لا شيء يُضحك في المسرحية
تامر أبو عرب
لا شيء يُضحك في المسرحية
(1)
أجلس أمام التليفزيون لمتابعة ما سيحدث في الجلسة الأولى للبرلمان، لا يعنيني أمره ولا أشعر بأن شيئًا في هذا النظام يخصني أصلًا، هو برلمانهم ورئاستهم وحكومتهم لتحقيق أهدافهم والدفاع عن سلطتهم ومكاسبهم، لكنها الرغبة في الضحك، ففي غياب الكوميديا والسخرية غير الحكومية أصبحت السياسة بشكلها الحالي هي القادرة وحدها على انتزاع الضحكات.
بدأت الجلسة، مرت فرص كثيرة للضحك، نائب يقرأ اليمين الدستورية وكأنه لم يحضر أي درس لغة عربية في المدرسة، ونائب يحلف بالطلاق أنه لن يعيد القسم ثم يعيده، وثالث ينسى أن المايك الموجود أمامه مفتوح ويسخر من رئيس البرلمان ونوابه، ورابع يقف أمام الكاميرا ويشير لأسرته، وآخرون يتزاحمون وسط المجلس حاملين تليفوناتهم لأنها "الحتة اللي فيها شبكة"، لكنني بعد كل هذا لم أضحك.
فإذا ضحكنا على ما يحدث في البرلمان سيكون الضحك على خيبتنا نحن، نحن من تركنا فراغًا لهؤلاء يملأوه، نحن من رفعناهم بأخطائنا وأوصلناهم إلى هذا المكان بوقوعنا في الفخاخ تباعًا، نحن حتى لا نملك خطة أو تصور متكامل نخرج به إذا حُل المجلس أو سقط النظام غدًا.
وإذا ضحكنا على ما يحدث في البرلمان فمن في البرلمان أيضًا يضحكون علينا لأننا لم نعد نملك سوى الضحك عليهم، هذا وزير سابق في عصر مبارك يترشح للبرلمان فيفوز من الجولة الأولى ثم يترشح لرئاسة البرلمان ويحل في المرتبة الثانية، وذلك جعجاع لم يعد في حاجة لنفاق 25 يناير وادعاء المشاركة فيها وأصبح يقول بعلو صوته أنه "مش طايق سيرتها"، ويرفض أداء قسم على احترام دستور يعتبرها ثورة شعبية، وذاك نائب سابق يضحك بشدة على ثورة طالبت بعزله سياسيًا والآن هو في البرلمان وشباب الثورة هم المعزولون سياسيًا.
نعم هي مسرحية، ونعم كل فصل فيها يدعو للضحك، لكن الوجوم كان سيد الموقف، وما ظننته سيدعو للضحك دعا للاكتئاب.
(2)
سيطر الغضب على الجميع بعدما أسفرت عنه الانتخابات البرلمانية في 2010، فالانتخابات التي أشرف عليها موظفون في المحليات وأعضاء في الحزب الوطني تم تزويرها بالكامل لصالح مرشحي الحزب، وتم إقصاء المعارضين وفق الخطة التي وضعها أحمد عز وقتها لعدم تكرار إزعاج برلمان 2005، وكان هذا كله حطبًا أضيف إلى نار الغضب من نظام مبارك فزادها اشتعالًا، حتى انتهى الأمر بثورة عارمة اقتلعت نظامه.
مكان كل نائب في برلمان 2016 كان هناك نائب آخر قبل 6 سنوات يضحك ويقهقه ويصفق بشدة لمبارك عندما قال في كلمته لمن يرفضون نتائج الانتخابات: "خليهم يتسلوا"، ولم يحفظ ذلك مقعده لأكثر من شهرين.
سيطر الإخوان على الأغلبية في برلمان 2012، ظن الجميع أن الأمور في أول برلمان بعد الثورة ستختلف تمامًا عما كانت عليه في آخر انتخابات قبلها، وأن أي فصيل لن يغتر بأغلبيته مجددًا لكن الإخوان لم يفعلوا، استغلوا أغلبيتهم في التشويش على معارضيهم وتثبيت أركان حكمهم لا في تحقيق أهداف الثورة، فرحوا باقتراب التمكين وتعجلوا جمع الغنائم فكانت النتيجة حكم بحل البرلمان لم يخرج لرفضه أحد من الملايين التي شاركت في انتخابه لأنهم رأوا منه ما لا يرضيهم.
مكان كل نائب في برلمان 2016 كان هناك نائب آخر قبل 4 سنوات يصفق بشدة حتى لا يسمع أحدًا كلام المعارضين، أو يحاول خطف الخرطوش من زميل له حتى يبرئ الداخلية، أو يصفق لمصطفى بكري وهو يسب البرادعي، ولم يحفظ كل ذلك مقعده لأكثر من 4 أشهر.
دائمًا كانت البرلمانات هي المسمار الأخير في نعوش الأنظمة المغرورة بقوتها، وفي كل مرة كنت أظن أن نظام الحكم الجديد سيتعلم ممن سبقه ويتجنب تكرار محاولة إخضاع البرلمان، لكن أينشتاين يعرّف الغباء على أنه "فعل نفس الشئ مرتين بنفس الأسلوب ونفس الخطوات مع انتظار نتائج مختلفة".
(3)
بالطبع ليست هذه النهاية، هناك مياه أخرى كثيرة ستجري في النهر، وأحداث أكثر ستتلاحق وتتتابع، وحمم جديدة ستخرج من رحم بركان حسبوه أصبح خاملًا.
دعك من كل حملات النفخ والتأليه والمبايعة، لا تحسبها دليلًا على استقرار الأوضاع بمن يحكم، فقديما قال نابليون "إن الديكتاتور هو الحاكم الذي يبدو أنه حائز لثقة الأمة وتأييد الرأي العام حتى قبل سقوطه بدقائق".
من تابع الجلسة الأولى سيدرك أن هذا العبث ما له أن يستمر، هذه سنة كونية وحقيقة تاريخية وفرضية أثبتها الماضي القريب، أرادوه برلمانًا فائقًا في فجاجته وها قد حدث، لكن الفجاجة سلاح ذو حدين، أحيانا تخيف خصمك وتدفعه للصمت واليأس، وغالبا تنقلب عليك وتصبح المسمار الأخير في نعشك.
عن نفسي سأشاهد جلسات البرلمان أولًا بأول، لكنني لن أشاهدها لأضحك، بل لأتعلم كيف تقتل الدببة أصحابها.
