بحسب تحليلات محللين روس، نشرت في وسائل إعلام خلال الأيام الماضية، فإن موسكو لم تكن مندهشة من ردود الفعل التركية الأخيرة في إدلب، بما فيها تطوير أنقرة لهجماتها ضد قوات النظام السوري هناك، وطالما أن الأتراك لا يزالون محافظين على الخطوط الحمر التي تمنع نشوب نزاع عسكري مباشر بينهم وبين الروس هناك، فإن موسكو تعتبر أن لكل شئ حل.

 

 ويقول العقيد المتقاعد "فيكتور موراكوفسكي"، رئيس تحرير مجلة "الترسانة الوطنية" العسكرية الروسية إن تركيا تسعى إلى ربط يدي روسيا في سوريا عبر الوسائل السياسية، رغم التصعيد العسكري الأخيرة، لكنه حذر مما أسماه "بكاء الذئب".

 

وأضاف: "هذه ليست حربا ضد تركيا، بل وضع تأكيد على الخطوط الحمراء التي قرر البعض اختبارها".

 

وتابع: منذ فترة طويلة تم الاتفاق على قواعد اللعبة الكبيرة مع تركيا، ولقد ضمنا (روسيا)، أولا، منع الاشتباكات بين الجيشين الروسي والتركي، ثانيا، حرية الحركة للقوات الجوية الروسية ضد الجماعات الإرهابية في إدلب، ثالثا، منطقة حظر طيران على القوات الجوية التركية في سماء سوريا، رابعا، تنسيق حركة ونشر الوحدات التركية في المناطق السورية مع القيادة العسكرية الروسية، خامسا، دوريات مشتركة على الطرق المتفق عليها، سادسا، فرض حظر على نقل منظومات الدفاع الجوي المحمولة إلى جهات فاعلة من غير الدول".

 

وانتهت اجتماعات عديدة بين الجيشين الروسي والتركي دون نتائج، مع عزم الطرفين على الصمود في إدلب.

 

وجهة نظر موسكو

 

وبحسب المحللين الروس، رأت روسيا عجزا لدى تركيا أو عدم رغبة منها في الالتزام بأحكام اتفاق "سوتشي" لعام 2018 بين "بوتين" و"أردوغان" بشأن فصل المعارضة عن "الإرهابيين"، وفتح الطريقين السريعين "إم 4" و"إم 5" الاستراتيجيين، اللذين يمتدان عبر البلاد من الشرق إلى الغرب والشمال إلى الجنوب، على التوالي.

 

وعلى مدار الأيام التي سبقت الضربات، ناقشت الدوائر العسكرية الروسية العديد من السيناريوهات شبه العسكرية تجاه تركيا، وهي إشارة تهديد إلى حيث يتجه الوضع.

 

وكتب العقيد "ميخائيل خودارينوك"، في 21 فبراير الماضي بموقع "ستراتفور": "إذا حدث توغل عسكري هائل للجيش التركي في سوريا، فقد تخرج الأمور عن السيطرة. ما يعني أن خطر نشوب صراع عسكري إقليمي واسع النطاق قائم إلى حد كبير".

 

ويعتقد "خودارينوك" أن لدى تركيا قوة عسكرية كافية لتجاوز جيش "الأسد" خلال أيام، لكنه يرى بأن النتيجة النهائية في مثل هذه الحرب يقررها موقف القوى الأخرى، أي روسيا والولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي.

 

وأضاف: "إذا اختارت موسكو عدم التدخل، فسيكون ذلك إخفاقا سياسيا وعسكريا".

 

وقال إن الكرملين كلاعب جيوسياسي في الشرق الأوسط لن يسمح بهذا، مضيفا: "ستضيع أكثر من 5 أعوام من جهود موسكو في سوريا، وسيكون هذا ثمن عدم التدخل الروسي في إدلب".

 

تركيا قد تتفوق

 

ومع ذلك فقد حذر الخبير العسكري الروسي بنفس القدر من انخراط موسكو عسكريا بشكل مفتوح ضد أنقرة في سوريا، مؤكدا أن "تركيا سيكون لها تفوق ساحق في الأفراد والأجهزة العسكرية، حيث أن روسيا بعيدة جدا عن مسرح العمليات، ولن يكون لديها الوقت أو القدرات اللوجستية لجلب الأفراد أو المعدات اللازمة من أجل كسب هذه الحرب، وستحتاج روسيا إلى نقل كمية هائلة من الطائرات والوقود والذخيرة".

 

وقال "خودارينوك" إن السبيل الوحيد لردع "أردوغان" عن المزيد من التصعيد سيكون التهديد بالأسلحة النووية التكتيكية. لكن التداعيات الدولية بالنسبة لروسيا قد تكون شديدة للغاية بحيث لن تنظر بجدية في هذا الخيار.

 

وقال "فلاديمير دزاباروف"، نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في المجلس الأعلى للبرلمان الروسي: "إذا راهن الأتراك على القوة العسكرية، فستكون هذه فكرة سيئة للغاية، لأن الفوز بمثل هذه الحرب سيكون صعبا".

 

ومع ذلك، فإن القرارات الرئيسية التي تجري مناقشتها في هذه اللحظة من غير المرجح أن يتم اتخاذها إلا من خلال قياس القدرات العسكرية لكل قوة ضد الأخرى.

 

ونقلت مجلة "المونيتور" عن مصدر في الحكومة الروسية، طلب عدم الكشف عن اسمه، قوله: "كانت الهجمات قرارا سيئا وصعبا. لكننا لا نريد حربا، بل نهتم بالأعمال ونريد أن يأخذ شركاؤنا في أنقرة مخاوفنا والتزاماتهم على محمل الجد".

ويبدو أن "بوتين" و"أردوغان" غير راضيين بشكل متزايد عن بعضهما البعض، ولكن كلا منهما لا يزال بحاجة إلى الآخر في سوريا وخارجها.

 

زواج المصلحة

 

وباستعارة وصف "زواج المصلحة" الذي يتم استخدامه بشكل متكرر للإشارة إلى الشراكة بين روسيا وتركيا، يتعين على الطرفين البقاء معا "من أجل الأطفال"، أي التجارة المشتركة، والاعتماد المتبادل المتزايد في إمدادات الطاقة، ومحطة "أكويو" للطاقة النووية، وصفقة منظومة "إس-400" الصاروخية، وكذلك العقود الممكنة الأخرى والاستثمارات السياسية التي حققها الزعيمان في تطوير العلاقة.

 

وبالنسبة لروسيا، لم تنخفض قيمة تركيا في هذه المجالات وغيرها؛ بل نمت منذ الاختبار الأخير الذي واجهته موسكو وأنقرة عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية في نوفمبر 2015. وفي ظل هذا القياس، تبدو الشراكة مع سوريا أقل أهمية بكثير.

 

ومع ذلك، فإن ثمن عدم الوقوف إلى جانب حليفها في دمشق يقاس بعملة مختلفة في موسكو، وهي العملة التي تشتري المكانة العالمية.

 

إلى حد ما، يجد كل من الزعيمين نفسه في زاوية ضيقة، مع مزيج من التوقعات العالية تجاه بعضهما البعض، وفي حيرة بين الوعود التي قطعاها لبعضهما البعض، ولحلفائهما ووكلائهما، فضلا عن التحركات الاستفزازية على الأرض وطموحات القوة العظمى لدى كل منهما.