يطرح تزايد وتيرة عمليات قصف منسوبة لإسرائيل لمعسكرات "الحشد الشعبي" المقرب من إيران في العراق، تساؤلات حول الهدف من هذه العمليات وقدرة بغداد على التصدي لانتهاك أجوائها، وموقف واشنطن التي تحتفظ ببضعة آلاف من قواتها هناك، وما إن كان العراق قد تحول إلى ساحة لتصفية الحسابات بين تل أبيب وطهران.
ومساء أمس الثلاثاء، انفجر مخزن للعتاد تابع للحشد الشعبي، قرب قاعدة بلد الجوية التي تضم مستشارين أمريكيين وأجانب في محافظة صلاح الدين شمالي العراق، في تفجير هو الرابع من نوعه خلال الشهر الجاري.
ويرى مراقبون أن تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أمس الثلاثاء، تحمل في طياتها إقراراً ضمنياً بمسؤولية قصف معسكرات الحشد الشعبي بالعراق.
وقال نتنياهو للصحافيين أمس الثلاثاءـ من العاصمة الأوكرانية كييف حينما سُئل عن قصف معسكر الحشد الشعبي إن "إيران ليس لديها حصانة في أي مكان".
وأضاف نتنياهو "إيران تهدد إسرائيل، وإسرائيل تعمل وتتصرف ضد إيران، متى كان ذلك ضروريًا".
وفي 12 من أغسطس الجاري وقعت انفجارات مجهولة بـ"معسكر الصقر" التابع للحشد الشعبي بمنطقة الدورة جنوبي بغداد، طال أحدها مخزن أسلحة ومعدات عسكرية ما أسفر عن سقوط 30 شخصاً بين قتيل وجريح، وفق إعلام محلي.
إلا أن قصف أمس هو الأول من نوعه بعد قرار رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، منع تسيير الطائرات ذات المهام العسكرية الخاصة بأجواء البلاد.
والخميس الماضي، قرر عبد المهدي "إلغاء كافة الموافقات الخاصة بالطيران في الأجواء العراقية (الاستطلاع، الاستطلاع المسلح، الطائرات المقاتلة، الطائرات المروحية، الطائرات المسيرة بكل أنواعها) لجميع الجهات العراقية وغير العراقية".
وحصر في بيان لمكتبه الموافقات الخاصة بالطيران "على أن تكون من القائد العام للقوات المسلحة (عبد المهدي) حصرأ أو من يخوله".
ودعا عبد المهدي جميع الجهات إلى الالتزام بهذا التوجيه وأن أية "حركة طيران خلاف ذلك تعتبر طيرانا معاديا يتم التعامل معه من دفاعاتنا الجوية بشكل فوري".
ومساء الجمعة، أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في بيان امتثاله لتوجيهات عبد المهدي بشأن حظر الطيران.
وقال التحالف "كضيف ضمن الحدود السيادية للعراق، يمتثل لجميع القوانين والتوجيهات من حكومة العراق، وسيمتثل على الفور لجميع التوجيهات الواردة من شركائنا العراقيين أثناء قيامهم بتنفيذ أمر رئيس الوزراء".
لكن مصادر إسرائيلية شككت في إمكانية أن ينجح عبد المهدي في حظر الطيران العسكري ببلاده.
وقال موقع "ديبكا" العبري ذو التوجه الاستخباري "أمام رئيس الوزراء العراقي عدة مشاكل أمام تنفيذ هذا الأمر. فبإمكان إسرائيل أن ترسل للأجواء العراقية الطائرة الشبح F-35 والتي لا يملك العراق منظومة لرصدها أو استهدفها".
وتوقع محللون في إسرائيل ألا تقف إيران مكتوفة الأيدي أمام الهجمات الإسرائيلية خاصة إذا ما كان الحديث يدور عن قصف معسكرات تخزن بها طهران صواريخ وأسلحة تسعى لتهريبها عبر العراق إلى حزب الله اللبناني، ونظام الأسد في سوريا، وفق قولهم.
وقالت القناة "13" العبرية في تحليل لها الثلاثاء إن إيران تحاول التمركز في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهي تتمركز حاليا في العراق كجزء من مساعيها لإيجاد ممر تهريب لنقل الأسلحة إلى حزب الله والنظام السوري".
وأضافت :"في الأيام الماضية قال مسؤولون في النظام الإيراني إن المساس بالمليشيات الشيعية بالعراق يعتبر مساساً بالأمن القومي الإيراني، لافتين على أنهم لن يسمحوا بأن يصبح العراق إلى سوريا أخرى يمكن لأية جهة الضرب هناك".
وتابعت " ينظر الإيرانيون إلى العراق باعتباره نقطة ضعف عسكرية ويعملون بكثافة أكبر لمنع الغارات الجوية في المنشآت الموجودة داخل الأراضي العراقية".
وبحسب القناة ذاتها، فإن إيران تسعى أيضا من التموضع في العراق للهجوم على السعودية إذا لزم الأمر.
ومنذ إسقاط نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين في 2003 على يد قوات دولية بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، تسود علاقات وثيقة بين العراق وإيران، وتقود العراق حاليا، حكومة ذات غالبية شيعية مقربة من طهران.
وفي ذات السياق، قال موقع "يسرائيل ديفينس" الأمني متساءلاً :"هل تحول العراق إلى ساحة حرب في المواجهة بين إسرائيل والولايات المتحدة وبين إيران؟".
وأضاف "هذه المنطقة بالعراق، حيث تتعرض القواعد للهجوم، هي في الواقع بمثابة ممر بري يربط إيران عبر العراق بلبنان وسوريا. وحتى قبل حوالي عامين، كانت المنطقة تحت سيطرة داعش، لكن احتلتها الميليشيات الشيعية التي تعمل تحت إمرة القيادة الإيرانية".
ويرى الموقع أنه "سواء كانت الولايات المتحدة ضالعة بشكل مباشر في الهجمات على الأهداف الإيرانية بالعراق أم لا، فإنه في ضوء التوترات المتصاعدة في الخليج ومضيق هرمز واليمن، بين واشنطن وحلفائها من جهة وإيران، وانضمام إسرائيل الواضح إلى التحالف الأمريكي المتبلور، فإن الهجمات الإسرائيلية في العراق، تحظى غالباً بدعم كامل من الولايات المتحدة".
يشار إلى أن الحكومة العراقية، برئاسة رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، أبرمت الاتفاقية الأمنية مع الولایات المتحدة في 2008، والتي مهدت لانسحاب جميع القوات الأمريكية المقاتلة من العراق نهاية 2011
.
وينتشر نحو 5 آلاف جندي أمريكي في العراق منذ تشكيل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عام 2014، لمحاربة تنظيم "داعش" الإرهابي.