رئيس التحرير: عادل صبري 01:09 مساءً | السبت 20 أبريل 2024 م | 11 شوال 1445 هـ | الـقـاهـره °

لبنان ينتفض ضد نظامه السياسي.. هل يُسقط المحتجون «المحاصصة الطائفية»؟

لبنان ينتفض ضد نظامه السياسي.. هل يُسقط المحتجون «المحاصصة الطائفية»؟

العرب والعالم

الشعب يريد اسقاط الطائفية

لبنان ينتفض ضد نظامه السياسي.. هل يُسقط المحتجون «المحاصصة الطائفية»؟

إنجي الخولي 24 نوفمبر 2019 03:30

"كلن يعني كلن".. شعار لبناني انطلق من بلد يحوي 18 طائفة، وساهم في تجاوز الاختلافات الطائفية الكبيرة بين المتظاهرين، لتوحيد مطالبهم بتنحي الحكومة كاملة.

 

الشعار اللبناني يحمّل بين طياته مسئولية الفساد لجميع السياسيين دون استثناء، ولليوم الـ38 على التوالي، نظم المحتجون مسيرات في لبنان، وحملوا الأعلام اللبنانية، مؤكدين "استمرار الثورة والإصرار عليها حتى تحقيق كامل المطالب".

 

ففي الشوارع يتظاهر اللبنانيون بجميع طوائفهم وبمختلف أعمارهم، وشملت  الاحتجاجات جميع أنحاء البلاد – بما في ذلك المناطق التي تقع ضمن نفوذ "حزب الله" الشيعي أو مناطق نفوذ رئيس الوزراء السني سعد الحريري.

 

اتفق لبنان على زعمائه

ولم يرضَ المتظاهرون المناهضون للحكومة الذين ملأوا شوارع لبنان بمقترحاتٍ تفضي إلى تخفيض رواتب السياسيين وإجراءات لاستعادة الأموال المنهوبة، وإنشاء لجنة وطنية لمكافحة الفساد.

 

ويتفق المحتجون في مطالبهم فهم  يريدون إنهاء الفساد واستقالة حكومة سعد الحريري وإجراء انتخابات جديدة وتجاوز المحاصصة الطائفية السياسية.

 

ولم يوهن عزمَهم التخلي عن خطة فرضِ ضريبة على المكالمات عبر الإنترنت، وحتى استقالة الحريري. إذ إن ما يطالبون به في الحقيقة، هو هزيمة كاملة للطبقة الحاكمة في البلاد.

ويريد بعضهم إعادة تشكيل النظام السياسي بأكمله في هيئة تلغي الإطار الحالي القائم على الطوائف الدينية والمذهبية، الإطار الذي يحملونه مسئوليةَ تمكين زعماء يفتقرون إلى الكفاءة، ولا يخدمون سوى أنفسهم وربما أتباع طوائفهم الدينية، ولا تعنيهم خدمة البلاد في شيء، بحسب "بلومبرج" الأمريكية.

 

ولتجنب التقاسم التقليدي داخل المجتمع، الذي يمكن أن يقوض الحركة الاحتجاجية، تركز كل مجموعة بذاتها على اسقاط الأنظمة السياسية القائمة في مناطقها. فالسنة مثلا في شمال لبنان يمزقون صور رئيس الوزراء سعد الحريري.

 

والمسيحيون يحرقون ملصقات الرئيس الماروني ميشال عون. والشيعة يشتمون جماعة "حزب الله" ويغنون أغانٍ ضد حركة أمل الشيعية، التي ينتمي إليها رئيس البرلمان نبيه بري ، بحسب " بي بي سي".

 

نظام الطائفيه ومميزاته

يعترف لبنان رسمياً بـ 18 مجموعة أو «طائفة» دينية، تشمل 12 طائفة مسيحية و4 إسلامية، إضافة إلى الدرزية والديانة اليهودية. ويشرف مزيج من تقاليد وقوانين تعود إلى حقبة الحكم الفرنسي بعد الحرب العالمية الأولى، على تقسيم السلطة السياسية في البلاد فيما بين تلك الطوائف.

 

إذ تقسم المناصب الحكومية رفيعة المستوى والمقاعد التشريعية ووظائف الخدمة العامة بالتساوي بين المسيحيين والمسلمين.

 

وبموجبِ الاتفاق، تكون المناصب الرئيسة في البلاد كالتالي: رئيس مسيحي ماروني، ورئيس وزراء مسلم سني، ورئيس برلماني شيعي.

 

وتتمتع الجماعات الدينية المختلفة باستقلالية في المسائل الشخصية لأفرادها، مثل قوانين الأسرة والزواج والطلاق.

 

وفي المقابل ، يُغدق كثيرون في لبنان وخارجه المديحَ على نموذج تقاسم السلطة الحالي بوصفه نموذجاً للتعايش بين طوائف مختلفة. وقال البابا يوحنا بولس الثاني في زيارة له في عام 1997، إن لبنان قدم للعالم رسالةً في «التسامح والتعددية».

ولا شك في أن اللبنانيين يتمتعون بدرجة عالية من حرية التعبير والحريات المدنية الأخرى مقارنةً بجيرانهم العرب. وظلّت البلاد مستقرة نسبياً على مدار أكثر من ثماني سنوات من الحرب في سوريا المجاورة، التي جرى القتال فيها على أسس طائفية إلى حد كبير.

 

إذ انتهت الحرب الأهلية الخاصة بلبنان، والتي استمرت من 1975 إلى 1990، باتفاق سلام [اتفاق الطائف] أجرى إصلاحات على النظام الطائفي، وأُدخلت تعديلات أخرى عليه في عام 2008.

 

وشهد اتفاق الطائف، تعديل الدستور اللبناني، ليقلص سلطات رئيس الجمهورية، ورغم أن هذا الدستور ينص على أن لبنان بلد جمهوري ديمقراطي برلماني، إلا أن البنية الطائفية، للنظام السياسي في لبنان، تجعل من شبه المستحيل اتخاذ أي قرارات كبرى، دون توافق جميع الفرقاء.

 

ويعتبر كثير من اللبنانيين الرافضين للنظام حاليا، أن النظام السياسي، الذي بني على أساس اتفاق الطائف، هو السبب وراء ما يعانيه لبنان حاليا، إذ أنه رسخ في الأساس لتقوية الزعامات الطائفية، في مواجهة بعضها البعض، بدلا من أن يضع المواطن اللبناني وحاجاته، أيا كان انتماؤه موضع اهتمامه الأول.

 

ويعتبر تيار من الناشطين اللبنانيين، أن إلغاء الضرائب، وحتى إسقاط الحكومة ليس هو الحل بالنسبة لمشكلات لبنان، ويرون أن الهدف يجب أن يكون تقويض دولة الطائفية كما يصفونها، والعمل على إقامة نظام سياسي جديد كليا، يستند إلى دولة ترسخ حقوق المواطنة بعيدا عن الطائفية والمناطقية.

 

"المحسوبية والمحاباة "

يقول المنتقدون إن النظام القائم يرتكز على أسس من المحسوبية ومحاباة الأقارب، ويستخدم فيه السياسيون الأموالَ العامة لمصلحتهم الخاصة، ويضخّمون القطاع العام بضمِّ أتباعهم إليه لاسترضاء دوائرهم الانتخابية.

 

وقدّر البنك الدولي في عام 2016، أن الافتقار إلى الفعالية الناتج عن إطار العمل هذا يكلِّف الاقتصاد اللبناني 9% من إجمالي الناتج المحلي سنوياً، إذ يستند التوظيف إلى الطائفة التي يهيمن أتباعها على المؤسسة المعنية لا الأهلية والكفاءة شرطاً مسبقاً للالتحاق بالوظيفة الحكومية.

 

وأخذ النظام يُحدث مظالم حقيقية وآثاراً جانبية في الماضي، لكن البلاد اليوم أمست في حالة مالية كارثية، فقد بات لديها أحد أكبر أعباء الديون في العالم مقارنةً مع ناتجها المحلي الإجمالي، إضافة إلى اقتصاد راكد ونسبة بطالة تصل إلى نحو 20%. تعوق الترتيبات الخاصة بالنظام السياسي الهيئات التنفيذية والتشريعية عن اتخاذ القرارات، إذ يتطلب إصدارها الوصول إلى توافق في الآراء أولاً.

 

وهكذا أخذت تشلُّ النزاعات الحكومات والبرلمانات المختلفة، وأدّت إلى مدد فراغ طويلة في السلطة، حتى إن الأمر استغرق، في مرة من المرات، من أحد رؤساء الوزراء المعينين نحو عامٍ كامل لتشكيل حكومة تدير شؤون البلاد.

 

وبحسب مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، حصل لبنان عام 2018 على 28 من مئة نقطة في ما يتعلق بفساد القطاع العام، وهو ما يجعله واحدا من أشد البلدان فسادا في المنطقة.

 

ويحتل لبنان المركز 138 عالميا بين 180 دولة. وذكرت المنظمة أن مؤشرات الفساد في لبنان مستقرة، وإن كانت تخضع لملاحظة بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد.

ومن بين حيثيات تصنيف لبنان في هذا المركز تأتي حالة التخبط التي مرت بها البلاد في الانتخابات النيابية العامة العام الماضي. وأشارت المنظمة إلى مخاوف بشأن "تمويل الأحزاب وسوء إدارة العملية الانتخابية".

 

كما ذكر تقرير نشرته المنظمة في يناير الماضي أن القوانين واللوائح المتعلقة بتمويل الأحزاب السياسية "تفتقر إلى بعض العناصر الجوهرية، بما في ذلك معايير الشفافية والمساءلة."

 

مطالب المحتجّون

أولاً، يريدون محاسبة السياسيين الذين سرقوا، رغم أن كثيرين يتشككون فيما إذا كان قضاة البلاد على مستوى هذه المهمة، لأنهم هم أنفسهم معينون على أساس انتماءاتهم السياسية والدينية.

 

والأهم من ذلك، يقول المحتجون بضرورة إلغاء النظام الطائفي لاستيعاب جيل أصغر سناً لا يملك ذكريات عن الحرب الأهلية وانفصل عن الانتماءات الطائفية.

 

رداً على ذلك، قال الرئيس ميشال عون إن ذلك يتطلب تغييراً عبر المؤسسات الدستورية لا من خلال ساحات الشوارع.

 

وقال عون في رسالة وجهها إلى اللبنانيين عشية احتفال لبنان بالذكرى السادسة والسبعين للاستقلال، بثتها شاشات التلفزة المحلية "أكرر هنا ندائي إلى المتظاهرين للاطلاع عن كثب على المطالب الفعلية لهم وسبل تنفيذها، لأن الحوار وحده هو الطريق الصحيح لحل الأزمات".

 

وأقر الرئيس اللبناني في كلمته بأن التحركات الأخيرة "كسرت.. بعض المحرمات السابقة وأسقطت، إلى حد ما، المحميات، ودفعت بالقضاء إلى التحرك" على خلفية ملفات فساد يُطالب المتظاهرون بمحاسبة المسؤولين عنها. إلا أنه اعتبر في الوقت ذاته أن تحول "الإعلام والشارع والجدل السياسي إلى مدعٍ، ومدعٍ عام، وقاضٍ، وسجان في آن، فهذا أكثر ما يسيء إلى مسيرة مكافحة الفساد".

 

وسارع المتظاهرون في الشارع إلى الرد على خطاب الرئيس، وعمدوا إلى قطع طرق في مناطق عدة، خصوصا في البقاع (شرق) وطرابلس (شمال). وقال متظاهر لقناة محلية أثناء مشاركته في قطع جسر الرينغ المؤدي إلى وسط بيروت "بدل أن يُحاسب الفاسدين، يلقي اللوم على الإعلام والمتظاهرين؟". وعلّق متظاهر آخر على كلام الرئيس بالقول "ألقى علينا وعظا، لكن ما يهمنا هو (معرفة) متى موعد الاستشارات".

 

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان