الحضور الباهت للقوى الأوروبية الرئيسة في مؤتمر وارسو من أجل السلام والأمن في الشرق الأوسط ، يعكس غضب هذه القوى المتزايد من سياسات الولايات المتحدة الانفرادية حيال سوريا وإيران.
فالمؤتمر يخفي مثلما كتبت صحيفة "لوفيجارو" نية الحد من النفوذ الإيراني الذي يتسبب في زعزعة الأمن في المنطقة، حيث تظل إيران الهاجس الرئيسي للبيت الأبيض منذ أن دخله دونالد ترامب.
ويسلط غياب وزراء خارجية القوتين الأوروبيّتين الكبيرتين ألمانيا وفرنسا الضوءَ على التوتر مع الاتحاد الأوروبي، بسبب قرار ترامب العام الماضي الانسحاب من الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 مع إيران، وإعادة فرض العقوبات عليها.
وعلى الرغم من أن هذا المؤتمر بحسب ما أعلن مسئولون أمريكيون، يهدف إلى زيادة الضغوط على إيران، فإن الدولتين المنظمتين للمؤتمر، بولندا والولايات المتحدة، أعلنتا أنه لن يركز على إيران أو يؤسس تحالفاً ضدها فقط بل سيعكف على النظر في مشكلات الشرق الأوسط بشكل عام.
الغائبون
وقال مسئول في الاتحاد الأوروبي إن فيدريكا موغيريني مسئولة السياسة الخارجية بالاتحاد، التي كانت طرفاً أساسياً في اتفاق إيران النووي، لن تحضر المؤتمر الذي يستمر على مدى يومين، بسبب ارتباطات أخرى.
لكن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو سيسافر إلى بروكسل يوم الجمعة للاجتماع معها. وسوف ينضم مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي إلى بومبيو في وارسو.
وهون الوزير الأمريكي من شأن غياب وزراء أوروبيين بارزين عن المؤتمر، وذلك خلال توقف في العاصمة السلوفاكية براتيسلافا، يوم الثلاثاء، قبل أن يتوجه إلى وارسو.
ويغادر وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت قمة وارسو مبكراً؛ متذرعاً بوجود بعض الأعمال التي يحتاج إنجازها مع مجلس العموم بشأن صفقة البريكست. فيما سترسل فرنسا أحد موظفي حكومتها، وستوفد ألمانيا وزير الخارجية الأحدث عهداً لديها.
ووُضِعَت الأجندة الأولية للقمة بعد أن أخبرت أوروبا واشنطن أنَّ عقد قمة من شأنها إبراز الخلافات بين الجانبين حول إيران ليست بـ «الفكرة السديدة».
ولم تستشر واشنطن الاتحاد الأوروبي قبل أن يعلن وزير خارجيتها مايك بومبيو عن القمة، التي ستشارك في استضافتها بولندا.
وبالرغم من إعادة تسمية أجندة القمة بحيث تركز على السلام والأمن في الشرق الأوسط، لا تزال تراود الدبلوماسيين الأوروبيين شكوكٌ في إمكانية أن يخفض أشخاص مثل بومبيو ونائب الرئيس الأمريكي مايك بنس من حدة خطاباتهم المعادية لإيران خلال القمة.
وستُعقد الجلسة الرئيسية الخميس ويلقي فيها بنس وبومبيو ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو كلمات أمام المشاركين.
باستثناء إسرائيل، والدول العربية المعادية لإيران، والإدارة الأميركية، فإن جميع الدول تقريباً لا تزال تدعم الاتفاق النووي الذي أبرمته طهران مع القوى الكبرى في 2015 وانسحبت منه واشنطن.
ويظل الاتحاد الأوروبي داعماً قوياً للاتفاق النووي الإيراني ، الذي انسحبت منه الولايات المتحدة، حتى وإن كان الاتحاد ينتقد برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.
ونجح الاتحاد أخيراً في تصميم آلية تجارة أولية للتصدي للعقوبات التي فرضتها واشنطن عقب هذا الانسحاب على الشركات التي واصلت معاملاتها التجارية مع إيران.
العرب و إسرائيل يجتمعون
ويؤكّد حضور الدول الخليجية الرائدة المعادية لإيران ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى قمة وارسو، كيف يمكن للعداء ضد إيران أن يجلب بعض الدول العربية وإسرائيل معاً.
وفي هذا الصدد، قال أحد دبلوماسيي الغرب إنَّ هذه القمة ستكون المرة الأولى التي تجتمع فيها الدول العربية وإسرائيل منذ مؤتمر مدريد للسلام عام 1991.
ومن بين الدول التي لن تشارك في القمة: قطر وتركيا ولبنان وإيران، إلى جانب السلطة الفلسطينية.
طهران: وارسو "ولد ميتًا"
اعتبر وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن مؤتمر وارسو الذي تنظمه أمريكا وتستضيفه بولندا وتشارك فيه ستون دولة بهدف محاصرة إيران وتأمين المزيد من الدعم لإسرائيل "ولد ميتاً".
وقال ظريف خلال مؤتمر صحفي في طهران إن مؤتمر وارسو "مسعى جديد تبذله الولايات المتحدة في إطار هوسها الذي لا أساس له إزاء إيران. أعتقد أن مؤتمر وارسو وُلد ميتاً" .
وقال إن واشنطن لا يهمها مطلقاً أن يكون المؤتمر منبراً لتبادل الآراء بين الدول الستين المشاركة.
وأضاف "أعتقد أن مجرد عدم سعيهم لاصدار بيان يتم الاتفاق بشأنه، ومحاولتهم فرض بيان لهم نيابة عن الجميع، يظهر أنهم أنفسهم لا يكنون أي احترام لهذا المؤتمر".
وقال "أنت لا تُحضر في العادة 60 بلدا ودولة للتحدث نيابة عنهم. هذا يشير إلى أنهم لا يعتقدون أن هناك ما يمكن أن يكسبوه من هذا الاجتماع".
وقال ظريف إن معظم الدول ستشارك في المؤتمر بسبب ضغوط من الولايات المتحدة.
وأضاف "لقد استخدموا أموالهم ونفوذهم والقوة العسكرية الأمريكية .. لقد استخدموا النفوذ الذي لديهم على مختلف الدول من أجل استقطاب المزيد منها إلى هذا الاجتماع".
وقال المرشد الإيراني علي خامنئي ، الأربعاء، إن التفاوض مع الولايات المتحدة لن يجلب سوى «الخسارة»، وإن إيران يجب أن تحرص على الحد من أي تعاملات مع دول أوروبية «غير جديرة بالثقة».
وتصاعدت التوترات بين الولايات المتحدة وإيران بعد انسحاب ترامب من اتفاق نووي متعدد الأطراف وإعادته عقوبات على طهران.
وقال خامنئي، الشهر الماضي، إن العقوبات الأمريكية تشكل ضغطاً غير مسبوق على إيران.
واتجهت طهران إلى باقي الموقعين على الاتفاق لإنقاذه، خاصة القوى الأوروبية؛ فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
وكتب خامنئي بموقعه الرسمي على الإنترنت "فيما يتعلق بأمريكا.. ما من مشكلة يمكن حلها والمفاوضات معها ليست سوى خسارة اقتصادية ومعنوية".
وأضاف: "اليوم يرى الشعب الإيراني أن بعض الدول الأوروبية ماكرة وغير جديرة بالثقة مثل أمريكا المجرمة، ويجب على حكومة الجمهورية الإسلامية أن تراعي بحرص حدودها معها".
وتابع قائلاً: "يجب ألا تتراجع إيران خطوة واحدة عن القيم الوطنية والثورية".
وأشار خامنئي إلى العقوبات باعتبارها تحدياً خارجياً كبيراً للدولة، وقال في تلميح واضح للرئيس حسن روحاني إن "الضعف في الإدارة" أحد التحديات الداخلية الكبرى.
وفتحت فرنسا وألمانيا وبريطانيا، الشهر الماضي، قناة جديدة للتجارة غير الدولارية مع إيران، للالتفاف على العقوبات الأمريكية، لكن مسئولين إيرانيين كباراً قالوا إن أوروبا لم تفعل ما يكفي للحفاظ على الاتفاق.