم من المتآمرين مع التنظيم الدولي للإخوان وقطر وتركيا، وبالتالي لا يعجبهم العجب، ولا يروق لهم الصيام في رجب، ذلك أن قلوبهم عليها غشاوة، تمنعهم أن ينظروا ما وراء الأمور، فينصرفون إلى السفاسف دون غيرها، فوفقًا للمركز المصري للحق في الدواء، فإن مصر تستورد منشطات جنسية بما لا يقل عن ملياري جنيه سنويًا، وبالطبع فإن هذه الواردات تستنزف الرصيد المتاح من العملات الأجنبية، وذاك أمر داهم الخطورة على عمليات الإصلاح الاقتصادي، التي تمثلت أبرز إيجابياتها، في زيادة نسبة الفقراء من حوالي خمسة وعشرين بالمائة، إلى أربعين بالمائة، وهي نتيجة ليست ذات شأن، فالمهم أن "نكون كده" كما يقول طبيب الفلاسفة.
ما علينا.. يجب فقط أن نركز على الإيجابيات، ومنها بالضرورة، أن إتاحة الجمبري برأس أو منزوع الرأس، في السوق المحلي، سيرفع رأس الرجال في الليالي الحمراء، ما يقلل حالات الخلع والطلاق، ذات الآثار الكارثية على استقرار الأسرة، وعليه فإن المشروع الطموح يعد من مقتضيات الأمن القومي، و"قطع لسان من يقول إن الأمن القومي ليس من مهام خير أجناد الأرض".
غير أن هذا المشروع كغيره، يستدعي تساؤلات مشروعة، فهل سيؤدي إلى تخفيض سعر الجمبري في السوق المحلي بحيث يصبح متاحًا للكادحين في الأرض؟
إن سعر الكيلوجرام من الجمبري، يبلغ حاليًا للحجم الصغير ما لا يقل عن مائة وخمسين جنيهًا، ولـ"الجامبو" أكثر من ثلاثمائة جنيه، فهل يمكن مثلًا أن يتناول موظف يحصل على الحد الأدنى من الأجر وجبة جمبري شهريًا؟
هل سيكون الكيلوجرام بخمسين جنيهًا مثلًا؟ ما يغري كادحًا لا يقدر على سعر الـ"فياجرا" بشراء كيلوجرامين أول الشهر، حتى يقزقز مع أم العيال والعيال، أم أنه الغلاء سيجعل تلك الأمنية مستحيلة، فلا ينال "جمبري القوات المسلحة"، إلا الذين رضي النظام عنهم ورضوا عنه، من رجال الجيش والشرطة والقضاء الشامخ، فيما يكتفي الغلبان بقزقزة الرؤوس المتخلفة عن العبوات "منزوعة الرأس".. وتحيا مصر ثلاث مرات!