رئيس التحرير: عادل صبري 12:33 مساءً | الثلاثاء 23 أبريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

من يحمي الحمى؟.. صفحات "مقطوعة" من تاريخ تيران وصنافير

من يحمي الحمى؟.. صفحات
12 أبريل 2016

من يحمي الحمى؟.. صفحات "مقطوعة" من تاريخ تيران وصنافير

تامر أبو عرب

من يحمي الحمى؟.. صفحات "مقطوعة" من تاريخ تيران وصنافير

"فقد بدا أن السياسة المصرية استقرت على خيار يعطى للملك "سعود" مهمة مواصلة بحث هذه القضية مع الإدارة الأمريكية، وكان هو أكثر المتحمسين لهذا الخيار على أساس عدة اعتبارات أولها: أن جزر صنافير وتيران التى كانت مصر تمارس منها سلطة التعرض للملاحة الإسرائيلية فى الخليج، هى جزر سعودية جرى وضعها تحت تصرف مصر بترتيب خاص بين القاهرة والرياض".


هذه الفقرة من كتاب "سنوات الغليان" للكاتب الراحل محمد حسنين هيكل هي التي يستند إليها كثيرون لإثبات ملكية السعودية للجزيرتين، رغم أن ما قاله "هيكل" في كتابه لا يعدو كونه "جملة على الهامش" في معرض تفسيره لاستعانة مصر بالملك سعود في إثارة مسألة خليج العقبة مع الرئيس الأمريكي أيزنهاور، ولا يمكن الاعتماد عليه كوثيقة تاريخية يعتد بها في حسم ملكية الجزيرتين.
 

غير أن الانتقاء مأساة أخرى، فالإعلام المصري الذي تطوع بإجهاد نفسه للوصول إلى أي سطر في كتاب أو مقال يثبت ملكية دولة أخرى لقطعة من أرضه يسيطر عليها منذ قرابة السبعة عقود – على أقل تقدير – لم يلتفت لسطور في كتب أخرى، وأحيانا في نفس الكتب التي استشهد بها، تؤكد أن لمصر الحق في الجزيرتين.


لذلك سنحاول هنا الإشارة إلى الجانب الآخر من الصورة الذي يتجاهله الإعلام والسياسيون والكتاب الذين يحملون الجنسية المصرية لأسباب لا نعلمها.


***


البداية مع الاتفاق المزعوم بين مصر والسعودية على احتلال الجزيرتين عام 1950 لاستخدامهما في الحرب مع إسرائيل، والتي طالب كثيرون الحكومتين المصرية والسعودية بنشر أوراقه على العلن لكن الحكومتين تماطلان وتكتفيان بوثائق هزلية كمراسلات بين وزيرين أو سطر في مقال أو فقرة في كتاب، والسبب بسيط، أنه لا اتفاق أصلا.


في أواخر 2011 ظهرت وثائق أمريكية تمت إزالة السرية عنها طبقا لقانون حرية المعلومات لتكشف أن (إسرائيل احتلت مضائق تيران التابعة لأرض الجزيرة العربية "السعودية"، في ٤ نوفمبر ١٩٥٦ ومنها وصلت إلى قناة السويس، وكان هناك خلاف بين مصر والسعودية بشأن ملكية هذه الجزر، إلا أنه بعد أن احتلتها إسرائيل بدا الأمر وكأنه لا يعني آل سعود، وتركوا مصر تفاوض بشأنها).


نحن إذًا أمام خلاف على ملكية الجزر بين مصر والسعودية عام 1956، لا يوجد حسم بشأن ملكية الجزيرتين لأي من الدولتين، ولا حتى اتفاق على الإدارة أو التأجير، بل هناك تخاذل واضح من جانب المملكة في حماية جزء تحاول إثبات ملكيتها له، فعندما احتلتها إسرائيل لم تُظهر السعودية أي رد فعل وتركت لمصر إدارة الحرب والتفاوض عليها بعد ذلك رغم الموقع الخطير الذي تشغله الجزيرتان، في حين دخلت حكومة السعودية نزاعاً داميا مع اليمن على بعض الجزر المُرجانية الصغيرة من بينها جزيرة فرسان، مع أنها لاتقع على أي منفذ بحري.


لكن متى وضعت مصر يديها بشكل كامل على الجزيرتين و"تيران" تحديدا، حدث ذلك يوم 20 مايو 1967، وكان لذلك قصة يكشفها محضر اجتماع شمس بدران، وزير حربية مصر وقتها، مع ألكسي كوسيغين، رئيس وزراء الاتحاد السوفيتي في 26 مايو 1967، والذي نشره وزير الحربية الأسبق أمين هويدي صورة منه في مذكراته "50 عاما من العواصف".


قال بدران للمسؤول السوفيتي: "منطقة خليج العقبة كان بها قوات دولية، وعندما انسحبت أصبحت المنطقة خالية، وللضرورة العسكرية تحتم علينا سرعة احتلال مواقعنا وإلا احتلتها إسرائيل، وتم احتلالها بالكامل يوم 20 مايو وأصبحت مستعدة لمواجهة أي هجوم، ومن 23 مايو أعلنا غلق الملاحة بعد أن تم تدعيم مواقع شرم الشيخ بالأسلحة القادرة على منع السفن من المرور"


وفي موضع مختلف من محضر الاجتماع نفسه قال شمس بدران: "عندما بدأت التحركات العسكرية كانت الإذاعات العميلة في الأردن والسعودية وإسرائيل تصف تحركاتنا قبل إغلاق الخليج بأنها عملية مسرحية وأنها مؤامرة شيوعية مرتبطة بموسكو. يريد الرئيس عبد الناصر أن يبلغكم أننا نقف الآن في مواجهة مع أمريكا، فقد أعلن جونسون أن غلق خليج العقبة عمل غير شرعي يشكل تهديدا خطيرا للسلام، والرئيس يقول لكم لا تخشوا علينا شيئا، فكل الجهود والسنوات الطوال التي عملت فيها أمريكا على تدعيم النظم الرجعية في السعودية والأردن قد باءت بالفشل وأصبحت هذه الحكومات مكشوفة لشعوبها وشعوب المنطقة".


نفس المعنى عبر عنه المشير عبد الحكيم عامر في الجلسة التي حضرها مع الرئيس جمال عبد الناصر والملك حسين ملك الأردن في قصر القبة ونشر "هيكل" محضر الجلسة في كتابه "الانفجار"، حيث تطرق الحوار لموضوع الموقف السعودي المتخاذل في قضية خليج العقبة، فسارع عامر بالقول: "إن السعودية لم تتخذ أي موقف إيجابي في موضوع قفل الخليج مع أن جزر تيران (في الأصل) سعودية".


هذا الكلام يجعل الرواية التي تروج لكون سيطرة مصر على تيران ثمرة للتعاون "السعودي – المصري" في مواجهة إسرائيل محل شك، ويجعل حديث جابر نصار عن أن السعودية هي حامية الحمى التي تذود عن العباد والعباد محل مراجعة، لأن أصحاب قرار الحرب وقتها كانوا يضعون النظام الحاكم في السعودية وقتها في جملة واحدة مع إسرائيل.


غير أن هناك واقعة أكثر بؤسًا من ذلك كله، ففي شهر أبريل 1968 قدم الملك فيصل شكوى للولايات المتحدة، أعرب فيصل في الشكوى عن قلقه من أن تكون جزيرة صنافير هي الأخرى معرضة للاحتلال من قبل إسرائيل، فاستقبلت الولايات المتحدة الشكوى بذهول، وردت عليه بأن "الجزيرة محتلة أصلا منذ يونيو 1967"!


الجزيرة التي تقول السعودية إنها تملكها بقيت محتلة لعشرة شهور دون أن تعرف حكومة المملكة!.


***


"إن الطبيعة قسمت خليج العقبة بوجود جزيرتي تيران وصنافرة (صنافير) بالقرب من الشاطئ المصري والصالح للملاحة عند شرم الشيخ، أما الناحية الأخرى، ناحية الشاطئ السعودي فرغم هدوء الخليج النسبي فإن ضحالة مياهه تعوق الملاحة فيه لأنواع كثيرة من السفن، والمسافة القريبة بين جزيرة تيران وشرم الشيخ تجعل من اليسير إصابة أي سفينة تحاول مرور المضيق بالنيران المباشرة للمدفعية".


هذه الفقرة فيها من المعلومات ما يكشف ضمنيا عن أحقية مصر بالجزيرتين ويفند لذلك حتى ولو من دون قصد، اللافت أن هذه الفقرة لم ترد على موقع الهيئة العامة للاستعلامات في سياق حديثها عن الأراضي المصرية مثلا، لكنها جاءت على موقع "موسوعة مقاتل" التي يرأس تحريرها الأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز وزير الدفاع السعودي السابق.


ولو كان هذا يثبت حق مصر في الجزيرتين بالجغرافيا بحكم قربها من سواحلها، فإن فقرة أخرى على الموقع نفسه تثبت حق مصر فيهما بالتاريخ، إذ قال الموقع في سياق عرضه لاستيلاء العدو الصهيوني على شرم الشيخ في 1967: "ووقعت المجموعة الأولى من الأسرى في هذه المنطقة على يد البحرية الإسرائيلية، إذ تم أسر 33 جنديا من الكوماندوز المصريين الذين كانوا يسيطرون على جزيرة تيران ومعهم أسلحتهم".


لا ذكر إذن للسعودية في أي شيء يخص جزيرتي تيران وصنافير حتى على المواقع السعودية، بخلاف فقرة على الموقع نفسه تقول إن "مصر قامت باستئجار جزيرتي ثيران وصنافير من السعودية لتصبح مياه مدخل الخليج مصرية خالصة يحق لها السيطرة البحرية عليها، وبمجرد أن اكتسبت مصر هذا الحق القانوني قامت بقفل الخليج في وجه الملاحة الإسرائيلية، واكتسبت منطقة شرم الشيخ تبعا لذلك أهمية سياسية وعسكرية كبيرة".


والواقع أن هذه الفقرة رغم إشارتها لتبعية الجزيرتين الاسمية للسعودية إلا أنها تنفي ما يقوله الإعلام المصري بأن السعودية تركت لمصر الإدارة، فالفارق بين المصطلحين كبير، الاستئجار يعني بسط السيادة المصرية على المنطقة طوال مدة الاستئجار، أما الإدارة فهي تُبقي السيادة سعودية.


الغريب أن حتى هذا السيناريو تم تفنيده لصالح مصر وللمصادفة فقد كان ذلك في وسيلة إعلام سعودية أيضا، حيث نشر موقع "العربية. نت" تقريرا في 14 مايو 2007 عن مشروع الجسر بين مصر والسعودية الذي أعيد طرحه الآن، وتحدث الموقع مع المستشار حسن أحمد عمر، خبير القانون الدولي، فقال:

"إسرائيل قد تعارض الجسر متعللة بالمادة 5 من اتفاقية السلام مع مصر والتي تقول إن مصر وإسرائيل تعتبران مضيق تيران وخليج العقبة ممران دوليان يسمح منهما بالمرور العابر لجميع دول العالم، ولكن هذا النص عدلته مصر عام 1982 بموجب اتفاقية قانون البحار الذي قال إن الخلجان والمضايق التي لها اتفاقيات تنظمها يزيد عمرها علي 100 عام يسري العمل بها، أما الاتفاقيات الأقل من 100 عام فلا يتم الاعتداد بها، ولهذا فان نص المادة الخامسة من اتفاقية السلام لا يتم الاعتداد بها بشأن مضيق تيران وخليج العقبة، وإنما يحكم سريان السفن في هذه المنطقة اتفاقية القسطنطينية (التي تعتبر المضيق والخليج مياها داخلية مصرية)".

***

في كتابها "جمال عبد الناصر.. الأوراق الخاصة" نشرت الدكتورة هدى عبد الناصر وثائق مهمة تكشف خطة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، حيث اتفقت الدول الغازية على أنه "في حالة رفض الحكومة المصرية شروط الانذار الموجه لها، ستقوم القوات الأنجلو- فرنسية بعمليات عسكرية ضد القوات المصرية في الساعات الأولى من صباح 31 أكتوبر، فيما سترسل الحكومة الإسرائيلية قوات لتحتل الشاطئ الغربي لخليج العقبة ومجموعة الجزر تيران وصنافير.


كان العدوان الثلاثي تحديدا مرتكزا على مصر عقابا لها على تأميم قناة السويس، ولم تضرب الدول الثلاثة أي قطعة أرض غير مصرية في هذه الحرب بخلاف نكسة 1967، كما لما تكشف الرسائل المتبادلة بين الملك سعود والرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور بين فبراير ومايو 1957 أي ذكر لمسألة ملكية السعودية للجزيرتين، برغم أنها جميعها كانت مخصصة لمسألة الملاحة في خليج العقبة، وبالمناسبة، هذه الخطابات منشورة أيضا في كتاب "سنوات الغليان" الذي تستشهد به الصحف المصرية لإثبات ملكية السعودية لهما.


فيما لم يظهر الجميع (حكومة مصر/ حكومة السعودية/ الإعلام المصري والسعودي) أي ورقة توثق للاتفاق المزمع بين مصر والسعودية على إدارة القاهرة للجزيرتين، ولم تظهر أيضا أي خريطة معتمدة في أي مرحلة تثبت الملكية السعودية، على العكس، كل الأوراق والوثائق المصرية والسعودية فضلا عن اتفاقية القسطنطينية واتفاقية السلام مع إسرائيل تتعامل مع ملكية مصر للجزيرتين ولمضيق تيران باعتبارها من المسلمات.


كذلك لم تعتبر السعودية في أي مرحلة أن لديها أرضا محتلة، ولم تعتبر نفسها من دول المواجهة مع إسرائيل، رغم أن مساحة الجزيرتين تتجاوز ثلاثة أضعاف مزارع شبعا اللبنانية، وحتى عندما تفاوضت مصر على الجزيرتين في اتفاقية السلام، ومعروف أن السعودية كانت تعارض الاتفاقية بشدة وقاطعت مصر من أجلها، لم ترفض المملكة وضع الجزيرتين ضمن "المنطقة ج" كأرض مصرية، ولم تطلب من مصر عدم التفاوض عليهما حتى في أشد أوقات الخصومة بين البلدين والتي وصلت لنقل جامعة الدول العربية من القاهرة.


***


الخرائط تتغير وتتبدل، لكن الأرض لا تشرب الدماء.


تيران وصنافير مصريتان، بحكم الجغرافيا هما أقرب لمصر، وبحكم التاريخ كانتا شاهدا على كل أحداث مصر في العصر الحديث وطرفا في كل حروبها، وبحكم الدم نحن من قدمنا لحمايتها الشهداء فيما فوجئ غيرنا بأنها محتلة بعد احتلالها بـ10 شهور، وبحكم السياسة نحن من تفاوضنا عليها وقدمنا لأجلها تنازلات ندفع ثمنها إلى الآن، وبحكم الكرامة لا يصح أن يحرس أبناؤنا أرضا غريبة مقابل المال، وبحكم المنطق لم نر إلى الآن وثيقة واحدة تقطع بملكيتها للسعودية، فكل سطر في كتاب مردود عليه بسطر آخر، وكل تصريح ينقضه تصريح آخر، لذلك يجب أن يبق الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر إظهار وثائقه.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية