الأدب فضّلوه عن الإبداع !
مينا جورج
الأدب فضّلوه عن الإبداع !
عزيزي الكاتب أحمد ناجي، أكتب لك رسالتي وأُدرك أنها لن تصلك حيث أنك تقبع الآن في انتظار تنفيذ حكم حبسك عامين كما ورد في المواقع الإخبارية وعلى صفحات بعض الأصدقاء على شبكات التواصل الاجتماعي.. أما بعد،،
ماذا كان يدور برأسك بينما كنت تكتب تلك الرواية التي أوصلتك إلى محبسك؟ هل أصاب عقلك شيئًا من الجنون أو الخبل ! هل وصلت بك الجرأة أن تكتب نصًا إبداعيًا وتسعى لنشر جزء أو فقرة منه في جريدة تهتم بشؤون وأخبار الأدب والكُتاب؟!
عزيزي الكاتب.. أشفق عليك وعلى ما أوصلت نفسك إليه بيديك، فقد تصورت أنك حر بلا قيود وأن حريه الفكر والتعبير متاحة لدينا بوفرة حتى تتجرأ وتصدر تلك الرواية المليئة بالتشبيهات والخيال والصور.. هنا يا عزيزي نُفتش في كل شيء، نُفتش في الحقائب بدعوى محاربة الإرهاب، نفُتش في الهواتف المحمولة بدعوى توسيع دائرة الاشتباه السياسي، نُفتش في الضمائر والقلوب ونشق عن الصدور لنكشف الخونة والمعارضين والمُمولين الذين يتضامنون مع حقوق الإنسان وغيره من الشعارات الجوفاء.
هل تصورت أن أحدًا سوف ينقذك من مصيرك المحتوم؟ ألم تر إسلام البحيري وما حل به؟ لماذا لم تحترم الأخلاق والذوق العام والحياء المجتمعي؟ لقد تسببت في أذى نفسي بالغ الأثر لأحد المواطنين مما أثار حفيظته و ترك حاله ومحتاله وتوجه إلى القسم وحرر ضدك محضر، لقد خدشت الحياء وساهمت في نشر الرذيلة والفُحش من خلال سطور الفصل الخامس من رواية استخدام الحياة المنشور في جريده أخبار الأدب، لن يقف جمبك المُثقفين "النُص كُم" الذين كانوا يملأون الدنيا صراخًا وعويلًا إبان حكم الإخوان، لن ينتصروا لحرية الفكر والإبداع الآن، فالوضع العام لا يُشجع على التضامن مع أحد وانت عارف بقى الحرب على الإرهاب واللي عاملاه في البلد وفينا.
يا ليتك كنت أحد رجال الأعمال الفاسدين الهاربين بمليارات المال العام، وقتها كان سيتم التصالح معك مقابل حفنة من الأموال المسروقة والمُهربة خارج البلاد وترجع ريما لعادتها القديمة، يا ليتك كنت أحد أمناء الشرطة الذين لا يتوانون في إهدار كرامة ودماء المواطن في أي وقت وفي أي مناسبة، وقتها كنت أضمن لك الخروج زي الشعرة من العجين ويا دار ما دخلك شر وكلها يومين والناس تنسى وتتلهي في حاجة جديدة.
عزيزى الكاتب والروائي أحمد ناجي.. لست أنت المقصود بل الخيال، مطلوب القبض على الإبداع والابتكار، مطلوب أن نكون جميعًا بنفس الفكر الركيك والخيال الضحل، مطلوب أن نصبح نُسخ كربونية فنردد كلمات تافهة ساذجة تُملى علينا في القنوات والإعلام يومًا بعد يوم، مطلوب أن نصطف خلف السراب ولا نسأل ولا نستفسر ولا نُعقب، مطلوب أن تكون في نفس مستوى الخيال والإبداع الذي أخرج لنا تماثيل قميئة كالتي نراها ونسخر منها على شبكات التواصل الاجتماعي.
الأمر شديد الأهمية والخطورة، الرِدة التي تشهدها الحريات على كافة المستويات تُنذر بما هو آت، خنق أكثر من هذا سوف يجئ وتضييق أكثر من ذلك سوف يحدث طالما لم يتضامن أصحاب الأقلام والعقول مع بعضهم البعض، أصبح الأمر لا يتعلق بالسياسة والمعارضة فقط بل امتد أيضًا إلى كُتاب الروايات والقصص، الإبداع ليس جريمة يُحاكم عليها البشر، الخيال لا تحتويه أسوار السجون والمُعتقلات، الأحلام سوف تصل للعوام والبسطاء رغم أنف الجميع.
