رئيس التحرير: عادل صبري 07:59 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

هنعطش؟ ما نعطش !

هنعطش؟ ما نعطش !
09 فبراير 2016

هنعطش؟ ما نعطش !

تامر أبو عرب

(1)

"المواطن يدفع 23 قرشًا إلى 70 قرشًا مقابل خدمة المياه النقية، وهو ما يمثل أقل من ربع تكلفة المياه على الدولة.. على المسؤولين أن يشرحوا للمواطن إن الدولة لا تستطيع الاستمرار في دعم الخدمات بهذا الشكل".


هذا ما قاله الرئيس عبد الفتاح السيسي أثناء افتتاحه عددًا من المشروعات مُلمحًا إلى رفع الدعم عن المياه، وهي سابقة مسجلة باسمه، لأن رؤساء مصر السابقين كانوا يتحدثون أحيانًا عن تخفيض دعم الكهرباء، دعم الوقود، دعم رغيف العيش، لكن أحدًا لم تصل به الجرأة إلى حد التفكير في المساس بدعم المياه !


سيصبح الأمر غريبًا لو انتزعناه من سياقه، لكن لو نظرنا إليه من زاوية أوسع سندرك أنها مجرد حلقة في سلسلة طويلة، فالتلميح لزيادة أسعار المياه سبقه زيادة أسعار الكهرباء والغاز والبنزين والسولار والسجائر والجمارك والضرائب وحتى رسوم الزواج والطلاق صدر قرار جمهوري بزيادتها !


يأتي ذلك كله رغم أن السيسي تعهد بألا يفعل ذلك، في لقائه مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدي في 5 مايو الماضي، عندما كان مرشحًا رئاسيًا، حيث قال: "لو جيت النهاردة اتكلمت في كهرباء بدون دعم مطلق وغاز بدون دعم مطلق، الناس مش هتستحمل، ويجب أن أُغني الناس أولًا، بدل ما ياخدوا ألف يبقى ألف ونص أو ألفين، أنا بتكلم عن كل مواطن، لما المصانع والمزارع تشتغل ويتحرك والناس تاكل عيش، يبقى ممكن أوي الدعم ده نتحرك معاه".


تعهد الرجل بوضوح أنه لن يرفع الدعم عن أي شيء إلا إذا زادت رواتب الناس لتتحمل ذلك الرفع، لكنه وبعد 20 شهرًا فقط قضاها في الرئاسة رفع الدعم عن كل شيء وبقيت الرواتب كما هي، وفي وقت خرجت فيه كل القطاعات تباعًا من الحد الأقصى للأجور، ولم تُفرض الضريبة التصاعدية، وعُلق تطبيق الضريبة الرأسمالية لعامين بعدما رفضها رجال الأعمال، تركزت فيه كل الإجراءات التقشفية على الغلابة ومحدودي الدخل.


إذا أفلس تاجر بحث في دفاتره القديمة، وإذا أفلس نظام وضع يده في جيوب الفقراء.

 

(2)

الأكيد أن النظام في أزمة حقيقية، لكن الأكيد أننا لسنا السبب فيها، والأكيد أيضًا أننا أول من ندفع ثمن رهاناته الخاسرة.


اتخذ السيسي قرار الترشح للرئاسة مدفوعًا بيقين تام أن دول الخليج ستقدم له دعمًا ماليًا يكفي لحل مشاكله الاقتصادية، قال ذلك بوضوح في الجزء الثاني من حواره مع إبراهيم عيسى ولميس الحديدي: "ما قُدم لمصر من مساعدات خليجية كثير وما سيقدم لمصر مهم وقد يكون كثيرًا.. أنا واثق".


لكن يقين المرشح الرئاسي اصطدم بعدما أصبح رئيسًا بأزمة اقتصادية ومتغيرات إقليمية طالت دول الخليج نفسها وجعلتها تتصرف في أموالها بحساب، وفي المقابل لم يكن نظام السيسي يملك خطة بديلة تمكنه من التصرف في حالة عدم ورود العطايا الخليجية، ومن هنا جاء التخبط والارتباك.


مؤتمر اقتصادي، فقناة سويس جديدة زادت الأعباء بدلًا من أن تعظم الموارد، فمليون وحدة سكنية، فعاصمة جديدة، فمشروعات قومية اسمًا وهمية فعلًا، خطوات مضطربة لحكم عاجز عن إيجاد حلول، رافض سماع أي صوت سواه.


نظام يسعى لجذب الاستثمارات والسياحة لكنه يوفر مناخًا طاردًا للاستثمار مروّعًا للسياح، فأي مستثمر يرى برامج التوك شو وهي تتحدث عن المؤامرات الكونية على مصر والإرهابيين المنتشرين في كل مكان، ثم يفكر في الاستثمار بها يجب الكشف على قواه العقلية، وأي سائح يفكر في المجئ إلى مصر في ظل رفع شعار "كل أشقر جاسوس إلى أن يثبت العكس" وفي ظل قصف السياح بالأباتشي تارة وتعذيبهم وقتلهم تارة وجرجرتهم إلى القسم ببلاغ من المواطنين الشرفاء تارة ثالثة، هو يخاطر فعلًا بسلامته الشخصية.


الأزمة أن هؤلاء المتهمين دومًا بالعمالة والخيانة كانوا أول من حذر من هذه الخطوات وتلك المشروعات وذلك الخطاب لكن أحدًا لم ينتبه، لذلك علينا أن ندفع جميعًا الآن في صمت.

 

(3)

المؤشرات الاقتصادية كلها تؤكد أننا مقبلون على كارثة، المؤيدون قبل المعارضين يرون ذلك، لكن النظام ما زال يرى أن ذلك كله لا يهم، المهم نبقى كدة !


يدرك القادة العسكريون – الذين خاضوا حروبًا في السابق لا من بدأوا مسيرتهم بعد توقيع اتفاقية السلام – أن الانتصار لا يأتي بالحماس والصبر وحده، هي بالطبع عوامل مهمة، لكن يجب أن يقترن بها الإمكانيات والأدوات والعقول والموارد والتفكير العلمي، ربما تحقق الانتصار على جيش يفوقك عددًا وتسليحك، لكن أحدًا لم يحقق النصر من قبل دون سلاح !


نحن الآن أمام اقتصاد متهالك، واحتياطي نقدي متآكل، ودخل سياحي يقترب من الصفر، وحتى إيرادات قناة السويس تحقق تراجعًا ملحوظًا، فإما أن يصدق النظام أن ما يحدث له الآن سوء حظ أو غباء من الآخرين ويواصل سياساته ويكمل طريقه إلى القاع، وإما أن يصدق أن الأوطان لا تُبنى من جيوب الغلابة.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية