لماذا الهجمة على حزب مصر القوية؟!
محمد إبراهيم
لماذا الهجمة على حزب مصر القوية؟!
تمخضت حملة ترشح الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح للرئاسة عن ولادة حزب مصر القوية مُحملا بآمال وقوة الحملة الرئاسية والتي جعلت من اللون البرتقالي علامة مرتبطة بها لا تخطئها عين, وبُعيَّد إنشاء الحزب لم تمر واقعة إلا وكان له رأي فيها, ونشاطه لا يُنكره متابع, بالرغم من مرور الحزب بطبيعة الحال بأزمات داخلية واختلافات وانسحابات, وكذلك البُهوت النسبي إذا تحدثنا عن بعض المواقف التي اختلف فيها البعض مع أداء الحزب, لكن بالرغم من ذلك وبالمقارنة بالأحزاب التي قيل عنها (خرجت من رحم الثورة) كان مصر القوية ذا مواقف أكثر وضوحا وأكثر توافقا مع "روح الثورة" إن جاز التعبير.
حزب الحرية والعدالة والذي كان من المفترض به أن يشد الأمور السياسية خارج جماعة الإخوان المسلمين مستفيدا من التناغم العام بين الأعضاء لم يفعل ذلك وترك التأثير السياسي الحقيقي بيد الجماعة وأصبح وكأنه مُجرد واجهة لذر التراب في العيون, بعكس حزب العدل مثلا الذي ظهر فيه تمايز التيارات بداخله بين أشخاص ذوي طموح شخصي بعيدا عن الصالح العام للحزب وكذلك تيار شباب يميل للعمل الثوري وتيار ينتمي بشكلٍ ما لشبكة مصالح دولة مبارك ويُريد أن يتحكم في الحزب بماله, لكن حزب مصر القوية تميَّز بأنه متماسك فكريا بطريقة نسبيَّة وفي نفس الوقت مُستقل بشكل كامل عن أي جماعة أو مجموعة ضغط مالية, وهو الذي جعل من اختراقه أمرا صعبا وكذلك تلك الأزمات التي مر بها لم تُؤدي لتفككه.
أما الملاحظة الأولى عنه فهي أن الحزب ينتمي لأبو الفتوح وليس العكس, وهو أمر يُعطي انطباعا قاصرا عندما تتحدث للآخرين, بيد أن الحزب بذل مجهودا جليَّا لنفي تلك الفكرة لكنها ليست سهلة النفي بطبيعة الأمور, لكن قلة خروج أبو الفتوح للإعلام أدى لعدم التركيز على تلك النقطة في الغالب, وفي كلا الحالتين الأمر خارج عن رغبة النظام الحاكم, فإن استقل بإدارته نسبيَّا عن أبو الفتوح زادت قوته, وإن ارتبط باسم الدكتور فالرجل تحدث عنه الصحفي ياسر رزق في حضرة الرئيس الحالي مُعبرا عن عداوتهم لأبو الفتوح قائلا نصا (سيعلقهم مثل الذبيحة) وذلك في تسريبات شهيرة.
وحزب مصر القوية إذا تحلى ببعض الثقة في النفس, وبلوَّر بعض أفكاره الاجتماعية بشكل أكثر وضوحا دون خوفٍ من أي نبز, وأتيحت له الفرصة ليعمل بشكل أكثر حرية, سيكون رقما مهما في المعادلة السياسية في مصر وذلك للآتي:
-بجانب تماسكه فكريا وتنظيميا.. حزب مصر القوية هو الحزب الأقرب فكرا لروح المصريين, فبينما تشمله خلفية مُحافظة لم يُعلن عنها صراحة لكنها واضحة من تركيبة أعضاءه, تتماهى تلك الخلفية مع الأفكار العامة التي يحملها الناس, وكذلك بعض الانفتاح الذي يتميز به شكله العام يتماشى مع الحياة العادية للناس, وهو ما يبتعد عن الجو العام شديد المحافظة أو الانفتاح وهما غير المستساغيَّن في الأغلب.
قمت ببحث سريع مُتعلق بالأيدلوجية التي ينتمي لها المصريون وخلصت فيه أن جميع الإجابات ليست ببعيدة عن إجابات مصر القوية, لكن هناك نقطتين جوهريتين كان حزب مصر القوية الأقرب فيهما للناس بلا منازع وهما نقطتي الانتماء السياسي وشكل الدولة, بينما من الواضح أن هؤلاء الذين ينتمون لمصر القوية قد يكونوا مشتتين بعض الشيء لا هم إلى هؤلاء ولا هؤلاء, لكن هذا المضمون قريب كثيرا من قلوب وعقول المصريين الذين لا ينتمون صراحة لتيار سياسي واضح, فيأخذون فكرة من هنا وفكرة من هناك ليشكلون في النهاية شخصية مُغايرة للألوان الصريحة.
لذا فمن المُرجح إذا أتيح للأحزاب أن تتنفس أن يكون لمصر القوية الحظ الأوفر في الوصول للرجل العادي الذي لا تستطيع الأحزاب الأخرى الوصول إليه!
-حزب مصر القوية شارك في الحوارات التي حاول الرئيس الأسبق مرسي أن يُديرها, ونفض يده عنها عندما أصبحت مُجرد دعاية فارغة بلا مضمون, وانتقد تدخل القوات المسلحة في الحياة السياسية ولم يحد عن ذلك أبدا, لكنه في نفس الوقت نزل مع المصريين دون انفصال عنهم ليُطالب مرسي بإقامة انتخابات رئاسية مُبكرة, لكنه عاد وانتقد طريقة نزع كرسي السلطة وهاجم السلطة الجديدة, حتى أنه كان الحزب الوحيد الذي دخل بشكل رسمي لجبهة "ثوَّار" التي تم تدشينها بعد خلع مرسي لتكون منبرا للمعارضة في وقت أصبحت فيه المعارضة مرادفا للخيانة !
لم يُقاطع الحزب الاستفتاء الدستوري في 2014 بشكل مبدئي لكنه انسحب لاحقا قُبيَّل التصويت اعتراضا على تضييق الخناق على عملهم في الشارع والقبض على بعض أعضائه, وهو ما يدلل أن الحزب حاول مرارا ومازال يحاول أن يتعامل بجديَّة مع المسائل السياسية, وهو الأمر الذي جعله يُقاطع الانتخابات الرئاسية وقتها لعدم جديتها من وجهة نظره, وكذلك الانتخابات الحالية كان من أول المبادرين بمقاطعتها بعدما نشط أعضاؤه في حملة جمع التوقيعات لترشح المحامي الحقوقي خالد علي.
تلك النقاط تجعل فكرة تحويل الحزب إلى شكل كارتوني صعبة التنفيذ, وكذلك صعوبة ترويض سياساته الحازمة.
-بعد القبض على أبو الفتوح الذي طالته أسهم الانتقادات من جميع خصومه وبشكل قاسٍ, خاصة العلمانيين ومؤيدي النظام وبعض المنتمين للتيار الديني, وبعدما كان هناك إحساس عام أن تلك الحملات أثرت كثيرا في شعبيته خاصة بعدما نالت من حظوظه في الانتخابات الرئاسية التي شارك فيها في 2012 وقت ما كانت هناك حملة كبيرة وممنهجة لقتله معنويا, أصبح واضحا وبشكل مفاجئ أن الرجل يحظى على شعبية عظيمة, والقبض عليه جعل هؤلاء الذين يحترمونه بصمت يُعلنون عن احترامهم دون مواربة, وبينهم من انقلب عليه في 2012 ليعود الآن وبعد انتهاء حالة الفوران ليرى ما كان يراه في الرجل من الاعتدال والحزم, وهو الأمر الذي يجعل من أبو الفتوح وحزبه هدفا للتصفيَّة في ظل نظام لا يريد إلا صوتا واحدا يتحدث للعامة بما يُمليه عليهم هو وحده ودون غيره.
رئيس حزب مصر القوية ونائبه السيد محمد القصاص مقبوض عليهم الآن وحزبهم تحت الحراسة, والانضمام لعضوية حزبهم قد تكون الطريقة المُثلى للتضامن مع ما تبقى من ورقة التوت التي تستر عورة السياسة في مصر..
هامش الديمقراطية يضيق على الوطن.
