رغم كونه غير ملزم قانونياً، ينطوي قرار مجلس النواب الأمريكي "التاريخي" بشأن تأييد حل الدولتين ورفض ضم إسرائيل لغور الأردن بالضفة الغربية المحتلة، دلالات هامة تلقي بظلالها على التعامل الأمريكي مع القضية الفلسطينية، مع قرب إعلان إدارة ترامب عن "صفقة القرن".
وأمس الجمعة، مرّر مجلس النواب الأمريكي (أحد مجلسي الكونجرس)، للمرة الأولى في تاريخه، مشروع قانون "غير ملزم" يدعم قرار حل الدولتين، باعتباره الضمان الوحيد لإحلال السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ويرفض مشروع القرار في ذات الوقت ضم إسرائيل أجزاء من الضفة الغربية.
وصوّت 226 من أعضاء مجلس النواب ذوي الغالبية الديمقراطية لصالح مشروع القانون، فيما رفضه 188 عضو.
واعتبر القرار الذي أيديته الرئاسة الفلسطينية أن "حل الدولتين فقط يمكنه ضمان وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وفي نفس الوقت يحقق التطلعات الشرعية للشعب الفلسطيني بإقامة دولة له".
وذكر بالاعتراض الأمريكي على مدى سنوات "لتوسيع المستوطنات وضم إسرائيل مناطق بالضفة بشكل أحادي".
وقبل ساعات أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال لقاء جمعه بوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في العاصمة البرتغالية لشبونة أن إسرائيل لها "الحق الكامل" في ضم غور الأردن، الذي يشكل تقريبًا ربع مساحة الضفة الغربية.
وكان نتنياهو قد أعلن في سبتمبر الماضي، أعلن نتنياهو، أنه سيضم منطقة "غور الأردن" وشمالي البحر الميت (جنوبي شرقي إسرائيل) إلى السيادة الإسرائيلية، في حال انتخابه رئيسًا للوزراء مرة أخرى، فيما أعلن بومبيو الشهر الماضي أن بلاده لا ترى أن الاستيطان الإسرائيلي يخالف القانون الدولي، في خطوة عدها مراقبون انقلاباً على قرارات الشرعية الدولية.
تصويت مجلس النواب الأمريكي، اعتبره متابعون خطوة رافضة لسياسات إدارة الرئيس ترامب، الموالية لإسرائيل، واحتجاجا على موقف الإدارة الأمريكية الداعم للمستوطنات الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولدى تعليقها على هذا التصويت قالت صحيفة "هآرتس" العبرية اليوم السبت :"يدعو مشروع القانون الحكومة الإسرائيلية إلى الامتناع عن أي ضم أحادي الجانب لمناطق بالضفة الغربية، ويدعو إدارة ترامب إلى عدم دعم مثل هذه الخطوة".
وتابعت :"تمرير مشروع القانون في هذا الوقت ليس مصادفة، وهدفه إرسال رسالة إلى نتنياهو وترامب، على خلفية تعهد الأول بضم غور الأردن لإسرائيل حال انتخابه مجدداً".
لكن مشروع القانون تضمن بنداً آخر لقى اعتراض نواب ديمقراطيين مناهضين لإسرائيل، بينهم إلهان عمر ورشيدة طليب، وهو تأكيده على استمرار المساعدة العسكرية الأمريكية لإسرائيل.
وتقول "هآرتس" إن الهدف هو إظهار معارضة الكونجرس لضم مناطق من الضفة الغربية لإسرائيل، إلى جانب استمراره في ذات الوقت في دعم المساعدات الأمريكية لإسرائيل.
إقناع الجمهوريين
فيما كشف موقع "جلوبس" الإسرائيلي أن الديمقراطيين بالمجلس حاولوا إقناع مشرعين جمهوريين بالتصويت لصالح القرار، ووافق الديمقراطيون على محو كلمات من الصيغة الأصلية مثل "احتلال "معارضة الاستيطان" (لكن ظلت صيغة "معارضة توسيع الاستيطان" على حالها).
وأوضح أن إقناع الجمهوريين بالانضمام تطلب من الديمقراطيين إضافة بند يشدد على الالتزام الامريكي بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل، دون شروط جديدة (في إشارة لتهديد مرشحين ديمقراطيين للرئاسة الأمريكية باستخدام المساعدات للضغط على إسرائيل)، لافتاً إلى أن جهود الديمقراطيين أسفرت عن انضمام 5 جمهوريين فقط للتوقيع على القرار.
تناقض صارخ
ورغم أن هذا القرار يعكس موقفاً رسمياً هو الأول من نوعه للكونجرس الأمريكي حيال رفض توسيع المستوطنات، فإنه يكشف كذلك التناقض الصارخ بين المؤسسات الأمريكية في التعامل مع الملف الفلسطيني.
ومنذ وصول ترامب للسلطة مطلع 2017 اتخذت إدارته العديد من الخطوات التي تكشف، بحسب مراقبين تحيزاً كبيراً لصالح إسرائيل، وضعت حدا لاعتبارها وسيط نزيه بين الجانبين.
وفي نهاية 2017 اعترف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، وفي منتصف العام 2018 نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إليها، ومطلع العام الجاري اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة، كما أوقف ترامب دعم الفلسطينيين ماليا، بما في ذلك وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا".
ويذهب محللون إلى أن موقف مجلس النواب الأمريكي، يجسد معارضة شديدة لخطة السلام التي أعلنت عنها إدارة ترامب في يونيو الماضي وعرفت باسم "صفقة القرن"، ويتردد أنها تقوم على إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة إسرائيل، بما فيها وضع مدينة القدس الشرقية المحتلة، وحق عودة اللاجئين.