رئيس التحرير: عادل صبري 12:43 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

أنسنة العالم.. موجات تحت سطحية لأفكار وحركات تغييرية

أنسنة العالم.. موجات تحت سطحية لأفكار وحركات تغييرية
23 مايو 2016

أنسنة العالم.. موجات تحت سطحية لأفكار وحركات تغييرية

مجدى سعيد

أنسنة العالم.. موجات تحت سطحية لأفكار وحركات تغييرية

الحديث عن مشكلات النظام العالمي السائد سواء في جوانبه الاجتماعية والاقتصادية أو البيئية أو السياسية ليست بالأمر الجديد، والسعي لصياغة أفكار ورؤى وحركات بديلة ليست أيضا بالأمر الجديد، لكن الجديد هو سياق عصر المعلومات والاتصالات، والذي يساهم في انتشار الأفكار وتواصل البشر بوتيرة أسرع، في ظل خلفية من تصاعد الحديث عن تغير المناخ، وظلال الأزمة المالية منذ نهايات العقد الأول من الألفية، واقتراب نهاية عصر النفط، واستمرار آلة الحرب الرأسمالية في إنتاج وتغذية حروب جديدة، خاصة منذ الحادي عشر من سبتمبر.


لكن الحديث عن تلك المشكلات، والبحث عن حلول وبدائل لها، لا ينفي كون أن ذلك النظام العالمي لا زال يمثل الموجة العاتية التي تكسو السطح سواء في قفازاتها المخملية في بلاد الشمال، أو في قبضاتها الحديدية في كثير من بلاد الجنوب. إلا أن ذلك لا ينفي أيضا أن أفكار ورؤى وحركات البحث عن حلول وبدائل جزئية كانت أو كلية بدت وكأنها تشكل موجات هادئة تحت السطح تتحرك في اتجاه معاكس لاتجاه السطح.


هناك في العالم شكلان من أشكال ثنائية الفكر والحركة تلك، الشكل الأول هو الشكل الاحتجاجي والمتمثل في حركات مناهضة الحرب والعولمة، والتي برزت بشكل خاص بعد سقوط الكتلة الشرقية، وتصاعد ما يسمى بالحرب على الإرهاب، وبلغت الأوج قبل وبعد الغزو الأمريكي لكل من أفغانستان والعراق، والعدوان الإسرائيلي على لبنان وعلى غزة، ويغلب على تلك الحركات الصلة بحركات اليسار العالمي الأيديولوجي، والسعي إلى نظام عالمي بديل، وإن كان عن طريق الاحتجاج على النظام القائم، وكشف عوراته إجمالا وتفصيلا، ومن الجدير بالملاحظة أن أغلب القضايا التي تبنتها تلك الحركات هي قضايا لها صلة بأمتنا العربية والإسلامية، وإن كان هذا أمر طبيعي لتحول النظام الرأسمالي العالمي من اتخاذ الشرق الشيوعي عدوا إلى اتخاذ الشرق الإسلامي عدوا جديدا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، ولذا كان طبيعيا أن تتجاوب الجاليات والشعوب العربية مع تلك الحركات الاحتجاجية.


أما الشكل الثاني الأكثر هدوئا وعمقا في ذات الوقت، والذي ربما لا يلفت انتباهنا بنفس القدر هو الذي يأخذ الشكل البنائي أي الذي يقدم بديلا وحلا على مستوى الرؤية والفعل، وهم فيما استطعت رصده على مستويات:
 

  • إما على مستوى النظام الاقتصادي ككل: مثال ذلك ما تقدمه رؤية وحركة "اقتصاديات السعادة Economics of Happiness" أو "المستقبليات المحلية Local Futures" كما تسمي نفسها أحيانا، سواء في التيار العام لها، أو في تجلياتها المتمثلة في نماذج البوين فيفير Buen Vivir في أمريكا اللاتينية، أو مؤشر السعادة القومية الإجمالية National Gross Happiness في مملكة بوتان، أو في حركة القرى الإيكولوجية Ecovillages، والفكرة الأساسية في كل ذلك هي الاعتماد على الثقافة ونمط الحياة والاقتصاد والغذاء المحلي.
     
  • وعلى مستوى الاقتصاد الصناعي (عصب الاقتصاد الحديث): مثال ذلك رؤية وحركة "الاقتصاد الدائري Circular Economy" بتجلياتها المتمثلة في مفاهيم وحركات الاقتصاد الأزرق Blue Economy والمحاكاة البيولوجية Bio mimicry ومن المهد إلى المهد From Cradle to Cradle وهي كلها تهدف إلى تصميم صناعي بلا نفايات.
     
  • أما على مستوى الزراعة: فإننا نجد رؤى وحركة الزراعة المستدامة Permaculture وهي تستهدف ليس فقط الزراعة ولكن أيضا التصميم المستدام للسكنى والعيش المستدام بشكل عام، وترتبط بها وبغيرها من الأفكار القريبة ما يعرف بمبادرة مجتمعات التحول Transition Towns or Initiative، ومبادرات الزراعة الحضرية Urban Agriculture ويقع بينها وبين اقتصاديات السعادة حركات الغذاء والأسواق المحلية Local Food & Markets.
     
  • وعلى مستوى المؤسسات المالية: نجد مؤسسات الائتمان التعاوني Credit Unions ومؤسسات القروض متناهية الصغر Microcredit.
     
  • وعلى مستوى تأسيس الشركات نجد نموذج شركات الأعمال الاجتماعية Social Business ونجد في sinessركات نجد نموذج شركات الأعمال الاجتماعية لسكنى والعيش المستدام بشكل عام.
     
  • وعلى مستوى ملكية مؤسسات الأعمال والإنتاج نجد انتشارا لنموذج تعاونيات العاملين Worker Cooperatives
     
  • وعلى مستوى اقتصاديات البناء والسكن نجد رؤى وحركة وقفيات أراضي المجتمع Community Land Trusts
     
  • وعلى مستوى تكنولوجيا المعلومات ومصادر المعرفة نجد رؤى وحركة وتجليات المصادر المفتوحة Open Source وتجلياتها في مجالي السوفت والهارد وير في حركة التصنيع الذاتي Maker Movement وفي مجال الملكية الفكرية رؤى وحركة المشاعات الإبداعية Creative Commons
     
  • حتى في مجال التعليم هناك رؤى ومبادرات وحركات في مجالات التعليم البديل Alternative Education
     

كل هذا غيض من فيض مسحة سطحية سريعة لتجليات هذه الموجات التي تسعى لصناعة البدائل وهي كلها كما قلت تتميز بثنائية الفكر والحركة، كما أنها كلها ذات توجهات إنسانية مناقضة لتوجهات الرأسمالية والليبرالية الجديدة بتوحشها ومراكمتها للثروة والسلطة في أيدي القلة، وانتهاكها لآدمية غيرهم وحقوقهم، كما أنها حركات تسعى لأن لا تفسد في الأرض (بالمفهوم البيئي) وأن تكون متناغمة ومحاكية للنظام الذي أودعه الله في أرضه.


لم يكن تجاوب المسلمين كجماهير ولا كنخب مع تلك الموجات بنفس القدر الذي احتفوا به ولو على مستوى المواقف السياسية البراجماتية بالحركات الاحتجاجية ضد الحرب، ربما لأنها لا تمثل مصلحة مباشرة ملحة، وربما لأن المسلمون اليوم أكثر من أي وقت مضى ذاهلون عن كل هذا، غارقون في مشاكلهم بين سندان الاستبداد من جهة، والإرهاب المصطنع من جهة أخرى، والنظام العالمي يستثمر كل ذلك إعلاميا لتوسعة الفجوة بين المسلمين من جهة وبقية العالم من جهة أخرى، وبعض أو كثير من المسلمون يعاونونه في ذلك، ليس فقط بالارتماء في أحضان الأنظمة المستبدة (عسكرية كانت أم دينية)، ولكن بتجاهل نخبهم لما يجري تحت السطح من سعي لأنسنة العالم، ففي ظني أن رادرات المفكرين المسلمين حتى لم تلتقط تلك الإشارات، كما أننا في المقابل لم نقدم مسعى له نفس الخصائص من ثنائية الفكر والحركة في طرح وتقديم نماذج ورؤى بديلة ذات طابع إنساني عام يصلح للناس جميعا وليس فقط للمسلمين.


وحتى لا يكون الكلام هنا بكاء على اللبن المسكوب، فإنني أدعو إلى اجتهاد مقاصدي يتناول:

- أولا فقه هذا الواقع الجديد الآخذ في التشكل والنمو إما عبر دراسات أو ورش عمل أو مؤتمرات أو غير ذلك لسد هذا الثقب في فقه الواقع، ولمد يد التعارف لهذه الرؤى والحركات.
 

- ثانيا تقديم رؤى وبناء نماذج بديلة انطلاقا من فلسفة الإسلام المتمثلة في نظرية المقاصد وغيرها، وذلك بهدف تقديم حلول وبدائل (فكرا وعملا) للنظام السائد في العالم اقتصاديا، ولعلاقة ذلك النظام بالبيئة والطبيعة ولمشكلات الإنسان كإنسان في ظل النظام العالمي السائد، ولا يكفي هنا ما يتم عادة من كلام نظري أجوف منبت الصلة بالواقع، وليس له أي تطبيقات ولا تجليات في دنيا الناس.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    أحدث المقالات

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    محمد إبراهيم

    تضامنا مع مصر العربية.. الصحافة ليست جريمة

    السيئ الرئيس!

    سليمان الحكيم

    السيئ الرئيس!

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    علاء عريبى

    يسقط المواطن ويحيا القولون الغليظ!

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    تامر أبو عرب

    عزيزي عادل صبري.. والاس هارتلي يُقرؤك السلام

    ما جريمة عادل صبري؟

    يحيى حسين عبد الهادي

    ما جريمة عادل صبري؟

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    أميمة أحمد

    عادل صبري.. المثقف الوطني وجه مصر

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    محمد إبراهيم

    نظرة على الانتخابات بعد انتهائها

    عادل صبري حفيد النديم

    سليمان الحكيم

    عادل صبري حفيد النديم

    عادل صبري وترخيص الحي!

    علاء عريبى

    عادل صبري وترخيص الحي!

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية

    السيد موسى

    عادل صبري رمز الصحافة المهنية