رئيس التحرير: عادل صبري 06:41 مساءً | الجمعة 19 أبريل 2024 م | 10 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

رغم دراميته.. لماذا بات الحراك الشعبي بالعراق في طريقه للفشل؟ (تحليل)

رغم دراميته.. لماذا بات الحراك الشعبي بالعراق في طريقه للفشل؟ (تحليل)

محمد الوقاد 10 فبراير 2020 19:12

قبل أسابيع، كان العراق مليئا بالزخم الشعبي الذي كان مرشحا لأن يفرز حالة إنجاز حقيقي في بلد تحكمه نخبة أطرافها في بغداد ومراكزها في طهران والرياض وواشنطن وأماكن أخرى، لكن الذي حدث أن الحراك بدأ يأخذ شكلا نمطيا وفقد جزءا من جذوته المشتعلة.

 

لا يمكن إلقاء اللوم على العراقيين بسبب رغبتهم في الحصول على المزيد من حكومتهم، فالعراق على شفا الانهيار الاجتماعي والاقتصادي نتيجة للبطالة، والتدهور الاقتصادي، والبنية التحتية المتداعية.

 

ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكان العراق من 30 مليون نسمة حاليا إلى 50 مليون نسمة خلال عقد من الزمن.

 

وتقل أعمار أكثر من 60% من العراقيين عن 24 سنة، ويحتاج 700 ألف إلى وظائف كل عام، وقد فشلت الطبقة الحاكمة في العراق في الاستجابة لمطالب الشعب، وببساطة لم تعد هذه الطبقة تتمتع بالمصداقية، ناهيك عن قدرة تهدئة شعبها على الرغم من مئات المليارات من الدولارات التي تم إنفاقها خلال العقد الماضي.

 

سردية الإرهاب وبناء الدولة

 

ويرى المحلل العراقي "راني علاء الدين"، أن الطبقة الحاكمة في العراق افترضت، بشكل يفتقر للخبرة، أن تهديد الإرهاب والحرب على تنظيم "داعش"، والصراع الطائفي يمكنه أن يحرف التركيز عن إخفاقاتها في الحكم والفساد المتوطن إلى الأبد.

 

ويضيف أن الطبقة السياسية بالعراق استفادت من سردية انتشرت بين مؤيديها، بل بعض الدوائر السياسية في واشنطن وعواصم غربية أخرى، حيث وضعت مظالم البلد ومآسيه في كفة أمام استفحال الحرب الأهلية أو حكم البعث في الكفة الأخرى.

روجت هذه السردية المثيرة لفكرة أن الدولة والحكومة العراقية تم إحياؤها، ورُسّخَت بشكل خاص في ظل حكومة "حيدر العبادي" السابقة، لكنها تجاهلت القضايا الأساسية العميقة الجذور التي جعلت جيلًا كاملاً من العراقيين يتوقون إلى مستقبل أفضل.

 

والآن، علينا العودة إلى السؤال المحوري للتحليل، وهو: لماذا لم يحقق الحراك الشعبي بالعراق نجاحا ملحوظا؟

 

إرادة التغيير

 

واقعيا، لا تقف الفرص بصف متظاهري العراق، فالبيئة الحالية لا تفضي إلى تفكيك (يعقبه إعادة بناء) للدولة أو نظامها السياسي، وهناك عدد قليل جدًا - إن وجد - من العناصر الفاعلة الرئيسية داخلياً وخارجياً، التي تريد تغييرًا ثوريًا يقوّض النظام السياسي لما بعد 2003 في العراق.

 

قد يتوجب على المحتجين في العراق أن يتصالحوا مع حقيقة أن المجتمع الدولي في الواقع أكثر انحيازًا للطبقة الحاكمة العراقية (يشمل ذلك حتى الميليشيات التي تقمعهم بوحشية) بشكل أكبر مما يعتقدون.

 

فهناك الكثير على المحك والكثير من المجاهيل الخطرة في مناخ ما بعد الحرب في العراق والمنطقة، ما يجعل أي جهات خارجية فاعلة تحجم عن التفكير جديًا في دعم محاولة لإصلاح النظام السياسي في العراق.

 

جزء كبير من التحدي الذي يواجه المتظاهرون هو أن النظام السياسي العراقي مصمم بطريقة تجعله منيعًا أمام إعادة هيكلة كبيرة.

 

هناك مجموعة كبيرة من الجهات الفاعلة الرسمية وغير الرسمية والجهات شبه الحكومية التي تهيمن على هياكل الحكم والسلطة وتشكلها وتديرها.

كما تعاني البلاد من تراكم يتعذر تغييره للأسلحة والجماعات المسلحة، وعدم وجود مؤسسات قادرة على البقاء، مع وجود سلطات بديلة متعددة تحل محل الدولة العراقية.

 

نفوذ الميليشيات

 

وتعتبر مناطق كثيرة خارجة عن نفوذ وسيطرة الحكومة، وهي المناطق التي تتوزع فيها السلطة بين الأحزاب والميليشيات والقبائل ورجال الدين.

 

وبحسب "راني علاء"، فإنه نتيجة لهذه الديناميات، وعلى عكس الاحتجاجات في الجزائر أو السودان، مثلا، من المرجح أن تبقى النخب الحاكمة في العراق في السلطة حتى لو وصلت الاحتجاجات إلى كتلة حرجة.

 

بعبارة أخرى؛ فإذا لم يُدمّر النظام الحالي عبر غزو خارجي، أو حرب أهلية على نطاق البلد (والتي تتطلب في حد ذاتها منتصرًا حاسمًا)، أو ديكتاتورية أخرى تنشأ بانقلاب (وحينها سيكون حال العراقيين أسوأ مما هم عليه حاليًا)، فإن هذا النظام سيكون المنتصر.

 

ما يجعل الموقف محفوفًا بالمخاطر على المتظاهرين بشكل خاص هو الإفلات من العقاب الذي تتمكن به الميليشيات وقوات الأمن التي تفرضها الدولة من قمع المدنيين.

 

تهيمن على العراق الميليشيات غير الخاضعة للمساءلة، والتي تتمتع بسلطة ونفوذ كبيرين، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى أن هذه الجماعات قد استغلت هشاشة الدولة العراقية، وجمعت أسلحة كثيرة وموارد أخرى، واستفادت من رعاية خارجية من إيران، مستغلة كل ذلك لاكتساب التفوق السياسي.

 

على سبيل المثال، تشكلت قوات الحشد الشعبي التي يبلغ قوامها 100 ألف فرد كرد فعل على انهيار الجيش العراقي، عندما استولى تنظيم "الدولة الإسلامية" على الموصل في عام 2014، وتتولى قيادتها وتسيطر عليها الجماعات المتحالفة مع إيران التي كانت في طليعة حملة القمع العنيفة ضد المتظاهرين.

تكمن قوة قوات الحشد الشعبي أنها تندرج ضمن جيش العراق التقليدي؛ وبالتالي لم يعد من الممكن تصور أن يحمي الجيش المتظاهرين من فظائع الميليشيات الشيعية.

 

كانت الفكرة السائدة قبل الأزمة الحالية تتمثل في أن قوات الحشد الشعبي لم تكن قوة متجانسة وشملت مجموعات قومية أو متحالفة مع الدولة بشكل يمنع وكلاء إيران من احتكار السلطة داخل المنظمة، وأن هذه المجموعات ستعمل كعازل يحمي الشعب العراقي من العنف والفظائع.

 

لكن هذه كانت آمالًا في غير محلها عوّلت على تعدد مكونات قوات الحشد الشعبي، والحقيقة هي أن عزم وكلاء إيران المطلق وقسوتهم في استغلال منظمات قوية مثل قوات "الحشد الشعبي" لم يكن يضاهيه أحد، وقد تم الاستهانة بهذا بشكل كبير في تحليل هذه الأمر.

 

فقدان دعم "الصدر"

 

هناك أيضا مسألة فقد المتظاهرين العراقيين مصدّهم الوحيد الأكثر أهمية أمام الميليشيات التي كانت مسؤولة عن قتل وجرح المدنيين، وهو "التيار الصدري".

 

وكان "مقتدى الصدر" وحركته، عامل مهم لحماية المحتجين من هذه المليشيات، لكن الاتفاق الذي أبرم الأسبوع الماضي بين "الصدر" والحكومة العراقية ووكلاء إيران أدى إلى سحب رجل الدين لدعمه للمحتجين.

 

ورغم ما سبق، يعود "راني علاء" للحديث عن الفرص، قائلا إنه ربما يكون للمتظاهرين بعض الحظوظ، فالعراق معروف بسمعته السيئة في صفقاته السياسية وائتلافاته الهشة، وبالتالي؛ إذا كان هناك شيء واحد يمكن للمتظاهرين الاستفادة منه؛ فهي الفرص التي قد تُلقَى في طريقهم نتيجة الطبيعة الانقسامية للمشهد السياسي.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان