رئيس التحرير: عادل صبري 07:50 صباحاً | الثلاثاء 23 أبريل 2024 م | 14 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الحاجة أم التحالف.. كيف صنعت تركيا وروسيا ثقلا جديدا في ليبيا؟ (تحليل)

الحاجة أم التحالف.. كيف صنعت تركيا وروسيا ثقلا جديدا في ليبيا؟ (تحليل)

العرب والعالم

أردوغان وبوتين

الحاجة أم التحالف.. كيف صنعت تركيا وروسيا ثقلا جديدا في ليبيا؟ (تحليل)

محمد الوقاد 18 يناير 2020 22:10

قبل أسابيع قليلة من الآن، كان المشهد في ليبيا يشير بوضوح إلى أن كافة القوى المتصارعة هناك كانت تمشي حثيثا على حافة الهاوية، وكان التصعيد دراميا، حتى ألقت كل من تركيا وروسيا بثقلهما في الأزمة بعد اتفاقهما على ضرورة إقرار هدنة مؤقتة لترتيب الأوراق، ومناقشة إمكانية تحقيق قدر من الاستقرار السياسي يكفل لهما حصد المكاسب بأقل التكاليف أو لا.

 

مصالح تركيا

 

لدى تركيا دافعان جيوسياسيان في ليبيا، أولاً، لديها حاجة اقتصادية للوصول المستمر إلى موارد الطاقة الليبية، وتحتاج أيضًا إلى حماية عقود العمل الحالية في البلد.

 

وبعد الإطاحة بـ"معمر القذافي"، كانت ليبيا هدفًا سهلاً لأنقرة، التي انتهزت الفرصة لإعادة بناء البنية التحتية الليبية مع المقاولين الأتراك.

 

في الأسابيع الأخيرة، قامت تركيا بتسريع استراتيجيتها لتأمين عقود العمل والنفط والغاز.

 

وصاغت أنقرة مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق حيث ستقدم تركيا الدعم الفني والاستشاري والتسليح مقابل إنشاء منطقة بحرية محددة في شرق البحر المتوسط، مما يمكّن تركيا من القيام بمشاريع الحفر قبالة سواحل ليبيا الغنية بالغاز وتمهيد الطريق لعقود النفط المستقبلية مع الشركات التركية.

 

ثانيا، تقدم ليبيا - ولا سيما حكومة الوفاق الوطني - موطئ قدم لتركيا لتوسيع نفوذها خارج حدودها في عمق شرق البحر المتوسط. من خلال دعم الإسلامي "السراج" ضد الزعيم العلماني "حفتر"، يمكن لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا الترويج لأجندته ووضع نفسه معارضًا تمامًا لخصومه في الخليج والبحر الأبيض المتوسط.

 

بالإضافة إلى ذلك، ترى تركيا ليبيا بمثابة رصيد عسكري لوضعها الإقليمي المتنامي.

 

تمتلك تركيا بالفعل قواعد في السودان والصومال تتيح لها الوصول إلى البحار، لكنها تريد قاعدة في شرق البحر المتوسط يمكنها من خلالها مواصلة الضغط على اليونان وقبرص ومصر وإسرائيل.

 

لكن تركيا لا تزال تواجه مجموعة من العقبات في تحقيق هذه الأهداف.. "السراج" يخسر أرضه بسرعة ويواجه معارضة في الأراضي التي تسيطر عليها قوات "حفتر".

 

تتمركز قوات "حفتر" حاليًا بالمنطقة الجنوبية من طرابلس وتسيطر على معظم حقول الغاز والنفط في البلاد.

 

وبالرغم أن الأمم المتحدة تعترف بحكومة الوفاق وقطر وعدت بالمساعدة الاقتصادية، إلا أن تركيا لا تزال الداعم العسكري الوحيد لقوات "السراج"، حيث توفر ما قيمته 350 مليون دولار من الطائرات بدون طيار والشاحنات والمعدات، وكذلك مقاتلين من شمال سوريا.

 

في المقابل، يحظى "حفتر" بدعم من قبل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وروسيا ومصر والأردن والسودان وحتى فرنسا بشكل غير مباشر.

 

الداخل التركي

 

ثم إن هناك استعداد تركيا وقدرتها داخليا للأمر، فمنذ أسابيع، برزت مقاومة في الداخل والخارج لقرار تركيا إرسال قواتها الخاصة على الأقل للمساعدة في الدفاع عن طرابلس.

 

كما أن القوات الجوية التركية غير قادرة على الحفاظ على هذه المهمة، وتفتقر إلى الطائرات القادرة على الضرب من قاعدتها شمال قبرص وغير قادرة على تزويد طائراتها بالوقود في مثل هذه المسافة.

 

ستحارب تركيا في نهاية المطاف ضد خصومها في الجيش الوطني الليبي الذين يمتلكون المزيد من القوة الجوية وتقنية التشويش على الطائرات دون طيار التي يقدمها الروس لـ"حفتر".

 

علاوة على ذلك، فإن هذا الجهد لا يحظى بشعبية في الداخل، حيث يعارض 58% من الأتراك تدخل تركيا. هذه القيود تعني أن أنقرة لن تتمكن من متابعة تهديداتها بالتدخل بشكل حاسم في ليبيا.

 

مصالح روسيا

 

تتشابه مصالح روسيا في ليبيا تقريبًا مع مصالح تركيا: عقود التنقيب عن النفط والغاز وبناء استراتيجية دفاعية في شرق البحر المتوسط.

 

بدأت موسكو في المشاركة في الحرب الأهلية الليبية بعد مهمة "الناتو" عام 2011 في المقام الأول للحد من النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة.

 

في النهاية، تتمنى موسكو أن تكون لاعبا في المنطقة - طالما أن المخاطر لا تفوق الفوائد.

 

مثل أنقرة، تعتقد موسكو أن وجودها يمكن أن يترجم إلى هيمنة ما بعد الحرب.

 

وتريد روسيا أيضًا أن تؤدي صفقات الموارد الليبية (القمح والنفط والغاز) إلى التخفيف من مشاكلها الاقتصادية، حيث يتطلب الاقتصاد المتباطئ مصادر دخل جديدة.

 

أخيرًا، سعت روسيا للانخراط في ليبيا لتحقيق واحد من أعظم أهدافها الاستراتيجية: إقامة قاعدة على الحافة الجنوبية لأوروبا.

 

جنوب أوروبا

 

وبالنسبة لموسكو، قدم عدم الاستقرار في ليبيا فرصة لبناء قاعدة عسكرية مماثلة للقواعد البحرية في الحقبة السوفيتية في طبرق وطرابلس، مما يسمح لروسيا ببناء وجودها في شرق البحر المتوسط (مكملاً لقاعدة بحرية موجودة بالفعل في طرطوس، سوريا) وتخفيف انعدام الأمن الروسي في البحر الأسود، حيث تسيطر تركيا على الوصول إلى البحر المتوسط عبر مضيق البوسفور.

 

بالنسبة لروسيا، كان "حفتر" وسيلة لتحقيق غاية، فقد سيطر على معظم احتياطيات ليبيا من النفط والغاز، ولم يتلق دعمًا من الغرب والأمم المتحدة (باستثناء فرنسا).

 

انخرطت روسيا عسكريا مع قوات "حفتر" عندما نشرت مجموعة "فاجنر" المرتبطة بالكرملين نحو 300 من المرتزقة، وهو رقم ازداد الأسبوع الماضي عندما أرسلت شركتان روسيتان أخريان، هما "موران" و"شيت"، المزيد من المرتزقة إلى جبهة "الجيش الوطني الليبي".

 

وبحسب ما ورد قدمت روسيا طائرات "سوخوي وصواريخ" ومدفعية دقيقة التوجيه، والتي كانت بمثابة دفعة كبيرة لقدرات قوات "حفتر". وبالطبع، نفى الكرملين هذه المشاركة.

 

من الواضح أن تركيا اعترفت بالوضع الذي ستدخله قواتها: ستخسر أنقرة في قتالها ضد خصومها المتحالفين، وستضر بمصداقيتها الإقليمية، والأهم من ذلك أنها ستخاطر بالمواجهة مع روسيا.

 

أجرت موسكو، أيضا، تحليل التكلفة والفائدة. بينما كان الجيش الوطني يكتسب أرضية كبيرة، فإن الدعم التركي يعني تصعيدًا مكلفًا.

 

يمكن لروسيا إما أن تسحب مرتزقتها أو تعترف بتورطها في المنطقة من خلال زيادة القوات المسلحة الروسية، وتحتفظ بقواتها شرق البحر الأبيض المتوسط، ولكنها لا تستطيع دعمها لوجيستيا وماليا، فضلا عن أن ذلك سيجذب الانتباه الأمريكي وهو ما لا يريده الكرملين.

 

تنافس مفاجئ

 

قبل تدخل تركيا، اعتقدت روسيا أنها ستكون المستفيد الوحيد من عقود الطاقة والبنية التحتية والدفاع في ليبيا ما بعد الحرب. لكن وجود تركيا يعني التنافس على الموارد على المدى الطويل، والحرب لم تنته بعد.

 

لذلك غيرت أنقرة وموسكو استراتيجياتهما.

 

دعت روسيا تركيا للتوسط في حل سياسي. ومع تعاون محدود، يمكن للقوتين متابعة مصالحهما عن طريق دفع أنفسهما على عجل في حل سياسي.

 

وتتجنب هذه الإستراتيجية المواجهة المحتملة بين روسيا وتركيا، وإذا أمكن إقامة وقف لإطلاق النار ودعمه، فإن ذلك يحد من الأضرار الإضافية التي لحقت بالبنية التحتية النفطية الليبية التي ترغب كلتا القوتين في الحفاظ عليها.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان