رئيس التحرير: عادل صبري 02:02 صباحاً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

لفتة إنسانية في مترو الأنفاق

لفتة إنسانية في مترو الأنفاق
30 سبتمبر 2014

لفتة إنسانية في مترو الأنفاق

إسماعيل الاسكندراني

لفتة إنسانية في مترو الأنفاق

لم أصدق أذني وأنا أستمع للإذاعة الداخلية في محطة مترو أنفاق "معرض القاهرة" بشارع صلاح سالم، على الخط الثالث الجديد الأنيق، وهي تعلن بصوت نسائي أنه "في لفتة إنسانية، قررت الهيئة القومية للأنفاق تخصيص عدد من المقاعد لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.."

وبغضّ النظر عن الخطأ الشائع في وصف الأشخاص ذوي الإعاقة بأنهم ذوو احتياجات خاصة، وهي كلمة غير معبرة وغير دقيقة حيث إن الموهوبين ذوو احتياجات خاصة وكذلك المرضى من غير ذوي الإعاقة، فإن ما استوقفني هي كلمة "اللفتة الإنسانية"!

 انتقلت ذاكرتي فوراً لتجربتي مع مترو الأنفاق في واشنطن العاصمة، الذي لا يكمن الفرق بينه وبين نظيره في القاهرة في التجهيزات الفنية أو التكنولوجيا أو شيء من هذا القبيل. العكس هو الصحيح، لأن الخط الثالث الجديد من مترو الأنفاق يجري إنشاؤه وفقاً لأحدث التقنيات المتاحة في أوروبا، والتي هي أحدث بكل تأكيد من مترو أنفاق واشنطن. لكنّ المفارقة في مترو واشنطن أنك ترى ذوي الإعاقة، مهما كان نوع إعاقتهم، يتحركون فيه بكل سلاسة ويسر، وبكل أمان واستقلال أيضاً.

فلأصحاب الإعاقات الحركية تجهيزاتهم المكفولة بقوة القانون، فالمصاعد الكهربية المتعددة تعمل في المحطات كلها بحيث تيسّر عليهم الدخول والخروج من الرصيف الخارجي حتى باب عربة القطار، والعكس بالعكس. كما أن حافة الرصيف تقترب من أرضية عربة القطار في المستوى الأفقي ذاته فتدخل وتخرج الكراسي المتحركة بكل سهولة. ولأن الكراسي المتحركة لديهم مزودة ببطاريات كهربية وجهاز تحكم بالأصابع، فإنه من المعتاد أن ترى معاقاً أو معاقة يستقلون مترو الأنفاق وحدهم دون أدنى مساعدة.

ليس في مترو الأنفاق لديهم "كمساري" أو قاطع تذاكر، وإنما بطاقات ذكية تدعى (Smart Trip) يتم شحنها مغناطيسياً باستخدام البطاقات البنكية أو النقود السائلة. تتم هذه العملية عبر ماكينات مصفوفة في مداخل المحطات، ويستحيل ألا تجد فيها تسهيلاً خاصاً للمعاقين بحيث يستطيعون إجراء المعاملة على ارتفاع منخفض عن مستوى البالغين الأصحاء. تتم معاملة الدراجات الهوائية التي يركبها الأصحاء بدنيًا مثل الكراسي المتحركة لذوي الإعاقة الحركية، فكم من مرة دخلت إلى المترو بالدراجة عبر المصعد الكهربي، ثم عبر بوابة التذاكر العريضة التي تسمح بدخول الكراسي المتحركة بكل سلاسة، وأخيراً دلفت إلى عربة القطار من الباب الأوسط المخطط لذوي الكراسي المتحركة وذوي الدراجات.

أما ذوو الإعاقة البصرية فحقوقهم محفوظة بالإرشادات الصوتية داخل المحطة مع وصول كل قطار، كما داخل القطار؛ قبل الوصول إلى المحطة، وقبل فتح الباب، وقبل إغلاقه، وأثناء إغلاقه. ولأن من حقوق ذوي الإعاقة أن يتم تمكينهم من الحركة المستقلة، فإن حافة رصيف المحطة يجب أن تكون خشنة ومميزة عن سائر أرضية الرصيف كي ينتبه إليها ذوو الإعاقة البصرية الراكبون وحدهم بلا مرافق. وبالإضافة إلى كل ذلك، فإن مترو الأنفاق، كما سائر مرافق المدينة كافة، ملزمة بطباعة الحروف بارزة بطريقة "برايل" على الخدمات كلها، فلا تستغرب إذا رأيت كفيفاً يشحن بطاقته وحده مستخدماً بطاقة البنك، أو يركب المصعد وحده، أو يتم جميع معاملاته ويستخدم المرافق وحده.

أعرف أن المقارنة الشاملة بين واشنطن والقاهرة ليست عادلة، لكني أحصر المقارنة وأقصرها على مشروع مترو الأنفاق الجديد، الذي تعاقدت عليه الحكومة مع شركة تنفذه وفقاً لمعايير الجودة والإتاحة accessibility. لا أقارن الشوارع والرصفان والمنشآت والخدمات بين المدينتين، وإنما أقارن مشروعاً جديداً يقام بأسعار السوق العالمية وفق المعايير الإنشائية العالمية. وعلى الرغم من العبث الذي دفع هيئة تشغيل المترو إلى إزالة صناديق القمامة كلها من المحطات كافة بدعوى الوقاية من العبوات الناسفة الإرهابية، إلا أنني يمكن أن أعتبرها فترة انتقالية حتى يتسنّى لها استبدالها بصناديق من الأسلاك الكاشفة لمحتواها. أريد فقط أن يخبرني أحد صانعي "اللفتة الإنسانية" عن مصير ذوي الإعاقة قبل ركوبهم عربات القطار وبعد نزولهم منها! لماذا تعطل الهيئة المصاعد الكهربية التي تم تركيبها في محطات الخط الثالث؟ ولماذا لم يصمموا بوابة تذاكر عريضة عند كل مدخل للتسهيل على ذوي الكراسي المتحركة؟ وما هو بديل السلالم الكهربية حين تتعطل؟ وأين خدمة دورة المياه للأصحاء ولذوي الإعاقة سوياً؟!

الهيئة القومية للأنفاق في مصر تمن على ركابها بــ "لفتة إنسانية" تتلخص في تخصيص عدد من الكراسي في كل عربة لذوي الإعاقة وكبار السن، مع إهدار حقوقهم الباقية كافة. أما هيئة مترو أنفاق واشنطن العاصمة فإنها تقدم حقوق الركاب في وثيقة منشورة على موقعها على الإنترنت بثمانية لغات، منها اللغة العربية، ولا تجرؤ أن تسمّي حقوق الركاب "لفتة إنسانية". وبالنسبة لي كإنسان استخدم الخدمة في كل من القاهرة وواشنطن فإني أدرك، بكل وضوح وبساطة، الفارق بين دولة الحقوق وجمهورية المنح و"العلاوة يا ريس".

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية