رئيس التحرير: عادل صبري 02:11 مساءً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

بالقمع الناعم وقطع الإنترنت.. جنرالات بورما يتجنبون الأسوأ

بالقمع الناعم وقطع الإنترنت.. جنرالات بورما يتجنبون الأسوأ

العرب والعالم

جانب من مظاهرات بورما

بالقمع الناعم وقطع الإنترنت.. جنرالات بورما يتجنبون الأسوأ

عمر مصطفى 16 فبراير 2021 15:25

لا يبدي جنرالات بورما أي تسامح مع الدعوات للتظاهر والعصيان المدني ردا على الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش مطلع فبراير الجاري، لكنهم في الوقت نفسه يدركون أن القمع الوحشي الذي اتبعوه ضد انتفاضة 1988 غير قابل للتكرار، لذا يعتمدون نمطا من القمع الناعم من خلال اعتقال قادة المتظاهرين ثم إعادة إطلاق سراحهم.

 

كذلك تجنب الجيش حتى الآن وقوع قتلى خلال فض المظاهرات، مستخدما خراطيم المياه والرصاص المطاطي، وهي سياسة تبدو بالغة الرفق، من جيش يشتهر بدمويته وأساليبه الوحشية وأنه لا يتورع عن قتل الآلاف كما حدث ضد مسلمي الروهينجا، الذين اضطر نحو مليون شخص منهم للفرار إلى بنجلاديش المجاورة هربا من مذابح الجيش الوحشية.

 

وبالتوازي مع ذلك، يعمد الجيش إلى اتباع سياسة "القطع المتكرر للانترنت" في عموم البلاد، حيث يتم قطع الخدمة لعدة ساعات، ثم إعادتها مرة أخرى، مع تكرار عملية القطع مجددا، وذلك بهدف إرباك المتظاهرين وحرمانهم من استغلال شبكات التواصل الاجتماعي لتنسيق تحركاتهم وخلق حالة من الزخم الواسع للتظاهرات ودعوات العصيان المدني.

 

قمع ناعم

كما تجنب قادة الانقلاب اتخاذ قرارات عنيفة ضد زعيمة البلاد "أونغ سان سو تشي" قادة حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية" الحاكم، والذي حصد غالبية المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، واكتفى الجيش بوضعها مع رئيس البلاد رهن الإقامة الجبرية، مع توجيه تهمة هزلية لها، تتعلق بحيازة أجهزة لاسلكية بدون ترخيص.

 

وتستهدف تلك الإجراءات تخفيف وتيرة الانتقادات الدولية، وامتصاص صدمة الانقلاب الأولى، سواء داخليا أو خارجيا، تمهيدا لإطلاق عملية سياسية جديدة، تضمن استمرار سيطرة الجيش على مقاليد الحكم في البلاد، وهو ما كانت الانتخابات الأخيرة تهدد بزعزعته، الأمر الذي لم يتسامح معه قادة الجيش.

 

وعلى صعيد التطورات الميدانية،  ويواصل الجنرالات قطع وسائل الاتصال، حيث توقفت شبكة الإنترنت بشكل شبه كامل في كل أنحاء البلاد، اليوم الثلاثاء، للمرة الرابعة منذ الانقلاب. وتم استعادتها بعد ثماني ساعات.

 

وحذّرت الدبلوماسية السويسرية كريستين شرينر، مبعوثة الأمم المتحدة إلى بورما، خلال اتصال مع نائب قائد جيش بورما سو وين من أن "قطع الانترنت يقوض المبادئ الديموقراطية الأساسية". وأشارت في هذا الاتصال النادر بين المجلس العسكري والعالم الخارجي إلى أن عمليات الإغلاق "تضر بالقطاعات الرئيسية بما في ذلك المصارف وتزيد من التوترات المحلية".

تواصل التظاهرات

لكن رغم عمليات القمع، تستمر الاحتجاجات المؤيدة للديموقراطية. وخرج المئات في تظاهرة الثلاثاء في العاصمة الاقتصادية رانغون، وحمل البعض لافتات كتب عليها "أعيدوا لنا قادتنا!" و"أعيدوا لنا الأمل!". كما حض المتظاهرون السكان على الانضمام إلى حركة العصيان المدني.

 

واستجاب العديد من الموظفين من  محامين ومدرّسين وعمال في هيئة السكك الحديد، لهذه الدعوة في كل أنحاء البلاد من خلال تنفيذهم إضرابا منذ الانقلاب. لكن بعد انتشار الجيش في بعض مدن البلاد معززين بمركبات مدرعة، تراجع عدد الحشود في الشوارع.

 

وقال نيين مو وهو مرشد سياحي إنه رغم التهديدات "لن تتوقف الحركات الشعبية. الخطوة الأولى كانت الأصعب. لسنا خائفين من توقيفنا أو إطلاق النار علينا".

 

وبحلول بعد الظهر، أدت أنباء عن وجود أعداد كبيرة من عناصر الشرطة في مقر حزب "الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية" في رانغون، إلى تجمع الآلاف في المكان. وأطلقوا هتافات تطالب بـ"وضع حد لديكتاتورية العسكر". وما زالت الاحتجاجات سلمية عموما حتى الآن لكن تم الإبلاغ عن حوادث عدة الاثنين.

 

ونظمت تظاهرة في نايبيداو تم خلافها توقيف عشرات الأشخاص بينهم حوالى عشرين طالبا، قبل إطلاق سراح بعضهم. واندلعت أعمال عنف في ماندالاي، ثاني كبرى مدن البلاد، ما أسفر عن إصابة ستة أشخاص على الأقل بعدما استخدمت الشرطة الرصاص المطاطي ضد المحتجين. ورد المتظاهرون برشق الحجارة. وأفاد صحفيون بتعرّضهم للضرب على يد الشرطة.

 

ويصعّد الجيش حملة القمع منذ انقلاب 1 فبراير الذي أنهى حكما ديمقراطيا هشا استمر 10 سنوات في البلاد، مع تعزيز وجوده العسكري من خلال نشر مدرعات والقيام بتوقيفات ليلية. ومنذ الانقلاب، تم توقيف أكثر من 420 شخصا بينهم مسؤولون سياسيون وناشطون وأطباء وطلاب، وفقا لمنظمة غير حكومية تقدم مساعدة للمعتقلين السياسيين.

 

اعتقال سو تشي

وما زالت الزعيمة المدنية أونغ سان سو تشي ورئيس الجمهورية وين مينت اللذان اعتقلا في الساعات الأولى من الانقلاب، محتجزين في مكان مجهول. وقال المحامي خين مونغ زاو إنه من المتوقع أن يتم استجواب سو تشي ومينت من قبل محكمة "عبر الفيديو" هذا الأسبوع، مضيفا أنه لم يتمكن من الاتصال بأي من موكليه.

 

وقال مقرر الأمم المتحدة الخاص لبورما توم آندروز لوكالة فرانس برس إن جلسة الاستماع هذه لن تكون عادلة موضحا "لا يوجد شيء عادل في المجلس العسكري. إنها مجرد مسرحية. وبالطبع، لا أحد يصدقهم". وسو تشي الحائزة جائزة نوبل للسلام في العام 1991، متّهمة باستيراد أجهزة اتّصالات لا سلكيّة بشكل غير قانوني، وهي بصحّة جيّدة وقيد الإقامة الجبريّة في نايبيداو، العاصمة الإداريّة للبلاد، وفق حزبها "الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية".

 

من جانبه زعم نائب وزير الإعلام البورمي زاو مين تون أن "أونغ سان سو تشي" "بصحة جيدة". وأضاف "نحن نبقي أونغ سان سو تشي و(الرئيس) يو وين مينت في مكان أكثر أمانا من أجل سلامتهما. إنهما بصحة جيدة. ليس الأمر كما يبدو أنهما اعتقلا. إنهما يقيمان في المنزل" تحت الإقامة الجبرية في العاصمة الإدارية نايبيداو.

 

ولا يستجيب المجلس العسكري المدعوم في الأمم المتحدة من عضوين رئيسيين هما بكين وموسكو، للإدانات الدولية المتعددة والعقوبات التي أعلنتها واشنطن. ومنذ استيلائهم على نتيجة الانتخابات التشريعية في نوفمبر التي فاز بها "الرابطة الوطنية من أجل الديموقراطية" بأغلبية ساحقة.

 

سمح المجلس العسكري بإجراء عمليات تفتيش دون أمر قضائي واحتجاز أشخاص لفترة قصيرة دون موافقة القضاء. وبالنسبة إلى قائده مين أونغ هلاينغ المنبوذ دوليا بسبب الانتهاكات التي ارتكبت ضد مسلمي الروهينغا في العام 2017، فإن ما يحدث في بورما هو "شأن داخلي".

تساؤلات وغموض

ويثير الانقلاب العسكري ضد الحكومة المدنية، العديد من التساؤلات حول الحاجة إلى ذلك التحرك العنيف فيما يحكم الجيش قبضته على السلطة بالفعل، من خلال تحكمه بمفاصل الاقتصاد وسيطرته على ربع مقاعد البرلمان، طبقا للدستور، فضلا عن إمساكه بمعظم الوزارات الحساسة، مثل الدفاع والداخلية والحدود.

 

ويتحدث محللون عن دوافع شخصية لقائد الجيش الجنرال "مين أونغ هلاينغ" الذي تولى مقاليد الحكم عقب الانقلاب، فالجنرال الذي يعد بمثابة الحاكم الفعلي للبلاد كان يستعد للتقاعد بعد عقد كامل من الإمساك بزمام الجيش والسلطة، وهو ربما لم يكن يفضل تلك النهاية الهادئة، ويرغب بقضاء مزيد من الوقت فوق سدة الحكم.

 

ويشير البعض إلى خشية هلاينغ من تقاعد غير مريح، في ظل ما تشهده البلاد من انفتاح على المجتمع الدولي، وتصاعد وتيرة انخراط بورما في التجارة الدولية، بعد عقود طويلة من العزلة بسبب الحكم العسكري القاسي وتجميد الحياة السياسية، ويخشى الجنرال القوي من أن يؤدي ذلك الانفتاح إلى مزيد من التآكل في شعبية ونفوذ الجيش، وصولا إلى تعديل الدستور وإلغاء النصوص التي تمنح القوات المسلحة وضعا مهيمنا على مقاليد الحكم.

جرائم حرب

ونجح الجنرال في الحفاظ على سلطة الجيش حتى في ظلّ انتقال ميانمار إلى الحكم الديمقراطي، لكنه واجه إدانات عالمية وعقوبات بسبب دوره المزعوم في مهاجمة الجيش للأقليات العرقية. ومع عودة ميانمار تحت قيادته إلى الحكم العسكري، يبدو أن مين أونغ هلاينغ يسعى لتوسيع سلطته وتحديد مستقبل البلاد القريب.

 

وفي أغسطس 2018 قال مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إنه "يجب التحقيق مع كبار الجنرالات العسكريين في ميانمار ، بمن فيهم القائد العام للقوات المسلحة الجنرال مين أونغ هلاينغ ، ومحاكمتهم بتهمة الإبادة الجماعية في شمال ولاية راخين، فضلا عن جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب في ولايات راخين وكاشين وشان".

 

ويرى محللون أن نتيجة الانتخابات البرلمانية الأخيرة والهزيمة المنكرة التي مني بها حزب التضامن الوحدوي والتنمية الحاكم سابقاً الذي أسسه الجيش قبل أن يسلم السلطة رسمياً في 2011، ربما رأى فيها الجيش مؤشرا كافيا على تآكل شعبيته، بصورة ربما تشجع مستشارة الدولة "أون سان سوتشي"، زعيمة حزب "الرابطة الوطنية للديمقراطية" الحاكم، على المضي قدما في تقليص نفوذ الجيش، حيث لم يحصل حزب التضامن سوى على 33 مقعداً من 476 مقعداً، بخلاف نسبة الـ 25% المخصصة للجيش.

 

وقوة الجيش البورمي ليست عسكرية فحسب، بل هي أيضًا اقتصادية، حيث يمتلك 14٪ من ميزانية الدولة. مع ذلك فإن تمويله يتخطى بكثير ما تشير إليه الأرقام الرسمية إذ يتهم بتهريب المخدرات، والدخول في منظومة الفساد، كما يستفيد من الأرباح التي تجنيها شركات مملوكة له إضافة الى نفوذ واسع في كل قطاع من قطاعات الاقتصاد البورمي.

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان