رئيس التحرير: عادل صبري 08:48 مساءً | الخميس 28 مارس 2024 م | 18 رمضان 1445 هـ | الـقـاهـره °

من الطاقة إلى الغذاء.. كيف تخطط روسيا لتأسيس نفوذها الجديد بالخليج؟ (تحليل)

من الطاقة إلى الغذاء.. كيف تخطط روسيا لتأسيس نفوذها الجديد بالخليج؟ (تحليل)

العرب والعالم

بوتين والملك سلمان

من الطاقة إلى الغذاء.. كيف تخطط روسيا لتأسيس نفوذها الجديد بالخليج؟ (تحليل)

محمد الوقاد 29 أكتوبر 2019 23:26

تبدو روسيا مصرة على اختراق مناطق جديدة بنفوذها، حتى وإن كان المنطق أمام قادة موسكو يشير إلى أن تلك المناطق محاطة بصعوبات جمة، ومن الواضح أن القرار الروسي هنا يركز على التأثير البطئ وليس السريع، ومن باب أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا.

 

قد تنطبق هذه الحالة بشكل كبير على مسألة الرغبة الروسية في فتح صفحة علاقات جديدة ومتينة مع دول الخليج، وهي المسالة التي تزايد الزخم حولها خلال الفترة الأخيرة، لاسيما مع الزيارة التي أجراها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" إلى الخليج، منتصف أكتوبر الجاري.

 

تريد روسيا بشكل أساسي توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري مع دول الخليح، لاسيما السعودية والإمارات، كمقدمة لتعاون سياسي، ولكن حتى مسألة التعاون التجاري يقف في طريقها تحد كبير لموسكو، وهو أن الاقتصاد الروسي والخليجي متشابهين وقائمين بشكل كبير على الطاقة، ويعني هذا أن كل طرف لا يملك الكثير مما يفتقده الطرف الآخر، وهو الأمر المهم لإنشاء علاقة تبادل تجاري متطورة.

 

وعلى النقيض من ذلك، فإن تجارة روسيا مع الدول الأقل وفرة في الطاقة مثل مصر أو تركيا أكبر بكثير من الحجم الإجمالي لتجارة روسيا مع دول الخليج الست.

 

اتفاقيات قليلة

 

النتيجة الحتمية لهذا الأمر هو أن ما وقعه "بوتين" من اتفاقيات في السعودية والإمارات، خلال زيارته الأخيرة لهما، لم يكن على المستوى المأمول، وكان معظمها في مجال الطاقة، حيث تم توقيع سلسلة من مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون بقيمة ملياري دولار مع السعودية، و1.3 مليارات دولار مع الإمارات.

احتلت الاتفاقات المتعلقة بالطاقة مركز الصدارة. وشمل ذلك منح "أدنوك" الإماراتية حصة قدرها 5% في امتياز "غشا" للغاز الحامض المملوك لصالح شركة "لوك أويل" الروسية، ما يمثل أول مشاركة لشركة طاقة روسية داخل دولة الإمارات.

 

وكان هناك اتفاق مهم آخر هو الاستحواذ المشترك على حصة 30.76% في شركة معدات خدمات حقول النفط الروسية، "نوفومنت"، من قبل صندوق الاستثمار العام السعودي وصندوق الاستثمار المباشر الروسي.

 

ومع حصة 4% من سوق خدمات حقول النفط العالمية، تعد "نوفومنت" أحد الأصول الجذابة التي كانت تتطلع إليها شركة "هاليبورتون" الأمريكية عام 2018. ومع ذلك، قد يتم حظر البيع للشركة الأمريكية بواسطة "هيئة مكافحة الاحتكار الفيدرالية الروسية"، بسبب أن "نوفومنت" تقوم بتصنيع المضخات التي تنتج 20% من النفط الروسي، وتصنف على أنها من الأصول المحلية الاستراتيجية.

 

وستستفيد المشروعات المحتملة من النجاح الذي تحقق في الأعوام القليلة الماضية في التعاون المستمر بين صندوق الاستثمار العام السعودي وصندوق الاستثمار المباشر الروسي في بناء مجمع "توشينو" التكنولوجي في روسيا، وكذلك استحواذ صندوق الثروة السيادية في أبوظبي، "مبادلة"، على حصة في "المجموعة الروسية للياقة البدنية" بمشاركة صندوق الاستثمار الروسي.

ومن المقرر أن تستمر المشروعات القائمة على الهيدروكربونات في التوسع. وتشمل المشاريع المحتملة تعاون شركة "سيبور" الروسية للبتروكيماويات و"أرامكو" السعودية لبناء مصنع للمطاط الصناعي في المملكة وحصة سعودية محتملة في المرحلة الثانية من مصنع "نوفاتيك" للغاز الطبيعي المسال في "يامال" في القطب الشمالي.

 

ومع ذلك، يبقى تحقيق المشاريع التي تم الإعلان عنها خلال الزيارة قيد الانتظار، لأن معظم الاتفاقيات لم تكن ملزمة. وخلال زيارة العاهل السعودي "سلمان بن عبد العزيز" إلى موسكو عام 2017، تم إبرام عدد كبير من الصفقات، لكن الكثير منها لا يزال على الورق، بما في ذلك اهتمام الرياض بشراء نظام الدفاع الصاروخي الروسي  "إس-400".

 

التبادل التجاري

 

ولكن ماذا عن التبادل التجاري الحالي بين الجانبين.

 

كأكبر شريك تجاري لروسيا في الخليج، وفقا لصندوق النقد الدولي، زادت تجارة الإمارات مع روسيا من 600 مليون دولار إلى 2.4 مليارات دولار بين عامي 2007 و2018.

 

وصلت التجارة السعودية الروسية إلى 1.9 مليارات دولار في عام 2014، خلال ذروة أسعار النفط، لتتراجع إلى 900 مليون دولار في عام 2018، بما يعادل ما كانت عليه عام 2007.

 

لكن موسكو يبدو أنها تجهزت لتجاوز عقبة تشابه الاقتصاديات مع الخليج، حيث يرى تقرير نشره معهد دول الخليج العربي في واشنطن أن الروس يخططون لإنشاء مصادر جديدة للتعاون التجاري مع دول الخليج خلال السنوات الخمس المقبلة، مثل الغذاء والموانئ.

 

ومن المتوقع أن تدخل روسيا، أكبر دولة مصدرة للقمح في العالم، من جديد إلى سوق الحبوب السعودي، لتستحوذ على حصتها في السوق من الموردين الأوروبيين.

 

وبفضل جهود الضغط التي بذلتها روسيا، مع المخاوف السعودية بشأن الأمن الغذائي لسكانها الذين يتزايد عددهم بسرعة، أعلنت المملكة في أغسطس/آب أنها ستخفف من المواصفات القياسية لواردات القمح، ويفتح هذا السوق بشكل فعال للواردات الروسية.

 

وتدرس الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والحيواني الاستثمار في منتج الحبوب الروسي "آر زد أغرو"، لتأمين إمدادات الحبوب، في حين تهتم "مبادلة" بشراء حصص في شركتين زراعيتين روسيتين.

 

وقد يكون السبيل الجديد الآخر للتعاون بين الخليج وروسيا هو إدارة الموانئ على طول ممر بحر الشمال الروسي في القطب الشمالي، حيث تجعل ظاهرة الاحتباس الحراري وكسارات الجليد التي تعمل بالطاقة النووية الروسية من الممر خيارا قابلا للتطبيق وتوفر طريقا أقصر للشحن بين الشرق والغرب.

 

ومنذ عام 2013، على سبيل المثال، ازدادت حركة الملاحة البحرية هناك 5 أضعاف، ومن المتوقع أن تتضاعف 4 مرات من الآن حتى عام 2024 بعد اعتماد الصين لـ"طريق الحرير القطبي". ووافقت موانئ دبي العالمية، ومقرها دبي، في يونيو/حزيران، على دراسة جدوى لبناء سلسلة من الموانئ على طول القطب الشمالي مع شركاء روس.

 

الخلاصة أن روسيا ليست متعجلة لقطف نتائج ثمار تقاربها مع الخليج، والوتيرة الآن تسير ببطء، ولكن بثبات.

  • تعليقات فيسبوك
  • اعلان

    اعلان