رئيس التحرير: عادل صبري 03:33 مساءً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

دروس التمرد التركي.. طريق ثالث ممكن

دروس التمرد التركي.. طريق ثالث ممكن
18 يوليو 2016

دروس التمرد التركي.. طريق ثالث ممكن

زياد العليمى

دروس التمرد التركي.. طريق ثالث ممكن

(1)

بمجرد إنهاء التمرد العسكري الذي قام به عدد من قيادات وضباط وجنود الجيش التركي، انبرى عدد من المحللين والمهتمين بالشأن العام في مصر، لمقارنة ماحدث في تركيا بما دار في بلادنا في 30 يونيو، وحاولت جاهدًا أن أجد تشابها بين الموقفين، وبعد أن أعيتني الحيل، أحاول في هذا المقال أن أرصد ما حدث في الواقعتين، ومحاولة استخلاص ما قد يفيدنا مستقبلًا.

 
ففي بلادنا، وبعد ثورة 2011، إرتكبت جماعة الإخوان المسلمين عددًا كبيرًا من الجرائم السياسية والجنائية التي لا مجال لإعادة رصدها مرة أخرى، حيث تناولتها في مقال سابق يمكن مراجعته من خلال هذا الرابط وأمام هذا الالتفاف على أهداف الثورة لم يجد ملايين المصريين بديلًا سوى المطالبة بالاحتكام إلى الآليات الديمقراطية، والمطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة بعد عام من حكم جماعة الإخوان المسلمين لمصر.


ومع خروج المصريين في 30 يونيو وحتى الثالث من يوليو، لم تتوقف منصة اعتصام المؤيدين لجماعة الإخوان عن التلويح بالتدخل العسكري لقمع المحتجين، والحديث عن تدخل الجيش الذي يقوده وزير دفاع بطعم الثورة ـ بتعبيرات جريدة الحرية والعدالة حتى وقتها ـ لحماية الشرعية! بل وصل الأمر لانفعال الرئيس الأسبق محمد مرسي وقتها مهددًا في خطاب أذاعه التلفاز الرسمي قائلًا: "اإنتم فاكرين إيه! إحنا عندنا في الجيش رجالة زي الدهب!!!". 


وما بين غضب ملايين المصريين من أداء الجماعة، ومطالبتهم بالاحتكام للآليات الديمقراطية وإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة، واستدعاء واضح ومسجل من قيادات الجماعة للجيش للتدخل، وجد وزير الدفاع الذي عينه الدكتور مرسي، الفرصة سانحة للاستيلاء على السلطة تدريجيًا، ومن ثم التنكيل بالجميع، فماذا حدث في تركيا؟ 


(2)

شهدت تركيا في تاريخها الحديث خمسة انقلابات عسكرية ، أولها عام 1913 ، المعروف بانقلاب الباب العالي، حيث أطاح بالصدر الأعظم كامل باشا من السلطة، وقتل مجموعة من الضباط ووزير الحربية ناظم باشا أثناء اجتماع مجلس الوزراء، واستبدل به اسماعيل أنور باشا.


والانقلاب الثاني عام 1960، قاده العقيد البارسلان ترك، ضد حكومة منتخبة ديمقراطيًا تابعة لحزب الديمقراطية، حيث أجبر الانقلاب 235 قائدًا وأكثر من ثلاثة ألاف ضابط مكلف على التقاعد، وطالت إجراءات قمعية أكثر من 500 قاض ونائب عام، وألف و400 من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وتم اعتقال عدد من المسئولين التنفيذيين، وتعيين رئيس أركان الجيش رئيسًا للدولة ورئيسًا لمجلس الوزراء ووزيرًا للدفاع.


أما إنقلاب 1971 فلم يكن بخروج الآليات العسكرية، بل بمذكرة إنذار أخير أرسلها رئيس هيئة أركان تركيا ممدوح تاجماك، وأسفر عنمصادرة المجال العام بالكامل، وتأجيل الإصلاحات الديمقراطية المتوقعة، وإعلان الأحكام العرفية، واعتبار الإضرابات غير شرعية، ومنع الإجتماعات النقابية، وحظر المنظمات الشبابية، واعتقال وتعذيب المئات، ثم تعديل الدستور وإلغاء ما تبقى من حقوق ديمقراطية.

قاد الانقلاب الرابع في 1980 الجنرال كنعان إيفرين الذي قرأ بنفسه بيان الانقلاب المذاع عبر الإذاعة والتليفزيون التركي، وخلال ثلاث سنوات تم إعتقال 650 ألف شخص ومحاكمة الآلاف، وإعدام 50 شخصًا، وتوفي 299 شخصًا جراء التعذيب، وخرج 30 ألفًا للمنفى الاختياري، واختفى المئات قسريًا.


أما الانقلاب الخامس الذي وقع في 1997، من خلال مذكرة صادرة عن قيادة القوات المسلحة التركية، أجبر رئيس الوزراء نجم الدين أربكان على التوقيع عليها، مما أضطر أربكان إلى الاستقالة، وتبعها إنتهاك شديد للحريات الدينية، أدت لرد فعل عكسي بتشكيل حزب العدالة والتنمية الذي فاز بأغلبية ساحقة بعد خمس سنوات من الانقلاب.


(3)


لا يمكن القول بأن من رفضوا التمرد العسكري في تركيا يرون في أردوغان رئيسًا ديمقراطيًا!فالنظام الذي حجب عددا كبيرا من المواقع الإخبارية بقرارات إدارية، وحاكم 105 أشخاص خلال ستة أشهر فقط بتهمة إهانة الرئيس، وحكم عليهم بعقوبات تصل إلى أربعة سنوات، منهم طالب يبلغ من العمر 17 سنة لوصفه الرئيس التركي بأنه "اللص المالك للقصر خارج القانون"!وأغلقت عدد من القنوات التليفزيونية، لم يكتف بذلك، بل وصل الأمر لتهديد رئيس نقابة المحامين في ديار بكر بالقتل، ثم قتله بعد إدلائه ببيان صحفي، وظل الجاني مجهولًا، "وسط بواعث بعدم حياد التحقيق" بتعبير منظمة العفو الدولية.


وحاكم النظام التركي خلال العام الماضي 255 شخصا في إسطنبول بتهم تتعلق بالحق في التظاهر، كما رصدت تقرير المنظمة الدولية حالات عديدة تنطوي على إستخدام مفرط للقوة، وتعذيب داخل أماكن الاحتجاز وإلات من العقاب. 


أما على الصعيد الاقتصادي، فلا ينكر أحد تحسن مستوى دخل الفرد في تركيا حيث زاد من ثلاث آلاف دولار إلى عشرة ألاف دولار سنويًا خلال سنوات حكم حزب العدالة والتنمية، إلا أن هذه الزيادة كانت على حساب زيادة الدين العام التركي، وقفزت الديون الخارجية من 130 مليار دولار  عام 2002، حتى وصلت إلى 340 مليارا مع منتصف عام 2013، وإذا أضفنا إلى ذلك السياسات الليبرالية الجديدة التي ينتهجها النظام الحاكم التركي، سنكتشف سوء توزيع الثروة، والتهميش الاقتصادي وبالطبع السياسي التي تعاني منه قطاعات من الشعب التركي يأتي الأكراد على رأسها، فما الذي يجعل معارضي مثل هذا النظام يرفضون الانقلاب العسكري عليه؟


(4)

بمجرد إعلان الإنقلاب العسكري الأخير في تركيا، أعلن كمال قليتش رئيس حزب الشعب الجمهوري ـ أكبر أحزاب المعارضة التركية ذو التوجه الإشتراكي الديمقراطي الذي أسسه كمال أتاتورك ـ رفضه للانقلاب قائلًا: "تركيا عانت الكثير من الانقلابات، ولا نريد تكرار تلك الأحداث الصعبة، وعلينا التمسك بحماية إرادة الشعب والديمقراطية" ثم تبعته باقي الأحزب في رفض محاولة الانقلاب، ففقد الانقلاب أي غطاء سياسي، يؤهله لاجتذاب وتحييد قطاعات أكبر من الشعب، ويمكنه من تحقيق هدفه، وخرج الآلاف من مؤيدي النظام ومعارضية كاسرين حظر التجول المفروض،واللازم، لوقوع مواجهات عسكرية/ عسكرية، تنتهي بحكم من يملك القوة الأكبر.


كان قادة المعارضة يعرفون أن أردوغان يسعى لإجراء تعديلات دستورية تزيد من صلاحياته، وكانوا يتوقعون أن يتخذ إجراءات أكثر استبدادًا بدعوى "حماية الديمقراطية". لكنهم كانوا يعلمون أيضًا الثمن الباهظ التي ستدفعه بلادهم إذا ترك الأمر لعسكريين للاحتكام إلى القوة كمعيار لاستحقاق الحكم، لكنهم أصروا على الاحتكام للآليات الديمقراطية، ورفضوا أن يتركوا بلادهم مرة أخرى فريسة لحكم الأقوى الذي يمتلك السلاح اللازم لحسم صراع السلطة.


واليوم، ستجد المعارضة التركية نفسها ملتزمة بالوقوف ضد الإجراءات الاستبدادية التي يتخذها أردوغان ضد كل صوت معارض بحجة "حماية الدولة التركية" وسيحتمون بالشعب الذي سينتصر للمستقبل، وهم يعرفون أن لا أردوغان ، ولا من أتوا على دبابة عسكرية ديمقراطيين، وأنهما وجهين لنفس عملة الاستبداد، مع إختلاف الواجهة. وهنا أجد الشبه الوحيد بين المعارضة التركية، وقطاعات من الحالمين بالتغيير في بلادنا، الذين طالبوا جماعة الإخوان بالاحتكام إلى القواعد الديمقراطية، وإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة، فاستأسد عليهم قادة الجماعة ورئيس الدولة بوزير دفاعهم، الذي وجد الفرصة سانحة للاستيلاء على السلطة! ثم رفض ـ هؤلاء الحالمون بالتغيير ـ أي تدخل من العسكريين في شئون السياسة، ووقفوا ضد قتل وتعذيب وسجن خصومهم الذين سعوا بالأمس القريب للتنكيل بهم، والاحتكام في مواجهتهم بمنطق حكم القوة، سواء ميليشياتهم، أو قوات عسكرية توهموا تأييدها لهم، فدفع المؤمنين بالتغيير الثمن غاليًا تحت حكم من أرادوا الاحتكام للقوة، سواء الإخوان أو النظام الحالي.


لم تقبل المعارضة التركية الاختيار بين بديلين،كلاهما مر، سيدفع ثمنه شعبهم، واختاروا الاحتكام للشعب والآليات الديمقراطية. فعندما يكون الاختيار بين بديلين أحدهما سيقتلك باسم الدين، وآخر سيقتلك باسم الوطنية، عليك أن تختار الحياة! والسعي لاقتناص فرص جديدة يكون الشعب فيها هو الحكم، والسيد الذي سيبني وطنًا حرًا يتسع للجميع.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية