ستيفن هوكينج: حين يُطفأ الجسد وتُشعل الروح!
مها عمر
ستيفن هوكينج: حين يُطفأ الجسد وتُشعل الروح!
مات الرجل العنيد ستيفن هوكينج. أتوقف قليلا أمام الرجل. وأتأمل كيف يمكن أن يُطفىء الله أكثر من نصف حجرة جسدك، فيُشعل الإنسان روحه. وقبل أن يتطوع أحدهم ليقول أن هوكينج كان ملحدا، وكان له فلسفته في الحياة الخاصة به، فأقول أنني أعرف كل هذا، ولكن الرجل حقا جدير بالتأمل.
يصاب هوكينج بمرض التصلب الجانبي الضموري، وهو مرض الهزال العضلي العصبي المعروف أيضا باسم مرض لو جيريج، وهو مرض يمنع من تحريك عينيه، ومن ثني أصابعه، من القدرة على المشي والحركة، وأعطاه الأطباء بضعة سنوات فقط ليعيش، ولكنه استكمل حياته حتى مات بهدوء وهو في أواخر سبعيناته.
من الصعب فهم فلسفة القدرة على الاستمرار، حين لا تكون قادرًا على تحريك عينيك وقدميك، وحين يبدأ الطعام في الوقوف في حلقك لأنك غير قادر على البلع، وحين لا تستطيع أن تعبر عن محبتك الخالصة بصوتك وقلبك لمن تحب. ربنا هو التشبث، ربما هو الأمل حين لا يكون مكلفًا، ربما محبة المقربين. ولكن مما لا شك فيه أن ما يمكن يساعد على الاستمرار جو عام من الحرية والشفافية والمصداقية واحترام خصوصية الأفراد وطبيعة أمراضهم، وحفظ كرامتهم ومساعدتهم على الاستمرار.
في الفيلم الذي تحدث عن قصة حياة هوكينج والذي استطاع هوكينج أن يراه حيًا، والذي حصل فيه الممثل الشاب المبدع إيدي ريماين عان 2014 على جائزة أوسكار عن أدائه لدوره في فيلم " نظرية كل شيء".
الرجل أحب حياته رغم كل شيء. كتب أهم الكتب عن الفيزياء "تاريخ موجز للوقت: من الانفجار الكبير إلى الثقوب السوداء"، الذي نشر في عام 1988. وقد باع أكثر من 10 ملايين نسخة.
هل حلم يوما بأن يقف وهو يحاضر، وأن يلتقط القلم الذي أوقعته إحدى تلميذاته في أحد محاضراته. هل حلم بنطق بشري أفضل من ذلك الذي كان يخرج من جهاز الحاسوب؟
بالطبع، لا شك. لكن الشيك الذي على بياض الذي يمنحه لنا الله من الحياة، كان واضحا ً فيه على الأقل لهوكينج أنه محدد المدة. أعانه جو أكاديمي حر، وزوجة أحبته لوقت طويل وتحملت مرضه، وزملاء قريبون منه، وشغف بالعلم، وجو سياسي حر.
ستيفن هوكينج أصبح أستاذا جيله في استكشاف قوانين الجاذبية وخصائص الثقوب السوداء، وحفر الجاذبية الأرضية العميقة والكثيفة لدرجة أن الضوء لا يستطيع حتى إن يفلت منها. ميشيل كاكو أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة مدينة نيويورك، يقول عنه في مقابلة: "ليس منذ ألبرت أينشتاين عالمًا حتى استحوذ على الخيال العام وأحبب نفسه لعشرات الملايين من الناس حول العالم".
"أجمل ورقة في تاريخ الفيزياء" هكذا وصف الدكتور دينيس سياما، وهو عالم في علم الكونيات ومستشار أطروحة الدكتور هوكينغ في كامبريدج وهي قصة الثقوب السوداء وعلاقاتها بالكون والطبيعة.
لعل ذلك "الجو" الذي عاشه هوكينج صاحب السبعة وستين عاما، هو الجو المثالي لابتعاث الأمل، فقد سافر كل أنحاء العالم تقريبا حتى قارة أنتارتيكا، وتزوج مرتين، وله ثلاثة من الأبناء. احتفل بعيد ميلاده الستين من خلال صعوده في منطاد الهواء الساخن. وفي نفس الأسبوع، تحطّم أيضًا كرسيه الكهربائي الذي يعمل بالطاقة الكهربائية بينما كان يسرع حول زاوية في كامبريدج، وكسر ساقه.
وتذكر النيويورك تايمز في مقالها عن هوكينج أنه في نيسان / أبريل 2007، بعد بضعة أشهر من عيد ميلاده الخامس والستين، شارك في رحلة دون جاذبية على متن طائرة بوينغ 727 مجهزة بشكل خاص، وهي طائرة مبطنة تحلق في مسار السفينة الدوارة لإنتاج فترات عابرة من انعدام الوزن. كان ذلك بمثابة مقدمة لرحلة كان من المأمول أن يقوم بها مع شركة فيرجن جالاكتيك التابعة لشركة ريتشارد برانسون على متن سفينة الفضاء سبور شيب تو. وأنه عندما سئل عن سبب تعرضه لمثل هذه المخاطر، قال الدكتور هوكينغ: "أريد أن أثبت أن الناس ليسوا محدودين بإعاقات جسدية طالما أنهم ليسوا معاقين في الروح".
وداعا ستيفن هوكينج والعقبى للمكافحين على الأرض.
