رئيس التحرير: عادل صبري 01:57 مساءً | الجمعة 29 مارس 2024 م | 19 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

بعد شهر من تنصيبه سلطانًا لعمان.. هل يستطيع هيثم أن يكون «قابوس»؟

قراءة:

بعد شهر من تنصيبه سلطانًا لعمان.. هل يستطيع هيثم أن يكون «قابوس»؟

محمد الوقاد 13 فبراير 2020 19:58

"بينما يحكم آل سعود السعودية، وآل الصباح الكويت، يحكم قابوس عُمان"، هكذا لخص أستاذ العلوم السياسية الأمريكي، الذي اكتسب شهرة من خلال أطروحاته حول الأنظمة الملكية العربية، "مايكل هيرب" نمط حكم سلطان عمان الراحل "قابوس بن سعيد"، وهو ما جعل التساؤل حول نموذج الحكم الجديد في السلطنة بعد وفاته، قياسا إلى الاختلافات الكبيرة بينه وبين السلطان الحالي "هيثم بن طارق".

 

ركزت معظم التحليلات التي استشرفت مستقبل عمان بعد وفاة السلطان "قابوس بن سعيد" على السياسة الخارجية لسلطنة عمان واحتمال أن تحافظ السلطنة على نفس درجة الحياد في خضم التنافس الإقليمي، لكنها أغفلت الحديث عن مسألة التغيير في القيادة الداخلية للسلطمة، وتاثيرها على التوازن بين مراكز القوى المحلية هناك.

 

كان "قابوس" يتمتع بدرجة استثنائية من الحكم الذاتي والسلطة داخل هيكل السلطة العماني، والذي استند إلى دوره

التاريخي كموحد وباني الدولة العمانية الحديثة.

 

نمط احتكار السلطة

من غير المرجح أن يكون السلطان الجديد "هيثم بن طارق" قادرا على احتكار السلطة بنفس الدرجة، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجه سلطنة عمان.

 

ولبناء ائتلاف حاكم قابل للحياة، هناك عدة خيارات أمام السلطان الجديد، تحمل كل واحدة منها تداعيات مختلفة على الاتجاه الاقتصادي والسياسي في سلطنة عمان.

 

وبحسب الباحثة في معهد دول الخليج العربي بواشنطن "كريستين سميث ديوان"، فإنه لبناء ائتلاف حاكم قابل للحياة، هناك عدة خيارات أمام السلطان الجديد، تحمل كل واحدة منها تداعيات مختلفة على الاتجاه الاقتصادي والسياسي في سلطنة عمان.

 

كان حكم "قابوس" فريدًا، ففي بقية ممالك الخليج، ترافق إنشاء الدولة البيروقراطية الحديثة بتشكيل حكم الأسرة الحاكمة؛ حيث تم دمج أعضاء مجلس الحكم في الهيكل الحاكم كوزراء يحملون الحقائب الرئيسية.

 

لم يحدث تقاسم السلطة هذا في عُمان، أو ليس بالقدر نفسه.

 

وفي وقت رحيله، لم يكن "قابوس" يحكم فقط، بل كان يدير الحكومة كرئيس للوزراء، وتمسك بجميع المناصب السيادية تقريبا؛ حيث شغل مناصب وزير الدفاع، ووزير الخارجية، والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ووزير المالية، ورئيس مجلس محافظي البنك المركزي.

 

وعكست عملية انتقال السلطة الأخيرة في عمان مدى نفوذ "قابوس" والاحترام الصارم الذي كان يحظى به، فقد رفض مجلس الأسرة الحاكمة ممارسة سلطته الدستورية لاختيار الحاكم التالي، واختار قبول إرادة "قابوس" على النحو المعبر عنه في خطاب تم فتحه أمام الجمهور.

 

وفي أول خطاب له، تعهد السلطان "هيثم بن طارق" بإتباع المسار الذي وضعه السلطان الراحل في السياسة الخارجية. وأصدر منذ ذلك الحين توجيها بالحفاظ على صورة "قابوس" بجانبه في الاجتماعات الرسمية والمكاتب، وهذا يشير رمزيًا إلى استمرار تراث "قابوس".

 

ديناميات جديدة

 

ومع ذلك، في حين أن مجلس الأسرة لم يتدخل في الخلافة، إلا أن هناك ديناميات جديدة قد تؤدي إلى جعل عائلة "آل سعيد" في المقدمة.

 

فعلى عكس "قابوس"، الذي كان بلا أطفال وبدون شقيق ذكر، لدى "هيثم" أقارب ذكور مقربين.

 

ومن بين هؤلاء، أخان غير شقيقين، هما "أسعد بن طارق" و"وشهاب بن طارق"، وكلاهما كان يُعتبر في السابق خليفة محتملا.

 

ويوصف نجل "أسعد" الأكبر، "تيمور"، كشخصية رائدة في الجيل القادم من أفراد العائلة المالكة.

 

ويوجد لدى "هيثم" نفسه ولدان: الأكبر، "ذي يزن"، الذي درس في "أوكسفورد"، وانضم إلى وزارة الخارجية عام 2013، حيث يعمل في السفارة العمانية في لندن منذ عام 2018، وقد عاد إلى مسقط ويحضر لوظائف دبلوماسية رئيسية منذ ذلك الحين.

 

وجرى تنظيم عملية انتقال السلطة في عمان بشكل يظهر الوحدة المثيرة للإعجاب داخل البيت الملكي، بما في ذلك دور منافسه المفترض "أسعد".

 

في العائلات الخليجية الحاكمة الأخرى، أدت المنافسة بين أفراد الأسرة إلى زيادة السيطرة الملكية على الحكومة؛ حيث تم تلبية مطالب الأسرة من خلال عمليات التطهير الحكومية، حتى لو لم تتم السيطرة على هذه الديناميكية التنافسية في عُمان فإن الوجود الملكي قد يكون محسوسا بطرق أخرى.

 

وفي السنوات الأخيرة، زاد أفراد عائلة "آل سعيد"، بما في ذلك السلطان الجديد وإخوته، من مشاركتهم في الأعمال التجارية.

 

وستؤثر طريقة إدارة "هيثم" لهذه العملية على القضية الحرجة المتمثلة في النمو الاقتصادي بسلطنة عمان.

 

تجربة مظاهرات 2011

 

وخلال التظاهرات التي اندلعت في عمان عام 2011، بالتزامن مع موجة الربيع العربي، أبدى "قابوس" ذكاء كبيرا لاحتوائها، من خلال تصميم قوي ضد المعارضة، لكن أيضا بمزيج من التنازلات، حيث  ضاعف تقريبا الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص وخلق 50 ألف وظيفة حكومية جديدة، معظمها في أجهزة الأمن، كما طور المؤسسات التشاركية في سلطنة عمان من خلال إنشاء مجالس بلدية منتخبة ومنح المزيد من الصلاحيات لمجلس الشورى المنتخب.

 

وأقال "قابوس" عددا من الوزراء الذين تعرضوا لانتقادات واسعة، وسط حملة أوسع نطاقا لمكافحة الفساد أسفرت عن إدانة بعض المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال على مدار السنوات القليلة التالية.

 

لكن في عام 2019، ارتفع العجز العماني إلى 50 مليار دولار؛ ما ساهم في ارتفاع حاد في الدين العام من أقل من 5% من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يقرب من 50% في 4 سنوات فقط، وهذا يحد من قدرة السلطان الجديد على استخدام طريقة "قابوس" من خلال تكرار الإنفاق الحكومي والحلول الشعبية.

 

ليس من السهل الوصول إلى الحلول التي ستخلق طريقا إلى رخاء أكبر مع الحفاظ على الاستقلال الاقتصادي العماني.

سيحتاج السلطان "هيثم" إلى الموازنة بين المصالح المتنافسة وإشراك جميع الأطراف بشكل مثمر بدرجة من النضج السياسي مماثلة لتلك التي أظهرها سلفه. وللحصول على قبول من الجمهور العماني، قد يلجأ إلى المؤسسات التشاركية في عمان.

 

الخلاصة هنا أن انتقال السلطة من "قابوس" إلى "هيثم" وحدة البيت الحاكم والاستمرارية من الحاكم إلى خليفته، وكانت هذه الدرجة من الثبات مطمئنة للعمانيين.

 

ومع ذلك، فإن الوضع الراهن -خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد، غير مستدام وسيضغط على القيادة الجديدة لإجراء تغييرات فورية.

 

وسيتضح الكثير حول حكم السلطان "هيثم" عبر رؤية الطريقة التي سيتعامل بها لتحقيق التوازن بين مصالح الأسرة الحاكمة ونخبة رجال الأعمال من جهة، والمؤسسات التي تمثل الجمهور الأوسع من جهة أخرى.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان