رئيس التحرير: عادل صبري 03:19 صباحاً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

الهوية القبلية تترنح أمام القومية.. هل السعودية على الطريق الصحيح؟ (تحليل)

الهوية القبلية تترنح أمام القومية.. هل السعودية على الطريق الصحيح؟ (تحليل)

العرب والعالم

فكرة القبلية هي الحاكم المؤسس لهوية السعودية-ارشيفية

الهوية القبلية تترنح أمام القومية.. هل السعودية على الطريق الصحيح؟ (تحليل)

محمد الوقاد 15 ديسمبر 2019 21:55

لسنوات طويلة، ظلت فكرة القبلية هي الحاكم المؤسس لهوية السعودية، وكانت هي المكون الأساسي لشبكات القرابة في المملكة، لكن ثمة تغيرات بدأت تحدث منذ سنوات، تسارعت بشكل غير مسبوق منذ وصول الأمير "محمد بن سلمان" إلى منصب ولي العهد، في منتصف 2017.

 

ويقود "بن سلمان" المجتمع السعودي خلال فترة من التغيرات السريعة، ويعد الاقتصاد هو محور إصلاحاته، لكن سياساته تسرع من التغييرات الاجتماعية العميقة التي كانت جارية بالفعل في المملكة.

 

هذه التغييرات تطورت لتكون تحولات، عملت على تغيير الالتزامات الاجتماعية للسعوديين وولائهم وكيفية ارتباطهم ببعضهم البعض.

 

ويقول الباحث "ويل تودمان" إنه على الرغم من أن الهويات القبلية تظل بارزة لدى العديد من السعوديين، إلا أنها تعرضت لتحولٍ كبير، حيث تم إضعاف علاقات القرابة في الأعوام الأخيرة؛ "لأن الدولة مارست قوة أكبر في الحياة الاجتماعية للسعوديين".

 

شبكات القرابة الجديدة

 

وأعاد الاقتصاد المتغير تشكيل شبكات القرابة في المملكة، وسمحت الطفرة في أسعار النفط بين عامي 2003 و2013 للدولة بزيادة الإنفاق العام بشكل كبير، فيما أدت الزيادة السريعة في الرفاهية، جنبا إلى جنب مع محاولات الدولة لصناعة مراكز بديلة للسلطة، إلى تقليل اعتماد السعوديين على شبكات القرابة مثل الأسرة والقبيلة، بحسب تحليل "تودمان"، الذي نشره، مؤخرا، "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية".

 

ورغم أن الحكومة شجعت المواطنين السعوديين على ترشيد استهلاكهم الاقتصادي وخفضت المساعدات، لم تتمكن شبكات القرابة التقليدية من استئناف دورها السابق.

 

وساهم سباق التحضر في إضعاف شبكات القرابة والعلاقات المجتمعية في المملكة، وقد اعتادت العديد من العائلات الممتدة العيش معا في مجمعات كبيرة على قطع من الأرض خارج المدن الكبرى وفرتها الحكومة.

 

لذلك، فإن ما يحدث الآن ليس إيجابيا، في العموم، نظرا لأنه ينتهك خصوصية السعودية إلى حد كبير، وهي الخصوصية التي أعطتها تميزا في المنطقة.

 

خصوصية السعودية

 

وللمملكة تجربة مختلفة الى حد كبير عن غيرها، فهي دولة لم يطأها المستعمرون الغربيون، ولم تنشأ أجهزتها عبرهم، كما هو الحال في كل دول الشرق الأوسط العربية، وهي ـ وإن كان البريطانيون قد ساهموا سياسيا وماليا في ظهورها ـ فقد اتخذت سياسات مختلفة تجاه القبيلة بناء على تجربتها الخاصة بها.

 

وهناك حقيقة أخرى، وهي أن القبيلة في المملكة كانت أحد ثلاثة أطراف وقع عليها عبء تشكيل الدولة السعودية الحديثة، حيث تكونت المملكة على أكتاف رجال المذهب الوهابي، والعائلة المالكة، والقبائل النجدية بشكل أساسي.

الطرف الأول وفر الغطاء الديني القادر على الحشد والإطار الأيديولوجي للتوسع، أما الطرف الثاني فقد مثل القيادة السياسية الواعية بمهامها وأهدافها، في حين أن الطرف الثالث شكل وقود الحرب، والجيش الذي اقتحم الكيانات الأخرى الأكثر نضجاً فاقتلعها من الجذور.

 

وبينما كان 4 من كل 5 سعوديين يعيشون في المناطق الريفية عام 1950، فإن النسبة أصبحت 1 من بين كل 6 اليوم.

ومع وجود عدد أكبر من السعوديين الذين يعيشون في المدن، أصبحت العقارات في المناطق الحضرية باهظة الثمن، بحيث باتت المجمعات العائلية الآن رفاهية لا يستطيع معظم الناس تحمل تكاليفها.

 

وأدت سياسات الإسكان الحكومية إلى زيادة تشتت الأسر، ونتيجة لذلك، صار الأقارب يرون بعضهم بعضا بشكل أقل، ولا يشعرون برابط القرابة كما كان في الماضي، فيما أدى التمدن إلى إضعاف الهويات الإقليمية وتآكل التماسك المجتمعي، وأصبحت هناك حالات متزايدة من التزاوج بين أفراد القبائل المختلفة.

 

وعلى الرغم من أن التكنولوجيا تسهل أشكالا جديدة من التواصل، إلا أن بعض السعوديين قالوا إنها تجعلهم يشعرون بأنهم أقل ارتباطا بأقاربهم. ووصف صحفي سعودي كيف يستخدم جميع أقاربه الهواتف على مائدة العشاء، ولا يتحدثون كما كانوا يفعلون من قبل.

 

ومع ذلك، تسهل التكنولوجيا تشكيل شبكات جديدة بين السعوديين الذين لم تكن لديهم في السابق فرصة للاختلاط، بما في ذلك الشبكات المهنية، ومجموعات المصالح، والروابط المختلطة بين الجنسين، لكن معظم السعوديين يتفقون على أن هذه الشبكات "المختارة" الجديدة تفتقر إلى الفوائد التي كانت شبكات القرابة تمنحها لأعضائها.

 

دور الحكومة

 

وأشار السعوديون إلى أنه على الرغم من أن العديد من هذه التغييرات بدأت منذ فترة طويلة، فإن الحكومة أدخلت نفسها بحزم أكبر مؤخرا في مسائل علاقات القرابة.

 

وعلى الرغم من أن الدولة السعودية لم تحاول استبدال الشبكات القبلية، إلا أنها تكثف جهودها للتحكم فيها بشكل كامل. فعلى سبيل المثال، أصبح تعيين مندوبي وزارة الداخلية في القبائل مسيسا بشكل أكبر، وغالبا ما يتم اختيار منافس لزعيم القبيلة المعترف به.

 

ولا يخلق هذا فقط مركزا بديلا للسلطة داخل القبيلة موالٍ للحكومة بشكل صريح، ولكنه يضعف أيضا قدرة القبيلة على أن تكون بمثابة مراقب مستقل على السلطة الحكومية.

 

ووصف بعض السعوديين عودة الهوية القبلية في الأعوام الأخيرة، بأنه يأتي بدافع "التوق إلى الألفة في أوقات الشكوك الكبيرة"؛ لكنهم وافقوا على أن القبائل تفتقر إلى الموارد اللازمة لتوفير الخدمات والحماية لأعضائها كما فعلت من قبل.

وقد تساعد القبائل في المناسبات الخاصة، مثل دعم تكاليف زفاف رجال القبائل الأكثر فقرا، أو إنقاذ الآخرين من السجن، لكنها لم تعد تشكل نفس الأهمية في حياة السعوديين اليومية.

 

وتكثف الحكومة السعودية حاليا جهودها لإنشاء هوية قومية، بعدما فقدت الهويات المحلية رونقها، لكن صنع تلك الهوية لا يزال يصطدم بالمعوق الاقتصادي الذي منع الدولة السعودية من القيام بدورها الذي يكفل حقوق المواطن ورفاهيته، مقابل التزامه وإخلاصه للدولة.

 

وينقل "تودمان" عن أحد "البدو السعوديين" قوله إن الدولة تتعامل مع مواطنيها كمواطنين، أي أنها تتوقع منهم أن يؤدوا واجباتهم وأن يظلوا مخلصين للدولة، لكن الدولة لا تتحمل مسؤوليتهم.

 

وهذا التصور مختلف بالكلية مع ما كانت تفعله القبيلة، حيث توفر الأخيرة الحماية والرفاهية اللازمة لأفرادها أمام أية جهة، وبالتالي كانت تحصل منهم على الولاء والانتماء اللازمين للاستمرار وزيادة القوة.

 

من هنا يجب على قيادة المملكة أن تسعى لإيجاد توازن بين مزايا الهوية القبلية، كمفهوم وتاريخ وخصوصية للسعودية، وبين مزايا الدولة، ككيان يسهل الانفتاح والتعامل مع الخارج والتطور، وهي معادلة حساسة لكن ضبطها أمر ضروري لحصد مزايا النظريتين.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان