تعمل روسيا بالتعاون مع عدد من الدول بينها الصين وتركيا على الحد من هيمنة الدولار على التجارة العالمية، فيما تسعى إيران إلى توسيع آلية للتعامل المالي والتجاري الدولي تساعد في الالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة عليها منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي.. فما هي آخر خطوات طهران؟ ... وهل تؤثر خطة روسيا على سعر الدولار؟.
السفير الروسي لدى إيران أكد ، الأربعاء، أن موسكو وطهران استغنتا "عمليًا" عن العملة الأمريكية في التجارة الثنائية، وتعكفان على استخدام الروبل والريال الإيراني في التعاملات التجارية.
وقال السفير ليفان جاغاريان لوكالة "تاس" إن "استبدال الدولار بالعملات الوطنية في التجارة مع إيران له أهمية حيوية بالنسبة لروسيا، وتم الاستغناء عن الدولار في التعاملات التجارية مع الإيرانيين".
وأضاف: "سنعتمد الروبل والريال الإيراني وفي حالات الضرورة الملحة سنستخدم اليورو إن لم تكن لدينا خيارات أخرى"، مشددا على أن المصارف في كلا البلدين بمقدورها التعامل مع هذه المهمة الصعبة.
وعن الآلية المالية التي أطلقتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا مؤخرا لتسهيل التجارة مع إيران لتجاوز العقوبات الأمريكية عليها، قال: "الآلية تثير أسئلة أكثر مما تعطي الإجابات، وهي عبارة عن خطوة سياسية تهدف للحفاظ على الاتفاق النووي المبرم مع طهران".
وتظهر بيانات الجمارك الروسية أن التبادل التجاري بين روسيا وإيران زاد خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام الماضي بنسبة 7.5% مقارنة بالفترة نفسها من 2017، وبلغ 1.564 مليار دولار.
إيران تخترق العقوبات
وتأمل إيران في أن تحقق هذه الآلية اختراق للعقوبات الأمريكية يتيح لها التعامل مع الشركات الأوروبية والآسيوية.
فالتبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإيران العام الماضي بلغ 20 مليار دولار، أي قبل تطبيق العقوبات الأميركية، حيث يتوقع أن يتدهور هذا التبادل ليصل إلى مستويات متدنية، أولا بسبب التزام الشركات الأوروبية الكبيرة بالمقاطعة الأمريكية، وثانياً لعدم قدرة إيران على تسديد قيمة مشترياتها ضمن النظام المالي العالمي .
وكانت الولايات المتحدة قد اعادت فرض عقوبات واسعة على إيران، في أعقاب انسحابها من الاتفاق الموقع بين السداسية الدولية (بريطانيا الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا) مع إيران بشأن برنامجها النووي في عام 2015.
وشملت العقوبات الأمريكية مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية والصناعية وعلى رأسها قطاع النفط الذي يعتبر مصدر الدخل الأساسي للعملات الصعبة التي تحتاجها إيران.
روسيا تلجأ للذهب
وتعمل روسيا بالتعاون مع عدد من الدول بينها الصين وتركيا على الحد من هيمنة الدولار على التجارة العالمية، وسط تصاعد التوترات التجارية والسياسية مع واشنطن، كما دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين العام الماضي للتخلي عن الدولار وتقليص اعتماد الاقتصاد الروسي على العملة الأمريكية.
وكانت روسيا قد اعلنت أنّ عقد توريد منظومة صواريخ "إس 400" إلى الهند سيتم باستخدام العملة الروسيّة "الروبل"، وأشارت أنها ستقوم ببيع جميع صفقاتها العَسكريّة بالعُملة الروسية لفك الارتباط بالدولار الأمريكيّ نِهائيا.
وكانت موسكو قد أقدَمت على الخُطوة نفسها قبل شَهرٍ تَقريبًا عندما اتَّفَقت مع تركيا على استخدام عُملات البَلدين لتسديد أثمان صفقة صواريخ مُماثِلة، وكُل التَّعامُلات التجاريّة الأُخرى بين البَلدين التي تَصِل قيمَتها حاليًّا إلى أكثَر مِن 35 مِليار دولار سَنويًّا.
وكان الخبير الأمريكي جيمس ريكاردز، قد قال أن لدى السلطات الروسية "خطة استراتيجية"، وإن الذهب هو "استثمار مثالي" للحماية من العقوبات الأمريكية.
ولفتت صحيفة "Die Welt" الألمانية إلى "أنه على مدى العقد الماضي، زادت موسكو احتياطاتها من المعادن الثمينة بشكل منهجي، من 457 طن في عام 2008 إلى 1944 طن بحلول يوليو 2018. وهكذا، فإن روسيا، من خلال هذه المؤشرات، قد تفوقت حتى على الصين وأصبحت خامس دولة في العالم لاحتياطات الذهب".
وفي الوقت نفسه، ومن أجل تحقيق خطتها الاستراتيجية، فإن القيادة الروسية مستعدة للمضي في بعض المخاطر الاقتصادية المرتبطة بانخفاض أسعار الذهب، والتي انخفضت هذه السنة بنسبة 9%، وفقا للصحيفة.
كما ذكرت الصحيفة أن سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يستخدم الدولار بنشاط كسلاح ضد البلدان الأخرى، قد يؤدي إلى حقيقة أن الذهب سيلعب دورا أكثر أهمية في النظام المالي العالمي.
وفي وقت سابق، أشار موقع "بلومبرغ" إلى أنه في يوليو اشترت روسيا أكثر قليلا من 26 طنا من الذهب، وهكذا، بلغ إجمالي حجم احتياطيات البلاد 2170 طناً، وتقدر قيمتها بنحو 77.4 مليار دولار، حيث أجرى البنك المركزي عملية شراء أوسع للذهب فقط في نوفمبر من العام الماضي.
هيمنة الدولار تتقلص
يذكر أنه في أعقاب الحرب العالمية الثانية (1939-1945م) تضرر الاقتصاد الأوروبي والآسيوي، واستنفدت الحكومات الأوروبية احتياطات الذهب واستدانت لسداد قيمة العتاد الحربي من الولايات المتحدة الأمريكية مما منح الولايات المتحدة كميات كبيرة من احتياطيات الذهب؛ كما بقي الاقتصاد الأمريكي سالماً بنسبة كبيرة بسبب المشاركة المتأخرة للولايات المتحدة الأمريكية في الحرب وحسمها الحرب بالضربة النووية على اليابان.
ما سبق أعطى الولايات المتحدة سلطة سياسية واقتصادية نافذة، جعلها تنظم عام 1944م مؤتمراً لتأسيس نظام نقدي دولي لتنظيم الاقتصاد العالمي المتضرر ومواجهة الضائقة المالية التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، وقد تمخض عن هذا المؤتمر اتفاقية "بريتن وودز" التي اشترطت على الدول الموقعة أن تربط عملاتها إما بالذهب أو بالدولار، الأمر الذي جعل بعض الاقتصاديين يعتقدون أن الذهب أصبح أساساً للتبادل التجاري العالمي، غير أنه اتضح في ما بعد ومن خلال الواقع أن هذه الاتفاقية قد كرست فقط الهيمنة الاقتصادية للدولار على اقتصاديات العالم، وهو ما نشهده منذ ذلك الوقت حتى يومنا هذا ، بحسب"الجزيرة نت".
ومنذ عام 1944م غدا الدولار الأمريكي سيد الاقتصاد العالمي؛ غير أن الأحداث المتسارعة والبدائل التي بدأت الدول الكبرى في طرحها بعيدا عن الدولار بدأت تهز عرش العملة الأمريكية الخضراء.