
طرحتك القصيرة سبب تأخير النصر
إسماعيل الاسكندراني
طرحتك القصيرة سبب تأخير النصر
كنت أنفعل وأغضب حينما يخاطبني أحدهم بصيغة الجمع متهماً إيــّـانا – ولا أدري على وجه الدقة مع من يصنفني – بأننا سبب ما نحن فيه. أحياناً أكون – أو بالأحرى "نكون" – من خربنا البلد، وأحياناً أجد نفسي مصنفاً ضمن المسؤولين عن الانقلاب العسكري وعن المجازر والمذابح. كنت أهتم بهذه الاتهامات وآخذها على محمل شخصي جاد وأرد عليها دفاعاً وهجوماً، حتى جمعني لقاء عائلي بإحدى صديقات أسرتي وتجاذبنا أطراف الحديث..
ذكرت الصديقة جانبا من تطفلات الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والمواعظ السمجة التي يوجهونها لمن لا يعرفون بشكل شخصي، وكيف أن كثيراً من الكائنات التي تشاركنا الحياة على هذا الكوكب تعطي لأنفسها الحق في توجيه النصائح التي قد تحمل في طياتها توبيخاً وتقريعاً على سلوكيات شخصية لا تخصهم ولا تخص آباءهم ولا أمهاتهم. أحدهم يرسل رسالة ناصحاً إياها بعدم مشاركة الأغاني ذات الموسيقا لاعتقاده أنها مخالفة لتعليمات الإسلام، والآخر ينصحها بعدم نشر صورها وعدم الاختلاط مع الذكور، والثالث يتهمها في نيتها حين تشارك جانباً من أعمالها الخيرية على سبيل الشفافية مع المتبرعين ودعوة غيرهم للتبرع لأعمال خيرية أخرى. حاولت أن أشرح لها كيف يبدع الذكر المصري في "الحك"، وكيف أن الخيال المريض قد يصور لصاحبه أنه بممارسته هذه الوصاية التطفلية قد يكون حالماً بأنها ستعتبر إقحام أنفه فيما لا يعنيه اهتماماً خاصاً بها فيثير إعجابها، ثم ينطلق سيناريو خياله الجامح فوق جواد أبيض إلى أرض الأوهام ..
تعجبت وضحكت هي وزوجتي من خيال "الحكّاكين"، لكني لم أبتسم لمعرفتي بهم وكيف يفكرون، ثم كانت الصدمة حين أخبرتني الصديقة بالرسالة التي وصلتها من إحدى معارفها الفيسبوكيين أثناء اعتصام رابعة العدوية تخبرها بكل حزم ويقين أن "طرحتها القصيرة سبب تأخير النصر"!
الصديقة ليست ربعاوية، ولكنها متضامنة مع الضحايا الأبرياء مثلنا، وحتى إذا كانت ربعاوية فما علاقة طرحتها القصيرة، التي ينطبق عليها شروط الحجاب المتداولة والسائدة بالمناسبة، بتأخر ما تراه "الأخت" الربعاوية نصراً مؤزراً؟!
عدت بذاكرتي إلى ربيع 2003، حين كنت لا أزال في دوائر مؤيدي الإخوان، وحين كانت جموع المصلين في المساجد تبتهل إلى الله أن ينصر العراق على الغزو الأمريكي الغاشم. وأذكر أنه لما سقطت بغداد شاع في أوساط الإخوان لوم كل فرد لنفسه قائلاً "لقد سقطت بذنبي أنا"، سقطت بغداد حينما ارتكبت تلك الخطيئة أو ذاك الذنب. تأملت في ذلك الارتباط غير العقلاني بين سقوط عاصمة الدولة العربية الوحيدة التي اقتربت من امتلاك سلاح نووي وبين شاب أعزب بلغ به الشبق أن شاهد فيلماً فاضحاً واستمنى عليه، كيف يكون ذلك الذنب التافه سبب تلك الكارثة التي أودت بحياة مئات الآلاف ودمرت مستقبل الملايين وغيرت شكل خريطة المنطقة؟!
لا يستوقفني تباهي الربعاوية في مصر بتأييد بعض غير المحجبات، بل غير المسلمين، ومدى التناقض بين التفاخر العلني وبين خطابهم الداخلي الذي يرى الذنوب سبباً في تأخير النصر، ومن ذلك بالتأكيد كشف شعر المرأة وذراعيها، كما أنه ليس بعد الكفر (عدم الإسلام) ذنب. المفارقة الحقيقية رأيتها متجسدة في صورة لافتة رفعها الحزب الإسلامي في العراق (الإخوان المسلمون) في رمضان عام 2007 تحت الاحتلال الأمريكي قائلين بكل عبثية "ننتصر على الأمريكان بالتوبة في رمضان". رُفعت اللافتة في سياق مشاركتهم في الانتخابات تحت الاحتلال، ورفضاً لمزايدة التيارات الجهادية التي اختارات الكفاح المسلح ضد المحتل، فهم بتلك اللافتة ليسوا أقل تديّناً من الجهاديين!
رجعت إلى واقعنا المصري المرير، فوجدت الأمر يتجاوز التراشق "الفيسبوكي" و"التويتري"، فكل طرف يتهم الآخرين بدون أدنى قدر من العقلانية باتهامات أغرب من الخيال. فالثوار خربوا البلد وليس مبارك وعصابته المجرمة، وحماس اقتحمت السجون وقتلت الثوار في ميدان التحرير وليس سفاحي الشرطة، ومحمد مرسي مسؤول عن اقتحام دخلاء لسجن وادي النطرون وليس الجيش المنوط به تأمين الحدود وعبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية وقتها، والنشطاء غير الإسلاميين مسؤولون عن التحريض على اعتصامي رابعة والنهضة وليس خطاب منصة رابعة وسلاح اعتصام النهضة. بالضبط كما كانت ورقة بخمسة جنيهات انتشلها أحدهم من جيب أبيه هي السبب في سقوط بغداد، وليس إجرام صدام حسين وتواطؤ الأنظمة العربية.
حاولت تفسير هذه الظاهرة المعادية للعقل البشري والسنن الإلهية الكونية في الاجتماع الإنساني، فرأيت أنها مرتبطة بأحد سببين؛ السبب الأول هو الهروب أو تصفية الحسابات، والسبب الثاني هو التعبئة بعقدة الذنب. أما الهروب فهو واضح ومفهوم، حيث يلجأ الطرف المقصر المتسبب في المصيبة إلى أية ذريعة لاتهام أي طرف آخر بأنه سبب ما حدث، فينفي عن نفسه التقصير، ويجد لنفسه الذرائع، ويصفّي حساباته مع غريمه. وأما السبب الثاني والأهم فهو التعبئة والحشد بعقدة الذنب، وهو أمر مشترك بين أديان ومذاهب وأيديولوجيات عديدة. فالمسيحية تؤمن بالميلاد على الخطيئة وراثةً عن آدم الذي خالف أمر ربه في الجنة، والشيعة يدورون حول واقعة مقتل الحسين في كربلاء فلا ينفكّون عنها ولا يتجاوزونها. وكذلك الأيديولوجيات الدينية، الإخوان نموذجاً، يلومون أنفسهم والآخرين بتبسيط مخل، ومضلل أيضاً، بأن الابتعاد عن الله وعن تطبيق شريعته – كما يفهمونها – على المستوى الفردى والجماعي والحكومي هو السبب المباشر في الغلاء والبلاء، وسوء حالة الطقس، والطبيخ المحروق في الحِلل، والغسيل المسروق فوق الحبال، والرجل الذي انزلقت قدمه في رغاوي الصابون فوقع على عَجُزه وأصيب في الحاجات.