حاولت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية اليوم الاثنين معرفة النوايا الحقيقية وراء قرار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تحويل متحف آيا صوفيا إلى مسجد.
وأضافت أنَّ أردوغان يبدو غير مكترث بالانتقادات العالمية التي أعقبت تلك الخطوة مؤطرًا قراره باعتباره نوعًا من أنواع السيادة التركية.
ونقلت الصحيفة عن البروفيسور لويس فيشمان، الأستاذ بجامعة بروكلين قوله: "تركيا دولة يتقاطع فيه الدين مع القومية ولذلك فإنَّ العديد من أنصار المعسكر المناهض لأردوغان سوف يقبلون مبدأ السيادة التركية على نحو يتجاوز بالنسبة لهم أهمية الأثر".
واستدعى بعض المعلقين الأتراك المصير الذي آلت إليه العديد من مساجد العصور الوسطى في إسبانيا واليونان حيث تحولت العديد منها إلى كنائس أو مزارات علمانية مثل مسجد قرطبة.
بيد أنَّ الأمر بالنسبة لأردوغان، والكلام للصحيفة، يتعلق بأصوات الناخبين الأتراك وليس المقارنات التاريخية.
وفسرت ذلك قائلة: "تغيير وضع آيا صوفيا يبدو أنّه خطوة تستهدف دغدغة مشاعر قاعدة شعبيته الرئيسية وتأكيد شعاره السياسي الذي يمزج القومية والدين والذي أدخله في صراع طويل الأمد مع العلمانيين".
من جهته، قال الباحث في الشأن التركي نيكولاس دانفورث في تصريحات لموقع المونيتور الأمريكي: "آيا صوفيا كمتحف يرمز لفكرة القيم الثقافية المشتركة التي تتخطى الأديان لتوحيد البشرية لكن تحويله إلى مسجد يشير إلى صعود القومية اليمينية والشوفينية الدينية في أرجاء العالم اليوم".
ونوَّهت واشنطن بوست إلى أن آيا صوفيا كاتدرائية بيزنطية ثمّ تحوّلت إلى مسجد عثماني ثم إلى مقصد سياحي عالمي.
وأفادت أن وضع آيا صوفيا طالما كان مثار جدل في عهد أردوغان.
واستطرد التقرير: "بالنسبة لرئيس يروج دائمًا لإعادة تأكيد الإرث الإسلامي لبلاده، فإنَّ استعادة أشهر موقع للعبادة في تركيا للدين الإسلامي سكون ميراثًا قويًا".
ولفتت الصحيفة الأمريكية أنَّ الإمبراطور جستينيان الأول قام ببناء آيا صوفيا عام 537 ميلاديًا وكانت ذات يوم أكبر كنيسة وما زالت تمثل القلب الروحاني للمسيحية الأرثوذكسية.
وأشارت إلى أنها تحولت إلى مسجد عام 1453 عندما غزا العثمانيون إسطنبول ووضعوا مآذن في محيط آيا صوفيا مع تغطية الفسيفساء البيزنطية.
واستطرد التقرير: "في الفوضى الدموية التي أعقبت انهيار الإمبراطورية العثمانية، اختفت العديد من المجتمعات".
و سعت الجمهورية التركية الجديدة إلى محو آثار العثمانيين فأصدر مصطفى كمال أتاتورك مؤسس تركيا العلمانية مرسوما عام 1934 بتحويل آيا صوفيا إلى متحف يخلد العمق التاريخي له.
وأصبح متحف آيا صوفيا بمثابة إرث عالمي يتخطى الأديان ويشدد على وضع إسطنبول كقلب لشتى الثقافات والأديان.
وعلى مدار العقد الماضي، تم تحويل كنائس أقل شهرة في مناطق أخرى من تركيا بعضها يحمل اسم "آيا صوفيا" إلى مساجد لكن ذلك لم يمنع أردوغان وحلفائه من السعي وراء "حصد الجائزة الكبرى".
الجمعة الماضي، أعلن أردوغان أن آيا صوفيا سيكون مسجدًا مجددًا مع بدء إقامة الصلاة هناك في غضون أسبوعين.
بيد أن مسؤولين أتراك ذكروا أن الموقع سوف يظل مفتوحا للجميع وأنه لن يحدث ضرر للرموز المسيحية والفسيفساء.
وقوبل قرار أردوغان بعاصفة من الانتقادات العالمية حيث قال كيريل بطريرك روسيا إن الخطوة تمثل "تهديدا للحضارة المسيحية ككل".
أمس الأحد، أعلن البابا فرنسيس بابا الفاتيكان أنه يفكر في القديسة صوفيا ويشعر بالألم العميق بعد هذا القرار.
وأصدرت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة بيانا حذرت فيه السلطات التركية من اتخاذ أي خطوات من شأنها أن تؤثر على القيمة العالمية للموقع.
كما نشرت العديد من الحكومات مثل اليونان والولايات المتحدة وروسيا بيانات شجبت فيه القرار التركي.
بعض المحتجين اعتبروا القرار ضربة لعلمانية تركيا بحسب الصحيفة.
هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي نقلت عن الروائي التركي أورخان باموق الحائز على نوبل للآداب قوله: "تحويل آيا صوفيا إلى مسجد مجددا يعني للأسف أننا لم نعد دولة علمانية".
واستطرد: "ثمة ملايين من الأتراك العلمانيين مثلي يصرخون من ذلك القرار لكن أصواتهم ليست مسموعة".
من جانبه، قال أكرم إمام أوغلو رئيس بلدية إسطنبول والذي ينتمي لحزب الشعب الجمهوري المعارض في مقابلة الشهر الماضي قبل اتخاذ القرار الرسمي بشأن آيا صوفيا: "ما هي الحاجة إلى فتح هذا الجدال الآن، في وقت تجمدت فيه 97% من السياحة وأغلقت الفنادق أبوابها وتحول مئات الآلاف إلى عاطلين؟"
