رئيس التحرير: عادل صبري 05:52 صباحاً | الجمعة 04 يوليو 2025 م | 08 محرم 1447 هـ | الـقـاهـره °

نخبة خرفان الكراهية

نخبة خرفان الكراهية
18 سبتمبر 2014

نخبة خرفان الكراهية

إسماعيل الاسكندراني

كنا نلعب في الشارع صغاراً، فإذا وقع أحدنا في "هزار تقيل" هتفنا "العجل وقع هاتوا السكينة" ثم نتكالب عليه لضربه مازحين، لكنّا كنا نرى الاحتشاد على الضعيف في العراك الجاد جبناً وخسة وعدم رجولة.

وفي رمضان، كنا نغنّي للصغير المفطر المقطع الدموي الشهير "يا فاطر رمضان يا خاسر دينك.. سكّينة الجزار هتقطع مصارينك"، ولا أذكر أني قد تخيّلت كلمات الأغنية بمعناها الحرفي، فلم أتصور جزّاراً يعاقب مفطراً بتقطيع أمعائه! لكني التفت إلى دموية الكلمات حين اهتممت بتحليل الخطاب ونقد الموروث الشعبي من العنف اللفظي والذكورية والتمييز ضد المختلفين وغيرها من مخلفات قديمة يجب التطهر منها.

شب الصغار وأشعلوا فتيل ثورة شعبية جارفة، أسقطت رأس نظام فاسد مفسد، دون أن يكون لديهم بديل جاهز، فعقد العواجيز صفقاتهم بين المجلس العسكري ومكتب الإرشاد، وتلاعبت البيادة بالجميع فسقطنا في الاستقطاب، نال الإخوان فرصتهم التاريخية، لكنهم شقوا الصف وعادوا لحضن العسكر قبل أن يغدر الأخيرون بهم، وتوالت الأحداث، وفي خضم المعترك الثوري، تولّد خطاب جديد وابتكرت مفردات جديدة، ومن أهمها وصف "الخرفان".

احتشدت جماهير الإخوان وأنصارهم أمام دار القضاء العالي يوم الجمعة الموافق12 أكتوبر 2012 لتأييد قرارات الرئيس محمد مرسي التي لم يكن قد عرفها أحد.. تهكّم المعلّقون قائلين إن الإخواني الحق هو الذي يثور لتأييد قرارات الرئيس، ثم يهدأ ليعرف ما هي تلك القرارات! كانت الصدمة هي الإعلان الدستوري الكارثي الذي أراد به تحصين قراراته المستقبلية لحين انتخاب البرلمان، وبدأت جماهيره في التشنج الرافض لأي استماع، ووقتئذٍ اندلعت شرارة وصف "الخرفان".

كنت ممن استخدموا كلمة "خرفان" واصفاً "القطيع" الذي يسوقه رعاته وقادته دون عقلانية ولا ديمقراطية.. ردّدت الكلمة كما كنت أردد "سكينة الجزار هتقطع مصارينك" دون أن يتبادر إلى ذهني أو مقصودي أي معنى حرفي للكلمة.

تعمّدت أن أستخدمها في ذم أي قطيع سياسي بغض النظر عن تصنيفه الفكري أو الأيديولوجي، وتداولت مع آخرين تركيبات مثل "خرفان العسكر" وخرفان الرمز السياسي الفلاني والحزب العلاني.

كان الإخوان في السلطة، ولكل سلطة قطيع يسير في ركابها مستشعراً الأمان في ظلها وحدها، لكنهم لم ينجحوا في الإمساك بزمام الأمور فتعددت مراكز القوة والنفوذ، وصار لكل منها قطيع من الخرفان الذين يسلمون رؤوسهم إلى من يوجّههم وينطحون أي معترض على قرارات ومواقف قادتهم.

سقط الإخوان من السلطة، وركب العسكر، وتدلّت البيادة من فوق ظهور المطأطئين المباركين للانقلاب و"المفوّضين" والمحرضين على الفض العنيف للاعتصامات الحاشدة ومواجهة المظاهرات السلمية بالقوة المفرطة والموافقين على ذلك.

وقعت المذابح والمجازر في حق بشر حقيقيين كنت أصف سلوك أغلبهم السياسي بأنه سلوك قطعاني خرفاني، لكن السكاكين التي تكالبت عليهم لم تكن مجازية، ودماءهم التي أراقتها السلطة الغاشمة لم تكن جزءاً من لعبة طفولية في الشارع أو أغنية دموية يرددها الصائمون توبيخاً للمفطرين.. كانت دماءً حقيقية، وارتقت آلاف الأرواح إلى بارئها دون جريرة أو وجه حق، وامتلأت السجون على بكرة أبيها بالمظلومين والمعتقلين عشوائياً من ذلك الفصيل أكثر من غيره، وانتكس حلم الثورة الواعد إلى كابوس العودة إلى أسوأ من عهد مبارك.

وبعد كل ذلك، لا يزال بعض المضطربين أخلاقياً وعقلياً يستخدمون وصف الخرفان كشتيمة موجهة حصراً لفصيل الإخوان.

لا يمكن أن نعتبر كلمة "خرفان" في السياق الحالي نقداً سياسياً، سواءً قبل البعض اللفظة ذاتها أم رآها آخرون متجاوزة للياقة، ذلك لأن مؤيدي السلطة الحالية والمتعصبين لها ولتناقضاتها والباحثين عن تبريرات لكل فشلها وإخفاقاتها والمجتهدين في تفسير خطابات الرئيس السيسي الهائمة في بحور الحنان هم الأجدر والأحق بوصف "قطعان خرفان السلطة".

أما لصق الوصف بفصيل، مع الحصر والقصر، فلا يعد سوى خطاب كراهية وتحريض اجتماعي، وهو في عرف المجتمعات الديمقراطية جريمة يجب المعاقبة عليها، ولو معنوياً.

يمكن أن نفهم تأثر قطاعات جماهيرية أغلبها من البسطاء بخطابات التعبئة الشعبوية التهييجية، لكن لا يمكن أن نتسامح مع أساتذة جامعات في العلوم الإنسانية وكتاب في كبرى الجرائد الحكومية حين يقعون في جريمة استخدام خطاب الكراهية، ولو كان ذلك على صفحاتهم الشخصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فإن كان بعضهم يزعم التنوير فما هو الظلام إذن؟ وإن كان أحدهم يهجو أنصار الإسلام السياسي بالرجعية ومعاداة الحداثة والتراث الإنساني المشترك، فأين يمكن أن نجد تناقضاً أكثر فجاجة من ممارسة خطاب الكراهية الرجعي من موقع يميني في حضن السلطة؟!

يبدو أن جيل الثمانينيات والتسعينيات قد نجح، على الرغم من المعركة الضارية القائمة منذ ثلاث سنوات، في الحفاظ على قدر كبير من آدميته. فلا نزال نرى، كما كنا نرى في لعبنا الطفولي القديم، أن التكالب على الأضعف جبناً وخسة وعدم مروءة، أما نخبة خرفان الكراهية من الأجيال المتكلسة فهم إذا دخلوا بلداً فوجدوا أهلها يعبدون العجل يحِشّون ويعطونه، وإذا وقع العجل في أيديهم كثرت سكاكينه، حقيقةً لا مجازاً.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية