رئيس التحرير: عادل صبري 09:52 صباحاً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

السودانيون يتجرعون مرارة تعويم الجنيه.. هل تنجح «مغامرة حمدوك»؟ (فيديو)

السودانيون يتجرعون مرارة تعويم الجنيه.. هل تنجح «مغامرة حمدوك»؟ (فيديو)

العرب والعالم

احتجاجات بالسودان

السودانيون يتجرعون مرارة تعويم الجنيه.. هل تنجح «مغامرة حمدوك»؟ (فيديو)

أيمن الأمين 24 فبراير 2021 12:41

على خطى بعض البلدان العربية التي أقرت سياسة التعويم وتحرير سوق الصرف بشكل كامل قبل أعوام، أقدمت الحكومة السودانية على هذه الخطوة لتضع السوق السوداء للصرف في مأزق صعب.

 

وتعول الحكومة السودانية على تجربة التعويم في إنقاذ اقتصادها من الأزمات التي تلاحقه، فخلال الشهر الماضي قفز معدل التضخم السنوي إلى 304 في المائة، مع الهبوط الكبير في قيمة العملة المحلية واتساع الفارق بين السعرين الرسمي والموازي، وهو أعلى معدل تضخم في اقتصاده منذ عقود خلال الشهر الماضي.

 

وكان السودان قد ألغى دعم الوقود الذي كان يكلف الدولة عدة مليارات من الدولارات سنوياً، وهو مطلب رئيس لبرنامج المراجعة مع صندوق النقد الدولي.

 

وفي سبتمبر الماضي أقر صندوق النقد الدولي خططاً لمراقبة برنامج إصلاحات اقتصادية مدته 12 شهراً تنفذه الحكومة السودانية. ويتوقع الصندوق أن يبلغ التضخم 129.7 في المائة خلال العام الحالي، على أن يسجل معدل النمو نسبته 0.8 في المائة مقابل انكماش بلغ 8.4 في المائة خلال العام الماضي.

 

وتبلغ الديون الخارجية على السودان 60 مليار دولار، ويحتاج بشكل مُلح لمساعدة مالية لإعادة تنظيم اقتصاده، لكن هذه المساعدات لن تأتي إلا بالتوصل إلى تسويات.

 

ويجري صندوق النقد الدولي مراجعته الرسمية الأولى لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية في فبراير الحالي، تعقبه زيارة لوفد من خبراء الصندوق في نوفمبر المقبل.

 

 

وفي ديسمبر الماضي ذكرت رئيسة بعثة صندوق النقد إلى السودان كارول بيكر، أن السودان ما زال عليه متأخرات لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، ولا يمكنه الحصول على أموال جديدة من مانحين حتى يتوصل لتسوية لتلك الديون.

 

ووفق وسائل إعلام سودانية، فإن البيانات تشير إلى أن السودان هي الدولة رقم 9 التي تقوم بتحرير سوق الصرف وتعويم عملتها بعد دول البرازيل والأرجنتين والمغرب وماليزيا ونيجيريا والصين والهند ومصر، وربما يعتمد نجاح تجربة تحرير سعر الصرف على القدرة التنافسية للدولة من حيث الإنتاج والتصدير للبلد، في حين تعاني الاقتصادات الهشة صعوبة انتقالها لمرحلة الصرف المرن، خاصة بالنسبة للطبقة الفقيرة.

 

لكن، خلال الربع الأخير من عام 2016، أعلن السودان استعداده لتحرير سوق الصرف من خلال اتخاذ مصرفه المركزي لعدة قرارات، بدأت بالتوقف عن توفير الدولار المدعوم لاستيراد الأدوية، كما أعاد العمل بسياسة الحافز لاجتذاب النقد الأجنبي من السودانيين المغتربين. كما قرر التوقف عن توفير الدولار لشركات استيراد الأدوية بسعر 7.5 جنيه، ما يعني أن هذه الشركات ستلجأ إلى السوق الموازية للحصول على الدولار الذي كان يبلغ وقتها 15.9 جنيه.

 

وعلى الرغم من أن صعوبة تجربة التعويم في 6 دول طبقت عملية تحرير عملتها مقابل الدولار، استفادت الصين والهند بنسبة كبيرة من نظام الصرف المرن، بفضل الصادرات المرتفعة وتدني أسعار منتجاتها، ما عزز الإقبال عليها خارجياً ومحلياً، وجذبت الاستثمارات الأجنبية، نتيجة انخفاض سعر العملة الهندية والصينية.

 

 

وقبل أيام، أعلن البنك المركزي السوداني، تنفيذ تعويم جزئي لسعر صرف عملته المحلية (الجنيه) مقابل النقد الأجنبي لمواجهة فوارق أسعار الصرف.

 

وقال إن الحكومة الانتقالية استقرت على تبني حزمة من السياسات والإجراءات، التي تستهدف إصلاح نظام سعر الصرف وتوحيده، وذلك بانتهاج نظام سعر الصرف المرن المدار.

 

وسعر الصرف العائم أو تعويم العملة هو سعر صرف العملة الذي طرأ عليه تعويم بحيث أصبح محرراً بشكل كامل، حيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر، وإنما يتم تسعيره تلقائياً في سوق العملات من خلال آلية العرض والطلب التي تسمح بتحديد سعر صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.

 

وتتقلب أسعار صرف العملة العائمة باستمرار مع كل تغير يشهده العرض والطلب على العملات الأجنبية، حتى إنها يمكن أن تتغير عدة مرات في اليوم الواحد. وهناك تعريف آخر لتعويم العملة، وهو ترك سعر صرف عملة دولة ما يتحدد وفقاً لقوى العرض والطلب في السوق النقدية، أي جعل سعر صرفها محرر بشكل كامل، بحيث لا تتدخل الحكومة أو المصرف المركزي في تحديده بشكل مباشر.

 

وينقسم التعويم إلى قسمين، إما أن يكون التعويم خالصاً أو يكون موجهاً، فالتعويم الخالص يتضمن أن يترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب بشكل كامل، وتمتنع الدولة عن أي تدخل مباشر أو غير مباشر. أما التعويم الموجه فيترك تحديد سعر الصرف لقوى السوق وآلية العرض والطلب، لكن الدولة تتدخل عبر مصرفها المركزي حسب الحاجة من أجل توجيه أسعار الصرف في اتجاهات معينة من خلال التأثير في حجم العرض أو الطلب على العملات الأجنبية.

 

 

ويواجه السودان مأزق السوق الموازية للعملة، والتي يطلق عليها "السوق السوداء"، حيث تجاوز سعر الصرف فيها مستوى 380 جنيهاً مقابل 55 جنيهاً في السوق الرسمية المحددة من جانب البنك المركزي السوداني، وهو ما يعود بشكل مباشر إلى ندرة العملة الصعبة في السودان إضافة إلى تحكم تجار العملة والمضاربين في سوق الصرف.

 

وبرر البنك المركزي السوداني قراره، باستمرار معاناة الاقتصاد المحلي من اختلالات هيكلية تمثلت في الاختلال الداخلي، وخاصة ارتفاع عجز الموازنة العامة للدولة، والاختلال الخارجي، وارتفاع عجز ميزان المدفوعات. وظهرت هذه الاختلالات في السوق المحلية من خلال ارتفاع معدلات التضخم وتعدد أسعار الصرف والتدهور المستمر في سعر الصرف للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.

 

كما تهدف إجراءات المركزي للبنوك إلى تحويل الموارد من السوق الموازية إلى السوق الرسمية، واستقطاب تحويلات السودانيين العاملين بالخارج عبر القنوات الرسمية، واستقطاب تدفقات الاستثمار الأجنبي.

 

ويرى "المركزي السوداني" أن إجراءاته تهدف إلى سد الثغرات لمنع استفادة المضاربين من وجود فجوة ما بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية.

 

وتعمقت الاختلالات والأزمات بعد انفصال دولة جنوب السودان واستحواذها على معظم الاحتياط النفطي، واستمرار عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي مع استمرار الحظر الاقتصادي الأميركي لسنوات طويلة.

 

وبسبب الأزمات السابقة، نتجت صعوبات وتعقيدات في علاقات المراسلة الخارجية للمصارف السودانية وانحسار تدفقات النقد الأجنبي، وتعذر استفادة السودان من المبادرات الدولية الخاصة بإعفاء الديون مثل مبادرة الدول الفقيرة المثقلة.

 

 

وعقب صدور القرار، أصدر البنك المركزي السوداني تعليمات لجميع البنوك العاملة في السوق المحلية وشركات الصرافة، لتنفيذ الرؤية الإصلاحية للدولة، وذلك بتوحيد سعر الصرف بما يسهم في تحقيق توحيد واستقرار سعر الصرف. وأضاف "نطمح من خلال الإجراءات تطبيع العلاقات مع مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية بما يضمن استقطاب تدفقات المنح والقروض من هذه الجهات، وتحفيز المنتجين والمصدرين والقطاع الخاص بإعطائهم سعر الصرف المجزأ".

 

من جهته، يقول أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، أحمد حامد، إن خطورة القرار أن الدولة تركت السوق السوداء تحدد سعر الصرف، وهذه معالجة خاطئة تهدف إلى تقليص الدور الرقابي للدولة، وتضر باقتصاد البلاد.

 

وأوضح حامد وجود فرق بين تعويم الجنيه وسياسة سعر الصرف المرن المدار، إذ إن الأخير يتيح للبنك المركزي التدخل عند الضرورة لمنع انهيار العملة الوطنية.

 

ويشير حامد إلى أن قلة من الأفراد والشركات والمضاربين تتحكم في سوق النقد الأجنبي، وتحدد سعر العملات الأجنبية، وهذه السياسات ستؤدي إلى توسع السوق السوداء، لتتحول لسوق رئيسية تتحكم في سعر الصرف.

 

ويقول حامد إن علاقات مريبة تربط بين تجار العملة والمضاربين فيها، فالنظام المصرفي يغذي السوق السوداء، وكان على الحكومة قبيل اتخاذ قرار تعويم الجنيه أن تقوم بإجراءات لزيادة تكفل كفاءة النظام المصرفي.

 

وأضاف أن من شروط نجاح هذه السياسات اعتماد الدولة على الصادرات، بصفتها من أهم مصادر الحصول على العملات الأجنبية، وأن تتدخل بالسيطرة واحتكار إنتاج الذهب والمعادن والصادرات الأخرى.

 

ويرى حامد أن سياسة التخفيض المتواصل لقيمة الجنيه السوداني تتضرر منها القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، وتفاقم الأزمة المعيشية، لأن السوق السوداء ستحدد كل أسعار السلع وفقاً للأسعار العالمية، وبالتالي سيؤدي هذا إلى ارتفاع معدلات التضخم وأسعار السلع، متابعاً أنه عندما تتوفر احتياطات كافية من النقد الأجنبي في خزينه الدولة، يمكن تطبيق سعر الصرف المرن المدار الذي يمكن الدولة من التدخل في الوقت المناسب للحد من الارتفاع غير الملائم في سعر العملات الأجنبية لحماية الجنيه السوداني من الانهيار.

 

وترفض قوى الحرية والتغيير، المكون الرئيسي في التحالف الحاكم، أي تخفيض أو تعويم لسعر صرف الجنيه السوداني، وتدعو إلى تقوية سعر صرف العملة الوطنية، من خلال السيطرة على حصائل صادرات البلاد من النقد الأجنبي، وإدراجها في النظام المصرفي الرسمي لمحاربة السوق السوداء.

 


وفور إعلان الحكومة السودانية، أول من أمس، تعويم الجنيه، سارعت أمريكا للترحيب بالقرار، ووصفته بأنه خطوة شجاعة لإصلاح سعر الصرف. وقالت إن القرار سيساعد أيضاً الشركات السودانية، ويجذب الاستثمار الدولي، إذ لن تواجه الشركات المحلية والأجنبية بعد الآن صعوبات في ممارسة الأعمال التجارية في السودان بسبب سعر الصرف المزدوج.

وقال مدير البنك الدولي، ديفيد مالباس، في تعليق، إن القرار يساعد في تسوية متأخرات السودان، ويقلل التهريب، ويدعم زيادة التدفقات من التحويلات المالية والمساعدات والاستثمار، كما أنه يوفر موارد ميسرة، ومشاركة أكبر للمؤسسات المالية الدولية، موضحاً أن هذه خطوات رئيسية نحو إطلاق مبادرة تخفيض ديون الدول المثقلة بالديون (الهيبك)، وأن مجموعة البنك الدولي تعمل على تقديم برامج دعم كبيرة لفائدة الشعب السوداني.

 

                   

ويعيش السودان على وقع أزمات اقتصادية قبل وبعد الإطاحة بنظام الرئيس المخضرم عمر البشير، والذي يحاكم الآن بشأن اتهامات فساد وقتل المتظاهرين.

 

وشهدت الأراضي السودانية مؤخرا حالة من الارتباك على خلفية احتجاجات رافضة لغلاء الأسعار، وأخرى بشأن المواجهات العسكرية بين الخرطوم وأديس أبابا على المناطق الحدودية.

 

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان