رئيس التحرير: عادل صبري 02:33 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

ولقد كرمنا بني آدم

ولقد كرمنا بني آدم
03 يوليو 2014

ولقد كرمنا بني آدم

محمد عادل عبدالرازق

حين خلق الله آدم عليه السلام أسجد له الملائكة دون أن يفعل شيئاً. تكريم الله لبنى آدم مطلق، دون قيد أو شرط.

من ضمن أساسيات التربية أن تعلم صغيرك أن يحترم نفسه وأن تحترمه أنت أيضاً. إن أخطأ صغيرك وعاقبته فلا تقل له (أنت طفل سيء)، بل عاقبه وقل له أنت طفل طيب ممتاز ولهذا أعاقبك، لأن الخطأ الذي ارتكبته لا يليق بالممتازين. ربما يكون المفهوم صعباً علينا لأننا تعودنا على غير هذا لكنه مفهوم أساسي في الأديان منذ خلق الله الخلق. حين عصى آدم عليه السلام وحواء الله سبحانه وتعالي قالا مستغفرين الله "رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا". هما يفهمان أنهما مكرمين من الله وأن المعصية لا تليق بكائن كرمه الله، المعصية ظلم لهذا الذي كرمه الله وأسجد له الملائكة. الأمر غير مقتصر على المتقين والأنبياء فسحب، فحتي الذين يدخلون النار وصفهم القرآن بأنهم (ظالمين لأنفسهم).

من ضمن النقاشات الفكرية الشهيرة فكرة: هل المجرم ضحية للمجتمع؟ هل يستحق العقوبة لأنه شرير بالفطرة؟ أم يستحق العفو لأن ظروف تربيته وحياته هي التي دفعته لما فعل؟

في الإسلام هناك فارق واضح بين العقوبة وبين احترام الشخص ورؤية الخير فيه. العقوبة تقام فيما يضر المجتمع، في المخالفات التي تقع علناً لكي تكون مانعاً للآخرين من أن يقوموا بنفس الجريمة. يقول رسول الله صلي الله عليه وسلم: "تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب"، أي أن أي خطأ يستوجب إقامة الحد يحدث بشكل علني عام عرفه الناس حتى وصل إلي الحاكم أو القاضي فلا يمكن إسقاط الحد فيه حتى إن تسامح المتضرر في حقه. مثلاً، سرق أحدهم من صحابي مبلغ من المال فأمسكه وجاء به للرسول عليه الصلاة والسلام، فأمر الرسول بإقامة الحد عليه. أعلن الصحابي أنه يعفو عن الرجل فرفض الرسول عليه الصلاة والسلام وقال “لولا كان هذا قبل أن تأتيني به".

في المقابل فإن هذا لا يعني أن من يقام عليه الحد هو شخص سيء، حين سب خالد بن الوليد المرأة الزانية أثناء رجمها أوقفه الرسول عليه الصلاة والسلام قائلاً: "لقد تابت توبة لو قُسّمت بين سبعين من أهل المدينة لوسِعَتْهُم"، وصلي عليها الرسول عليه الصلاة والسلام بنفسه قبل دفنها.

تربوياً هناك قاعدة تنادي أن تفصل بين الفعل والفاعل. إن كذب ابنك فلا تقل له أنت كذاب. حاسبه على كذبه لكن فرق تفرقة واضحة بين الفعل والفاعل، وبين توقيع العقوبة وبين احترامك للمخطئ لا لشيء إلا لأنه إنسان، تقدر ضعفه وفي نفس الوقت تضع في اعتبارك أنه محترم مكرم بغض النظر عن فعله وعن العقوبة التي توقعها عليه. الأطفال عموماً يميلون للتعميم، وهذا شيء مفيد تربوياً لأنك إن علمته مثلاً احترام أمه وأبيه فسيعمم هذا السلوك على كل الكبار، إن علمته الكرم ومشاركة ألعابه مع أخوته فسيعمم هذا السلوك على كل من هم في سنه من أصدقاء وأقارب، الخ، ولكن هذا التعميم يجب الحذر منه خصوصاً عند معاقبة الأطفال. قولك لطفل (أنت كذاب) في موقف معين لن يأخذه على أنه قول مرتبط بالموقف بل كقاعدة عامة تنطبق عليه أبداً، إهانتك له أمام الناس وتصغيرك من شأنه تنمي عنده شعور دائم بالصغار والدونية، وهكذا. كمربي لطفل عليك أن تنمي لديه شعوره بالاحترام بذاته لأنه إنسان وبالتالي عليه أيضاً أن يحترم الآخرين لا لشيء إلا لأنهم بشر. حين مرت جنازة بالرسول عليه الصلاة والسلام قام واقفاً فلما قيل له أنها ليهودي رد بقوله (أليست نفساً؟) النفس في الإسلام في حد ذاتها جديرة بالتكريم لأن الله كرمها، لا أكثر ولا أقل.

على مر التاريخ لم تصدر أفعال التعذيب والقتل والانتهاكات إلا من أولئك الذين يرون فيمن يقتلون ويعذبون أشخاصاً أقل منهم إنسانياً. الأوربيين في محاكم التفتيش، النازيين، الإسرائيليين، الضباط الذين يعذبون المعتقلين في السجون والأقسام، كلهم تتوفر فيهم هذه الصفة بوضوح ساطع كالشمس. هذا هو المفتاح الذي من دونه لا يمكنك أن تقنع إنساناً بأن يعذب إنساناً آخر أو ينتهك عرضه وكرامته، الشخص الذي يفعل هذا لا يؤمن بالقاعدة العامة التي تنادي بأن كل البشر مكرمين، بل يؤمن ان هناك أشخاص مكرمون لأنهم من جنس معين أو من وظيفة معينة أو من عائلة معينة أو دين معين.

الأمر لا يتوقف هنا بل من المعتاد أن يكون هناك من يشعر هو نفسه أمامه بالدونية، شخص أعلي منه في الرتبة أو المنصب أو أرقي منه عرقاً أو أفضل منه وظيفة. هو لم يتربى يوماً على احترام نفسه لأنه إنسان، بل تربي على احترام المنصب أو العرق أو النسب أو الدين وبالتأكيد يوجد على وجه الأرض من هو أرقي منه نسباً أو أعلي منصباً أو أكثر تديناً ليشعر تجاهه بالتبجيل ويشعر تجاه نفسه أمامه بالدونية، يقبل منه التوجيهات والأوامر وربما الإهانات بدون أن يعمل فيها عقل أو ضمير.

من ضمن المفاهيم الأساسية التي تنقص مجتمع العرب والمسلمين اليوم احترام النفس لأنها نفس، فقط لا غير. نحن نحترم المناصب الاجتماعية، نحترم الشهادات الجامعية حتى وإن كانت بدون قيمة علمية حقيقة، نحترم السلطة وسطوة ضابط الشرطة والقاضي، نحترم السلطة السياسية، ويحاول كل منا أن يفني وقته وجهده وماله ليجمع لنفسه أكبر كم ممكن من هذه العوامل ما يسمح له بأن يتعالى على الآخرين من حوله ويشعر لنفسه بقيمة يفتقدها كل من لا يحترم نفسه لا لشيء إلا لأنه إنسان.

نحن نحترم أنفسنا لكل سبب ممكن إلا للسبب الأساسي، لأننا بشر كرمهم الله لا أكثر ولا أقل، وهو الأمر الذي لن تقوم لهم قائمة يوماً بدونه.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية